إيلاف تحاور السفير السوري في بغداد
نواف الشيخ فارس: لا نتمنى أي وجود عسكري أجنبي في العراق

هناك أكثر من مليون ونصف مليون عراقي في سوريا

حاوره في بغداد- عبد الجبار العتابي: على الرغم من الصلة الوثيقة التي تربط الشعبين الشقيقين العراقي والسوري، إلا أن السنوات الطويلة البعيدة قد شهدت قطيعة ومن ثم توجسات، وعلى الرغم من التقارب الذي حدث إلا أن بعضهم ما زال لا يرى في العلاقات روح التكامل الذي يأمله وفقًا للروابط التاريخية والإجتماعية العميقة، وكانت الخطوة السورية تجاه العراق بتسمية سفير لها في بغداد بمثابة باب واسعة لإعادة النشاط بين البلدين، ومن أجل معرفة شؤون هذا الجديد كان لنا مع السفير السوري نواف الشيخ فارس هذا الحوار الموسع الذي تم بالتعاون مع جريدة المؤتمر التي يصدرها المؤتمر الوطني العراقي.

ماهي انطباعاتكم عن العراق وانتم في الطريق الى بغداد ؟
وأنا في الطائرة باتجاه العراق دارت بذهني افكار عديدة رجعت بها الى تاريخ العراق وبغداد، وعصرها الزاهي وما قدمت للبشرية، وتاريخها العظيم في قيادة الانسانية، وما قدمت من علوم وفنون وحضارة ، وكل هذه الصور جالت في خاطري وانا اتجه الى بغداد.

وحين وصلتها .. ما كان انطباعك الواقعي ؟
للاسف اثناء وصولي تألمت لواقع بغداد ، وما حل من خلل كبير في هذا البلد العريق، فكان هناك تناقض كبير بين الصورة المرسومة في خاطري وبين ما شاهدته من واقع مؤلم ، فالصورتان متناقضتان ، صورة التاريخ الزاهي والمشع حضارة وعلما وانسانية وفنونا وبين ما شاهدته من واقع تعيشه الان.

هل اطلعت على اماكنها واحيائها ؟

الاتفاقية الامنية بين العراق وأميركا هي خيار العراقيين

الى حد معقول اطلعت على قسم من بغداد باعتبار مدة وجودي فيها قصيرة.

كيف تأملتها ؟
كمدينة لها طابع خاص ، مدينة تنتشر أفقياquot; وتمتاز بحدائقها الكبيرة ، والملفت فيها شجرة النخيل التي تحكي قصة تاريخ هذه المدينة.

ما سبل تطوير العلاقات السورية العراقية ؟
العلاقات السورية العراقية خاصة بين الشعبين علاقات تاريخية وقديمة قدم هذين الشعبين اللذين شكلا عبر التاريخ مركز اشعاع حضاري كبير للعالم اجمع ، فالعلاقات السورية العراقية علاقات متينة سواء بالمقومات الاقتصادية اي التكامل الاقتصادي والعمق الاستراتيجي لكل بلد تجاه البلد الاخر ، وايضا العلاقات الاجتماعية ووشائج القربى بين الشعبين ، لاتوجد شريحة اجتماعية في العراق الا ولها امتداد في سوريا ، وايضا بالمقابل لا توجد شريحة في سوريا الا ولها امتداد وترابط قربى ودم مع كل شرائح ومكونات المجتمع العراقي من عرب واكراد وأعراق أخرى ، فلا توجد شريحة في العراق الا وتربطها روابط دم مع شرائح المجتمع السوري، فالعلاقات التاريخية ومقومات التكامل الاقتصادي لها سبل وعوامل مشجعة للتكامل وتطوير العلاقات.

نتوجس خيفة من وجود القوات الاميركية في العراق

برأيك ألم تتأثر هذه العلاقات خلال اكثر من عشرين عاما من القطيعة ؟
رغم القطيعة السياسية بين سوريا والنظام السابق الذي اوصل الامة العربية الى ما هو عليه الان من ضعف وهوان ، كانت العلاقات مستمرة مع الشعب العراقي ، لم تنقطع ايمانا من القيادة السورية والشعب السوري ان الشعب العراقي شعب شقيق ، وهو لا يتحمل وزر قيادته السياسية آنذاك.

