قصة السياسي الأكثر دهاءً في الشرق الأوسط (3/4)
حافظ الأسد.. كل الطرق تؤدي إلى... لبنان!
زيد بنيامين من دبي: نجح الأميركيون بدورهم أمام هذا الواقع (واقع عدم رغبة الأسد في الحصول على سلام بغير ما كان يعلن عادة)، نجحوا في اقناع انور السادات في أن يسير لوحده في عملية سلام منفردة على المسار المصري الاسرائيلي، ووجد الأسد أن الأميركيين الذين كانوا يطرقون الباب للحديث معه أداروا له ظهرهم وبقيت قضية الجولان في مكانها حيث تحول الجولان إلى أهدأ منطقة محتلة في العالم، على الرغم مما سيحصل فيما بعد حينما ستؤدي سوريا في مكان آخردورًا لتسترعي الإنتباه العالمي (والاميركي تحديدًا)..
في لبنان الازمة التي شهدها الشرق الاوسط عام 1973 كانت بمثابة (لعب اطفال) بالمقارنة مع ما حصل في عام 1975 في لبنان حينما انطلقت الحرب الاهلية من عقالها وإنطلقت شرارة الحرب لتشرك كل قطاعات الشعب اللبناني المكونة من المسيحيين اللبنانيين (المتمسكين بالحكم على الرغم من تراجع نسبة سكانهم الى سكان لبنان) والفلسطيينين التابعين لمنظمة التحرير الفلسطينية والسنة والشيعة والدروز، بينما اكتفى القصر والجيش اللبناني بالوقوف على خطوط المواجهة بين هذه القطاعات وبدأ المسيحيون يفقدون السيطرة ويتراجعون امام المسلمين الذين تفوقوا عليهم بالعدد.
كان الاسد يرى كما هي حال جميع السياسيين السوريين ان لبنان يعد امتدادًا طبيعيًا لسوريا وجزءًا منه الا ان الاستعمار الاوروبي تسبب بانفصاله بصورة غير عادلة .. لذلك جاء قراره بالتدخل في هذا الصراع (كي لا يقع لبنان ضحية لقوى خارجية وهي حجة السوريين الدائمة في كل تدخل او وجود على الساحة اللبنانية) وكان الاسد يسعى لمنع تراجع المسيحيين في ذلك البلد وفي هذه الحرب.
وقد وصف تدخل الاسد من قبل منتقديه فيما بعد باعتباره لحماية المسيحيين بانه جاء لكي يحمي الاقلية المسيحية في الحكم اللبناني (ولكي يمنع اي محاولة في سوريا لازاحة الاقلية العلوية من الحكم .. وهو الاتهام نفسهالذي وجه لسوريا عام 1997 عندما قررت اعادة العلاقات مع العراق) .
تدخل الاسد في هذا الصراع، اعاد له السيطرة على منظمة التحرير الفلسطينية التي كان يقودها عرفات بعد ان كان الاثنان لا يطيقان بعضهما... خصوصًا حينما قام الاسد بسجن عرفات في دمشق عام 1966 بتهمة محاولة (ابو عمار) الغاء التاثير السوري على الحركة الفلسطينية التي كانت حديثة التأسيس.
الصراع اللبناني كان بابًا لصراع دموي اكثر حينما فتح الباب امام حرب اسرائيلية سورية بعد ان قامت تل ابيب باجتياح لبنان والوصول الى بيروت .. في تلك الحرب كان اداء القوات الجوية السورية سيئاً للغاية حيث خسرت القوات السورية 79 طائرة ميغ بالاضافة الى العديد من الدبابات وبطاريات الصواريخ في ايام قليلة. ورغم هذه الخسارة الفادحة .. الا ان الاسد حاول من جديد اعادة السيطرة على جاره لبنان (كما اتهم) من خلال اغتيال الرئيس اللبناني (بشير الجميل) في سبتمبر 1982 والذي كان يدعم وبقوة وفعالية مسألة فصل المسارات التفاوضية في مسألة السلام بين لبنان وسوريا.
