مراقبون إعتبروها بمثابة محاولة استعداد جدي لحزب الله وايران وسوريا
المناورات الإسرائيلية بين الاستهلاك الإعلامي والاستعداد العسكري

نضال وتد من تل أبيب: على الرغم من تصريحات التهدئة التي أطلقتها الحكومة الإسرائيلية في الفضاء العربي والشرق أوسطي بشأن كون التدريبات والمناورات التي شهدتها إسرائيل منذ مطلع الأسبوع، وينتظر أن تنتهي حتى نهايته، إلا أنه كان واضحا للجميع أن وراء هذه التصريحات أبعادا عسكرية محضة تتعلق باستراتيجية إسرائيلية تسعى لاستعادة الردع الإسرائيلي المفقود منذ حرب تموز على لبنان، على الأقل على مستوى الجبهة الداخلية، وانكشاف سكان إسرائيل لخطر الصواريخ اللبنانية التي ضربت العمق الإسرائيلي وكشفت وهن الجبهة الداخلية الإسرائيلية وعدم استعدادها لمواجهة حالات طوارئ تقع في أكثر من موقع وأكثر من منطقة في الوقت ذاته.

وفي هذا السياق، سياق استعادة هيبة الردع الإسرائيلي عبر إرسال صورة للفضاء العربي وربما الإيراني تظهر الجبهة الإسرائيلية الداخلية وهي على أهبة الاستعداد لمواجهة كل طارئ دون أن يضطر الجيش الإسرائيلي بأذرعه المختلفة إلى التحصن على الجبهة الداخلية بل الانطلاق إلى الجبهة والانتصار فيها، يقرأ تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي خلال جولته في أشكلون (عسقلان) لمواكبة تدريبات الدفاع المدني حيث قال للصحافيين: quot;إ يفترض في هذه التدريبات أن تحقق حالة تستطيع فيها كل سلطة محلية أن تكون مستقلة في تعاملها، كي يستطيع الجيش الانتصار على الجبهة.

ولكن السياق الأول الذي يجب أن تقرأ فيه هذه التدريبات هو قناعة أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية بأن أي حرب قادمة لن تحسم دون جبهة داخلية محصنة، لأن إسرائيل ستتعرض في حال نشوب هذه الحرب، على هجمات صاروخية مستمرة ومتواصلة بصواريخ قد تكون محملة برؤوس كيماوية، ستواصل ضرب العمق الإسرائيلي وليس فقط شمالي إسرائيل بل إن هذه الهجمات الصاروخية ستطال معظم الأراضي الإسرائيلية باستثناء إيلات والجنوب، التي قد تكون عندها ( وفي حال واصلت حماس تزودها بترسانة صاروخية إيرانية، أو تطوير ترسانتها الذاتية) عرضة هي الأخرى لهجوم صاروخي مستمر ومتواصل هو الآخر.

وإذا أخذنا الرسائل الإسرائيلية الأخيرة لسوريا، والمتناقضة، بين استعداد إسرائيل لاستئناف المفاوضات (وديعة رابين مقابل انسلاخ سوريا عن محور إيران)، وبين التحذير والتهديد بأن تتحمل سوريا مسؤولية أية عملية انتقام قد يقوم بها حزب الله انتقاما لاغتيال مغنية، مع ما رافق ذلك من تسريب إسرائيلي حول ضرب الموقع السوري في العام الماضي يتضح لنا أن التدريبات الإسرائيلية هذا الأسبوع تحمل أكثر من هدف وأكثر من غاية وعلى محاور عدة، محلية إسرائيلية، وإقليمية ودولية.

على الصعيد المحلي تسعى حكومة أولمرت، (الذي تمكن من البقاء في منصبه ومن الإبقاء على ائتلافه الحكومي، برغم ما حدده تقرير فينوغراد الذي فحص الإخفاقات الحكومية خلال الحرب على لبنان) إلى البقاء في الحكم لأكبر قدر ممكن من ولايتها التي يفترض أن تستمر، إذا لم ينسحب براك والعمل منها، حتى العام 2000، وطمأنة الرأي العام الإسرائيلي بأن الحكومة قد استخلصت العبر من الحرب الأخيرة على لبنان، وأنها تعمل جاهدا لإعداد البلاد، وليس فقط الجيش، لمواجهة وتحمل أية ضربة أو حرب قادمة، وبث ثقة بالنفس في مواجهة الانكسار النفسي الذي أصاب الإسرائيليين عندما وجدوا أنفسهم تحت القصف اللبناني، فيما لا تقوم الدولة ومؤسساتها وقيادة الجبهة الداخلية بواجبها من تأمين الحماية، أو الرد أو حتى ضمان وصول طواقم إنقاذ، وتأمين الدواء والغذاء لمن علق في الملاجئ، دون أن يجد عنوانا يتوجه له.

إنها محاولة لتوجيه رسالة من الحكومة الإسرائيلية لمواطنيها، أنه وخلافا لما كان خلال الحرب فإن الدولة مستعدة لتحمل مسؤولياتها السيادية تجاه مواطنيها. لكن هذه الرسالة لم تنجح كما يبدو، فقد أعلن أكثر من رئيس سلطة محلية وأكثر من جهة مدنية أن الأوضاع على الجبهة الداخلية، لا تبشر بالخير، فلا زال هناك نقص في عدد الملاجئ، وخلل في صيانة ما هو قائم منها، عدا عن أن خدمات الطوارئ لا تزال غير مستعدة لمواجهة حالة هجوم كبير ومتواصل على أكثر من موقع وأكثر من منطقة، وبالتالي فإن مظاهر نزوح الإسرائيليين بالآلاف نحو المركز والجنوب قد تتكرر، وأن الحكومة تترك الجليل وتجمعاته السكنية دون حماية كافية وفق تصريحات رئيس بلدية معلوت ترشيحا شلومو بوحبوط.