كم عدد العراقيين المتواجدين حاليا في سوريا ، وما العبء المالي الذي تتكبده الحكومة السورية جراء هذا ؟
هناك أكثر من مليون ونصف مليون عراقي ، والعدد في تزايد بشكل يومي ، وهذا شكل عبئًاquot; ماديًاquot; كبيرًاquot; على سوريا تجاوز مئات المليارات من الدولارات ، تتحملها الموازنة السورية لتأمين خدمات للاشقاء العراقيين ، على الرغم من ان سوريا كما هو معروف للجميع ليست بغنى العراق.

لن نسمح لأي عراقي في سوريا بتهديد أمن العراق

ما تأثير وانعكاسات الغارة الاميركية الاخيرة على مدينة البوكمال السورية في العلاقات بين العراق وسوريا ؟
طبعا .. انا اثق انها لن تؤثر على العلاقة بين الشعبين الشقيقين ، وستبقى العلاقة وستتطور ان شاء الله مهما حاول اعداء هذه الامة ان يحبطوا اي تلاقي او تطوير في العلاقة بين سوريا والعراق ، فالضربة العدوانية التي استخدمت فيها الاراضي العراقية ، وقتلت اناساquot; أبرياء في سوريا آلمتنا كثيراquot; كسوريين ، وتوجسنا خيفة من أن وجود القوات الاميركية في العراق سيشكل تهديدًا دائمًا لأمن سوريا ولكل دول جوار سوريا ، فنتمنى على الاشقاء في العراق الا يكون العراق الشقيق قاعدة ومنصة للاعتداء على سوريا وغير سوريا من دول الجوار.

ما موقف سوريا من الاتفاقية الامنية المزمع توقيعها بين العراق واميركا ؟
اي وجود عسكري أجنبي في العراق نحن في سوريا لا نتمناه ، ونتمنى ان يتخلص العراق من كل القوات الاجنبية على أرضه ، والاتفاقية الامنية بين العراق وأميركا هي خيار العراق ونحن نحترم السيادة العراقية ، ولكن في الوقت نفسه نتمنى كما اسلفنا سابقا الا تستثمر الاتفاقية ، ويستثمر العراق من خلالها ، للعدوان على سوريا ودول جوار العراق ، الامر الذي يجعل المنطقة غير مستقرة بشكل دائم ، ومعرضة لكل أنواع الخلل الأمني وغير الأمني.

بعض المسؤولين العراقيين يكررون دائماquot; القول أن هناك أعداد من رجال النظام السابق في سوريا ويهددون الامن في العراق .. ما تعليقكم على ذلك ؟
نحن في سوريا ننظر الى أمن العراق على أنه جزء من أمن سوريا ، إذا حصل خلل امني في العراق وتعرض الى اي مكروه ، فبالتأكيد سوريا ستتأثر من هذا الامر ، فالنظرة لدى القيادة السورية أن الوضع الأمني في العراق جزء من الوضع الامني في سوريا، ونحن نتمنى ونرغب بأن يعيش العراق بأمن واستقرار دائمين ، سوريا فيها عراقيون بالملايين ، ولن تسمح لأي عراقي في سوريا بتهديد أمن العراق.

هل تعتقدون ان الارهاب الموجود والمجاميع الارهابية له في العراق امتدادات داخل سوريا ؟

سوريا اكثر دولة تعرضت للارهاب عبر تاريخها

الارهاب لا وطن له ، والارهاب اصبح ظاهرة على مستوى العالم ، وتعاني منه سوريا مثلما يعاني منه العراق ، وسوريا اكثر دولة تعرضت للارهاب عبر تاريخها ، وعانت من الارهاب وتتصدى الان كما في السابق لكل اشكال الارهاب ، اما موضوع التسلل من الحدود ، فالحدود بين سوريا والعراق طويلة جداquot; ، منها صحارى وانهر ووديان ، ومن المستحيل أن تسيطر سوريا بمفردها على الحدود وتمنع اي تسلل ، ويجب أن يكون هناك عمل مشترك ومتوازي مع الطرف العراقي ، وتوضع خطط منسقة لحماية الحدود من الطرفين ، سوريا مع هذا كله قدمت امكانات كبيرة على الحدود مع العراق لمنع المتسللين عبر أرضها إلى العراق ، وبتقديري هذا الجهد الكبير الذي قدم من سوريا أعطى نتائج كبيرة انعكست على الوضع في العراق ، وبشهادة الإخوة العراقيين أنفسهم ، التراجع الكبير الذي حصل في عمليات التسلل في العامين الأخيرين جاء نتيجة الجهود السورية الكبيرة التي بذلت على الحدود من أجل منع التسلل ، ولكن للعراق حدود واسعة مع كل دول الجوار ، والارهاب الذي يعاني منه العراق تعاني منه سوريا ، وليس عبوره فقط من سوريا كما تدل كل القراءات الامنية ، اكثر دول جوار العراق يمر منها الإرهاب، والإرهاب ابتدع أساليب كثيرة وحيل كثيرة للتمويه على نفسه بغية الوصول الى العراق ، ولكن سوريا بالتأكيد لن تسمح بمرور اي ارهابي عبر أراضيها ، أو استقراره على أراضيها.

