جويدة يتراجع ومكرم والميرغني يخوضان المنافسة
معركة نقابة صحافيي مصر بين الاستقلالية والسلطة

إستئناف محاكمة صحافي مصري بتهمة الشائعات

بدء محاكمة رئيس تحرير الدستور المصرية

توقع إجراءات ضد الصحف الخاصة ومبارك يُطمئن

القضاء المصري ينفي محاكمة عيسى بقانون الطوارئ

مصر: إحتجاب صحف حزبية ومستقلة عن الصدور

كتب ـ نبيل شرف الدين: يكاد يسود اتفاق بين المراقبين في مصر من شتى المشارب على أن انتخابات نقابة الصحافيين المصريين المرتقبة خلال الشهر المقبل تتجاوز أفقها المهني، وتستقر في قلب الحدث العام، وربما كانت انتخابات نقابة الصحافيين هكذا دائماً، غير أن هذه المرة تأتي في ظل سلسلة من الأحداث الجارية على الصعيدين الصحافي والسياسي، ووسط جدل وانقسام داخل الجماعة الصحافية لحد يصفه بعض المراقبين بأنه يشبه quot;الحرب الأهلية الثقافيةquot;، في تعبير عن حالة الاستقطاب الحادة بين فريق quot;موالاةquot;، أصبح مرتبطاً بشكل عضوي بالسلطة ودوائرها، وفريق آخر يتشبث باستقلاله المهني والسياسي مهما كانت كلفة الأمر .

وبعد أن صدرت أحكام قضائية مثيرة للجدل، قضت بحبس خمسة من رؤساء تحرير الصحف المستقلة والمعارضة، ومحاكمة صحافيين لأسباب تتعلق بالنشر والرأي، اندلعت موجات التحريض العارمة من قبل صحافيين متنفذين ومحسوبين على الحكومة وأجهزتها، ضد زملائهم الذين اختاروا خطاً سياسياً معارضاً للتوجهات الرسمية في عدد لا حصر له من القضايا العامة المثارة على الساحة المصرية، خلال هذه المرحلة الانتقالية الحساسة من تاريخ البلاد .

وتبدأ نقابة الصحافيين المصريين اعتبارا من السبت المقبل، تلقي أوراق الترشيح لمنصب النقيب وعضوية مجلس النقابة، ومن المقرر أن تستمر خمسة أيام قبل أن تنطلق الحملات الدعائية للانتخابات التي ستجرى يوم 17 من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل . وعقب أنباء عن اتجاه إبراهيم نافع رئيس تحرير quot;الأهرامquot; والنقيب السابق، لخوض تلك الانتخابات، وهو ما نفاه نافع في وقت لاحق، كما تراجع الشاعر فاروق جويدة عن الترشيح لهذا المنصب، فقد استقرت المنافسة بين اثنين هما : مكرم محمد احمد نقيب الصحافيين الأسبق، ورجائي الميرغني وكيل النقابة السابق، اللذين أكدا عزمهما خوض هذه المعركة الانتخابية الساخنة .

السلطة ومزاياها
وخلال الأيام الماضية تواترت في أوساط الصحافيين المصريين أنباء عن اقتراح طرحه الكاتب الشهير محمد حسانين هيكل، بأن يتقدم الشاعر فاروق جويدة لخوض تلك الانتخابات، غير أنه بعد أن تسربت تلك الأنباء على نحو واسع، عاد وتراجع قائلاً إن لديه قناعات لا تحتمل المساومة، مثل إقرار قوانين لحبس الصحافيين والمساس بحرية التعبير أو التضييق على تجربة الصحافة المستقلة .

واعترف جويدة بأن هناك بالفعل انقساماً حاداً داخل الجماعة الصحافية، وحمّل الحكومة المسؤولية عن تعميق هذا الانقسام، وعلل عدوله عن الترشح لخوض الانتخابات بعدم وجود حد أدنى من الاتفاق بين السلطات والنقابة لحل الأزمة الحالية، وأضاف quot;استشعرت بأن الأمر يبدو صعباً للغاية، ومن هنا فقد قررت عدم خوض الانتخابات، لأنني لا أبحث عن صدام مع السلطة ولا أريده، ولاسيما أن السلطة لديها مرشحهاquot;، على حد قوله .

وأمام العبارة الأخيرة في تصريحات فاروق جويدة، وهي quot;مرشح السلطةquot; يتوقف أعضاء نقابة الصحافيين البالغ عددهم نحو (4500) صحافي ممن يحق لهم التصويت، والذين يعتبرون أن المرشح المدعوم من قبل السلطة هو مكرم محمد أحمد، وقد اجتمع عدد من رؤساء تحرير الصحف الحكومية مؤخراً لدعم مكرم، والذي ظل رئيسا لمجلس إدارة quot;دار الهلالquot; ومجلة quot;المصورquot; الحكومية لسنوات طويلة، وسبق أن شغل منصب نقيب الصحافيين من قبل في دورات سابقة .