وإذا كانت هذه الرسائل والأهداف على الصعيد المحلي بهذا الوضوح فإن الحال على الصعيد الإقليمي أكثر تعقيدا. فعلى المسار السوري فإن التناقض هو سيد الموقف. فبين التصريحات المعلنة عن رغبة إسرائيل باستئناف المفاوضات مع سوريا، هناك الكثير من المطبات والتصريحات المضادة، فإذا كان هناك في السابق اعتقاد بان بأن الإسرائيليين يعرفون الثمن للسلام مع سوريا لكنهم غير مستعدين لدفعه، فقد جاءت التطورات الإقليمية في السنوات الأخيرة، وخصوصا بعد سقوط بغداد وازدياد نفوذ إيران في المنطقة، وتحديدا ما يبدو كتحالف سوري إيراني في مواجهة الولايات المتحدة والغرب، وما يترتب عليه من دعم سوري وإيراني لحزب الله في لبنان، ليغير من طبيعة الثمن المطلوب من سوريا وليس من إسرائيل.

فالجولان لن يعاد لسوريا مقابل مجرد اتفاقية سلام ثنائية بين البلدين، وإنما يجب أن تتعهد سوريا بالانسلاخ عن المحور الإيراني إذا كانت تريد استعادة أراضيها، هذا أولا، وأن تقطع كل تعاونها العسكري مع كوريا الشمالية قبل التفكير أصلا في استئناف المفاوضات مع إسرائيل. ومع أن الملف السوري ndash; الكوري هو جديد نسبيا، بعد أن كشفت الولايات المتحدة وإسرائيل مطلع هذا الأسبوع (راجع صحيفة هآرتس يوم الأحد الماضي)، إلا انه يوفر لإسرائيل بدعم أمريكي علني، وربما مساندة أوروبية أو على الأقل تفهم أوروبي، لأي نشاط إسرائيلي ضد مواقع سورية مستقبلا.

إن الرسالة الإسرائيلية على النطاق الإقليمي موجهة بالأساس لإيران، وإن كانت إسرائيل تفضل أن تنقلها لها عبر استخدام سوريا وتصويرها كواجهة أو عنوان هذه الرسالة. من هنا جاءت quot;زلة لسانquot; وزير البنى التحتية الإسرائيلي، بينيامين بن إليعيزر بأن على إيران أن تخاف من مغبة إطلاق النار باتجاه إسرائيلquot;، وما تبع هذه التصريحات من توبيخ وعلى لسان وزير الدفاع براك، الذي قال اليوم في هذا السياق وتعقيبا على تصريحات بن إليعيزر عندما قال هناك مجالات هي بالأساس مجالات عمل وليست مجالات للتصريحات فليس هناك ما يدعو للحديث عن هذا الأمر عبثا.

فإيران اليوم، هي الهاجس الأمني الأكبر لإسرائيل، باعتبارها المساند والمزود الأول لحزب الله بالسلاح والمال والقوة المعنوية التي يحتاجها على الحلبة الداخلية في لبنان، وعلى صعيد المواجهة مع إسرائيل، وهي القوة المساندة لسوريا، كما ان سوريا هي بوابة إيران على لبنان وعلى حوض المتوسط، فحتى إذا كانت هذه التدريبات لا تشمل ستارا لحرب أو مخطط ضد سوريا أو حزب الله، إلا أنه لا يمكن تجاهل الربط الإسرائيلي بينها وبين الصواريخ الإيرانية، وبالتالي فإن إيران هي واحدة من العناوين التي وجهت لها الرسائل بأن إسرائيل مستعدة لكل طارئ، وسيكون للجيش الإسرائيلي هذه المرة، وقد استعدت الجبهة الداخلية، كل الوقت وكل الوسائل للانتصار في الجبهة، سواء كانت في سوريا أو لبنان أم غيرها.

وأخيرا، فإن هذه التدريبات هي جزء من الاستعداد المسبق للانتصار في الحرب الإعلامية إذا وقعت الواقعة،وهي حرب إعلامية ونفسية ستكون بين الطرف الإسرائيلي وبين الطرف الآخر في الحرب إذا وقعت، وهي تسعى لمنع تكرار صور الخراب، أو الهلع، أو الفرار متن الجليل على الشاشات، ولتحقق حدا أدنى من المناعة المدنية الداخلية مقابل الحرب النفسية والإعلامية الملازمة للحرب العسكرية. فخلال الحرب الأخيرة على لبنان بدا أن لم تفقد ردعها العسكري فقط بل فقدت تماسكها وتحصينها المدني الداخلي، الذي انعكس حتى في عدم قدرة إسرائيل على السيطرة على التغطية الإعلامية لوسائل الإعلام الأجنبية والعربية لما يحدث داخل إسرائيل. وأخيرا قد تكون هذه التدريبات مجرد مناورة إعلامية كبرى شغلت العالم والمنطقة العربية على مدار الأسبوع بمناورات داخلية تخللها صور لتلاميذ المدارس يحاولون الاختباء تحت الطاولات أو دخول الملاجئ، وأخرى لمسنين وزبائن يتركون ما يحملون مسرعين للوصول إلى ملجأ يقيهم من صاروخ كيماوي إيراني ردا على عمل عسكري إسرائيلي أو أمريكي لعملهم لقناعة الإسرائيليين بأن سوريا التي تنتظر قبول إسرائيل بالمبادرة العربية، لا تملك لا الرغبة ولا القوة اللازمة لشن حرب على إسرائيل في الظروف الراهنة.