اعتمد الاسد بشكل اساسي خلال تلك الفترة على الاسلحة السوفياتية ومنها حصل على 160 طائرة مقاتلة و دبابات 800 تي 72 في صفقة بلغت 2 مليار دولار لكن يبدو انه سيستخدمها في مكان اخر وليس لبنان كما جرت العادة.
كانت التهديدات الناشئة من داخل سوريا قد تزايدت وسبقها عدة محاولات لتصفيات وقعت لمعارضي سوريا في الخارج ففي الثامن عشر من مارس 1981 كانت (بنان العطار) زوجة (عصام العطار) وهو مدير المركز الاسلامي في اخن واحد المعارضين لنظام الرئيس حافظ الاسد والذي كان يتخذ من المانيا منفى له منذ العام 1964 على موعد مع الموت حينما فتحت الباب امام اثنين من المسلحين اردوها قتيلة بينما كان زوجها خارج المنزل.
كانت الشرارة الاولى لمحاولة التخلص من حكم البعث في سوريا قد ظهرت في يونيو من العام 1979 حينما قام الاخوان المسلمون بقتل 50 من العلويين في صالة طعام الاكاديمية العسكرية في حلب.
وفي يونيو 1980 قام عدد من المتطرفين برمي قنبلتين على موكب الرئيس الاسد فابعد الاسد احداها بركله فيما قام احد افراد حمايته برمي نفسه على القنبلة الثانية ليفقد حياته.
وفي محاولة انتقامية قامت قوات عسكرية سورية يقودها اخيه الاصغر (رفعت الاسد) باختراق احد السجون السورية في تدمر واردت 250 اسلاميًا بالرصاص وهم محبوسون في السجن.
المحطة التالية كانت في حماه عام 1982 حينما قام الاخوان المسلمون بقتل احد قادة حزب البعث العربي الاشتراكي وقاموا بالدعوة عبر مكبرات الجوامع بضرورة الخروج والوقوف في وجه النظام.
وفي محاولة منه لملاحقة المتمردين قام الجيش السوري بتدمير نصف مدينة حماة وقتل 10 الاف شخص على الاقل من قاطني ذلك الجزء من المدينة، وهو امر اثار الغرب، لكنه أكد سلطة الرئيس السوري في الداخل حيث اظهر الاسد انه مستعد لسفك الكثير من الدماء من اجل الاحتفاظ بالسلطة.
يقول (كرستوفر روس) المبعوث الاميركي الى سوريا خلال عقد التسعينات ان الرئيس الاسد quot;لم يكن ليعتذرquot; عن ما حصل بل ان الرئيس الاسد كان يرى ان ما قام به كان ضروريًا وان ما سفك الدماء كان ثمنًا عادلاً من اجل انهاء ارهاب الاخوان المسلمين.
كان وقوف سوريا الى جانب ايران قد بدأ في عام 1979 مع نجاح الثورة الاسلامية في ايران ووصول الخميني الى السلطة، وقد رأى الاسد ان العلاقة بين دمشق وطهران ستقوي من موقفه امام عدوه اسرائيل بعد ان ابتعد عنه السادات واتهمه صدام حسين (جاره في الشرق) بالوقوف خلف محاولة قلب نظام الحكم في بغداد وعلى الرغم من أن ايران نفسها حاولت تصدير ثورتها الى الخارج لكن الاسد لم يهتم للصبغة الدينية لإيران كثيرًا، بل كان يرى ان مصلحته مع ايران لن تتوقف على مثل هذه الشعارات.
المصادر:
صحيفة النيويورك تايمز
كتاب اسد سوريا، معضلة الشرق الاوسط.. لباتريك سيل
مجلة التايم الاميركية
في الحلقة الرابعة والاخيرة:
هل أدّت (الصدفة) دورًا في تغيير اتجاهات الاسد السياسية؟