ويرى عشرات الصحافيين المصريين الذين تحدثت معهم (إيلاف)، أن النقابة الآن باتت في أمس الحاجة إلى شخصية مثل مكرم محمد أحمد، فالرجل القريب من دوائر السلطة دون الارتماء في أحضانها صراحة، هو القادر على تلبية مطالب الصحافيين في هذه المرحلة الانتقالية، دون التورط في مواجهات عبثية لا طائل من ورائها مع السلطة، قد تجلب مزيداً من المتاعب والأزمات للصحافيين في هذه الظروف الحساسة.

من جانبه نفى مكرم محمد أحمد بشدة وصفه بأنه quot;كاتب السلطةquot;، أو quot;مرشح الحكومةquot; في انتخابات نقابة الصحافيين، وأكد رفضه تعبير quot;مرشح الحكومةquot; أو quot;مرشح المعارضةquot; أو quot;مرشح مستقلquot;، قائلاً إن من يخوض الانتخابات هو مرشح عن الصحافيين، ومن حق أي مرشح أن يبذل أقصى جهده للحصول على مكاسب وحقوق هؤلاء الصحافيين، ولا يوجد ما يمنع أن يكون النقيب ذا توجه سياسي معين أو معارضاً .

ومضى مكرم قائلا : quot;إنه لا يوجد ما يمنع أن يكون نقيب الصحافيين مقربا من الحكومة ودوائر صنع القرار، ويختلف مع الحكومة والنظام ويعارضه، فالانتماء الوحيد للصحافي هو المهنة فقط، فالصحافي يكتب ما يمليه عليه ضميره المهني وما يراه صوابا من دون إنتماءات سياسية أو حزبيةquot;، على حد تعبيره خلال لقائه مع الصحافيين .

ثمن الاستقلال
في الجانب الآخر من هذه المعركة الضارية أعلن رجائي الميرغني مدير تحرير وكالة quot;أنباء الشرق الأوسطquot; خوض الانتخابات منافسا لمكرم محمد أحمد، الذي أكد خلال لقاء انتخابي أنه قرر خوض تلك الانتخابات لمواجهة الأوضاع التي باتت تهدد حرية الصحافة، ووحدة الصحافيين، مشيرًا إلى أن برنامجه الانتخابي يقوم على ثلاثة محاور هي : وحدة الجماعة الصحافية، وإلغاء عقوبة حبس الصحافيين في التشريعات المصرية، وإصدار قانون ديمقراطي يضمن حرية تداول المعلومات يشارك الصحافيون في وضعه، وإزالة القيود على حق إصدار الصحف وملكيتها، فضلاً عن الحقوق الاقتصادية للصحافيين من الأجور العادلة التي تليق بطبيعة عملهم وصولاً إلى تصحيح أوضاعهم داخل المؤسسات الصحافية الحكومية والخاصة .

ويرى صحافيون تحدثت معهم (إيلاف) أن خبرة الميرغني في العمل النقابي تؤهله للتصدي لخوض المعركة بثقة إذ كان مسانداً لزملائه أثناء شغله منصب وكيل النقابة خلال دورات سابقة، كما أنه يحظى بقبول واسع لدى عدة تيارات سياسية وفكرية وفي مقدمتها التياران الناصري والإسلامي، وهما التياران اللذان يشكلان معا أغلبية داخل الوسط الصحافي المصري .

هذا بالإضافة إلى quot;المعيار العمريquot;، فهو ابن جيل الوسط، خلافاً لمكرم محمد أحمد الذي تجاوز السبعين من عمره، ظل طوال حياته المهنية يدور في فلك السلطة كاتباً ومسؤولاً يرأس مؤسسة صحافية حكومية، وقد اشتهر بقربه من أعلى دوائر صنع القرار، وبالتالي عليه أن يفسح الطريق أمام جيل جديد يدرك طبيعة المرحلة، كما يذهب إلى ذلك صحافيون تحدثت معهم quot;إيلافquot; في مقر نقابة الصحافيين وسط القاهرة .

ورفع عدد من الصحافيين شعار quot;استقلال النقابةquot; في سياق تأييدهم المبكر لرجائي الميرغني، قائلين إنه يعبر عن تيار التغيير وجيل الوسط في النقابة التي ظلت لأعوام طويلة خاضعة لهيمنة شيوخ المهنة، ويقول مراقبون quot;إن ترشح الميرغني لمنصب نقيب الصحافيين من شأنه أن يضع المرشح الحكومي للمنصب ومؤيديه في مأزق، خاصة في ظل تدهور شعبية مكرم مؤخراً على خلفية مواقفه التي وصفوها بالمائعة في التعامل مع أزمة حبس الصحافيين الأخيرةquot;، وفق تقديرات هؤلاء الصحافيين .

وأخيراً تجدر الإشارة إلى أن مجلس نقابة الصحافيين المصريين يتألف من النقيب، و12 عضوا نصفهم على الأقل ممن لم تتجاوز مدة قيدهم في جدول المشتغلين بالنقابة 15 عاماً .