ما الطرق الكفيلة بتطوير العلاقات بين البلدين ؟
هي الارادة المشتركة بين الطرفين ، ارادة التعاون وارادة تطوير العلاقات ، وفي الأيام الأخيرة حدث اجتماع مشترك للجنة السورية العراقية الاقتصادية المشتركة في سوريا برئاسة وزير الاقتصاد السوري ووزير التجارة العراقي ، وتضمن اتفاق سوري عراقي على تطوير العلاقات ، وعقد عدد من الاتفاقيات في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين البلدين ، ونأمل أن تأخذ هذه الاتفاقيات حيز التنفيذ خدمة للشعبين السوري والعراقي.

الإرادة المشتركة بين البلدين كفيلة بتطوير العلاقات

المعروف ان هنالك خطاquot; استراتيجيًاquot; لنقل النفط العراقي من كركوك الى ميناء بانياس السوري ، ما العوائق التي تقف دون احياء هذا الخط واعادة تشغيله واستثماره ؟
الخط جزء منه متضرر ويلزمه بعض الاصلاح داخل العراق ، اما داخل سوريا فهو على ما يرام ، وقد حصلت اتفاقيات بين الجانبين بهذا الخصوص نأمل ان تنفذ وتأخذ حيز التنفيذ.

إلى ماذاتعزو قلة المياه في نهر الفرات ؟
نهر الفرات كمورد مائي ينبع من تركيا ويمر بسوريا ومن ثم العراق ، وهناك حقوق واتفاقيات دولية بين هذه الدول تنظم توزيع الكميات لكل بلد ، وحسب معلوماتي إنه لا توجد مشكلة حقيقية في هذا الأمر ، ولكن حجم الاستثمار الزراعي في الدول زاد ، ولا بد أن ينعكس على مياه الفرات ، بالاضافة الى الاحوال الطبيعية والظروف المناخية والجفاف الذي ضرب المنطقة في العامين الماضيين ، وهذا انعكس سلباquot; على مياه الفرات.

هل تستطيع سوريا مساعدة العراق في تطوير انتاجه الزراعي ؟
سوريا لديها خبرات متطورة في مجال الزراعة ومجال استصلاح الاراضي وشبكات الري الحديث ، فعبر مدة طويلة من الزمن والاستقرار في سوريا تم تكوين هذه الخبرات ، وهذا التطور بالزراعة ، وإتباع احدث الأساليب بالزراعة والري ، ومن خلال هذه الإمكانيات والخبرات العلمية والفنية التي تحققت من الممكن ان تستثمر في العراق ، وتساعد في عملية التطوير الزراعي واستصلاح الاراضي والري الحديث.

المصالحة الوطنية العراقية أكبر دعامة للاستقرار الأمني في العراق

ولكن هل هنالك شيء على الواقع من هذا فعلياquot; ؟
من خلال اللجان الوزارية بين سوريا والعراق طرحت أفكار بهذا الخصوص ، وإمكانية الاستثمار، ولكن إلى حد الآن لم يتم التنفيذ الفعلي ، وهناك أفكار كثيرة ورؤى كثيرة ايضًا للتعاون في هذا المجال نأمل ان تصل هذه الافكار الى التطبيق العملي.

ما زال العراقي يعاني من وضعه الأمني ، برأيكم ما هي سبل تطوير هذا المجال ليكون اكثر فاعلية ؟
أرى أن تستكمل المصالحة الوطنية العراقية وهذا هو أكبر دعامة للاستقرار الأمني في العراق.

هل من كلمة اخيرة تود قولها في ختام حوارنا ؟
انا أتمنى لشعب العراق الأمن والاستقرار والسيادة الكاملة على أرضه ، كما نتمنى أيضًاquot; ونساهم في دعم عملية المصالحة الوطنية ، واستكمالها بين مكونات الشعب العراقي ، لأن هذه المصالحة هي اللبنة الاساس لاستقرار العراق واستقلاله وسيادته ، ونتمنى أيضاquot; للعلاقات السورية العراقية وبين هذين الشعبين الشقيقين ان تنمو وتتطور في كل المجالات.