قصة نجم السياسة الشرق أوسطية على مدى 50 عامًا
أسد الأردن ... سيرة الملك حسين بقلم اليهودي العراقي شلايم

محمد حامد ndash; إيلاف: خلال أحداث منطقة الشرق الأوسط على مدار الخمسين عاما الماضية، يأتي ملك الأردن الراحل quot; الحسين بن طلال quot; كأكثر الشخصيات تعقيدا من بين جميع القيادات الذين حكموا شعوب المنطقة خلال تلك الحقبة التاريخية، فقد ظهرت سيرتان ذاتيتان للملك الحسين بن طلال ( 1935-1999 ) تهدفان إلى إلقاء الضوء على السحر والغموض اللذين أحاطا به منذ اللحظة التي شاهد فيها جده الملك عبد الله وهو يقتل على يد أحد الفلسطينيين المسلحين على أعتاب المسجد الأقصى في القدس لمحاولته عقد سلام مع إسرائيل عام 1951، وقد كان حسين وقتذاك في الخامسة عشرة من عمره .

وبعد أربعة وأربعين عاما، يعود الملك حسين إلى القدس من أجل حضور جنازة رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين الذي اغتيل بسبب توقيعه معاهدة سلام مع الأردن. وكما يوضح كتاب quot; الحسين ملك الأردن quot; لمؤلفه نيجيل آشتون، وكتاب quot; أسد الأردن quot; لمؤلفه آفي شلايم، فإن السنوات المتداخلة قد نسجت واحدا من أكثر الأحداث السياسية غرابة في التاريخ الحديث. فقد كتب الكتابين أستاذان في العلاقات الدولية واعتمد كلاهما على مصادر جديدة. حيث دخل آشتون إلى الأوراق الخاصة للملك الحسين بما فيها المراسلات السرية للملك مع الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل. ولم يبدأ آشتون الكتابة عن الملك حسين إلا بعد وفاته بحوالي تسع سنوات.

أما شلايم، فعلى العكس من ذلك، حيث اقتحم الملفات الإسرائيلية الخاصة بالاجتماعات السرية مع الملك حسين ( تلك الاجتماعات التي بدأت منذ عام 1963 ووصل عدد ساعاتها إلى 1000 ساعة خلال العقود الثلاث التالية) كما أنه أجرى مقابلات مكثفة مع أقرب مستشاري الملك الراحل أثناء تلك الفترة. كما أن شلايم تقابل مع الملك الحسين في عام 1996، حيث تحدث له بحزن ولكن دون أسف عن كفاحه خلال عقود مضت من اجل السلام في مواجهة العناد الإسرائيلي، والتقلب العربي والازدواجية الأميركية.

وقد رصدت quot;وول ستريت جورنالquot; في تقرير لها أهم النقاط في السيرتين الذاتيتين للملك الراحل، حيث أكدت في رصدها أن الملك حسين كان يدرك أن سر قوته يكمن في حنكته السياسية وذكائه الشديد رغم أن حظه كان سيئا أن يحكم بلدا في منطقة الشرق الأوسط لا يمتلك ثروة نفطية، وقد كان دائما قلقا ويبذل قصارى جهده لكي يفهم توجهات الآخرين جيدا، وكانت لديه القدرة على الإقناع والإصرار الدائم للمشاركة في صنع السلام في منطقة تستعصي على كل مبادرات السلام .

إن الأردن دولة صغيرة محاطة بدول كانت جميعها أو بعضها في وقت من الأوقات أعداء لها، مثل سوريا وإسرائيل والسعودية والعراق. وفي لعبة الشرق الأوسط بدا أن الأردن قد تكون الطرف الأضعف، ومع ذلك فقد نجح الملك في البقاء على الطاولة أطول من أي رئيس عربي أو إسرائيلي آخر. وفي النهاية وبعد ثلاث عقود من الزمن من المحاولة يتم توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل وتأمين بقاء الأردن كلاعب لا يستهان به في السياسة الشرق أوسطية .
إن القصة الطويلة للعداء الموجود في منطقة الشرق الأوسط في العقود الأخيرة معروفة جيدا، بينما التفاصيل اللامنتهية لغباء العقليات وقصر النظر لجميع الأطراف المشاركة في هذا العداء، هما ما يشغل الخبراء فقط بشكل كبير. وما يجعل هذين الكتابين جديرين بالقراءة هو دراما الحياة السياسية والشخصية للملك حسين. وبخاصة الحكايات النادرة الملفتة للانتباه عن كيفية أن الملك، بشكل أو بآخر، قد تعرض للخيانة من قبل كل من وثق فيهم تماما. إن أصدقاؤه الخونة قد شملوا رؤساء أميركان بدءا من ايزنهاور وحتى كلينتون، وجمع من الساسة الإسرائيليين بدءا من غولدا مائير وحتى بنيامين نيتانياهو، وآلاف القادة العرب بدءا من جمال عبد الناصر وحتى الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات.

بالطبع ليست كل قصة من قصص هذا الكتاب تحتوي على خيانة. وعلى الرغم من أن شلايم (اليهودي العراقي) هو الناسج البارع لتلك الحكايات النادرة، فإن آشتون في كتابه قد قدم صورة ممتعة. إنها باختصار قصة تصور السذاجة الأميركية، فأثناء عشاء في البيت الأبيض مع الرئيس ريجان وزوجته عام 1982، بغرض التودد إلى الملك الأردني الراحل من أجل أن يشارك في مبادرة السلام مع إسرائيل، قال الرئيس الأميركي ريجان فجأة: إنني أفهم بأن البحر الميت مالح جدا لدرجة أنه لا توجد أسماك يمكنها العيش فيهquot; فأومأ الملك برأسه طالبا من الرئيس ريجان أن يستمر في حديثه، فقال ريجان: أعتقد أننا من الممكن أن نساعدك على الخروج. فلدينا سمك في كاليفورنيا يريد العيش في البحر الميت.quot; وهنا ابتسم الملك حسين و رد قائلا: لقد تأثرت كثيرا بتفكيرك العميق بهذا الشأن . ولكننا وطدنا أنفسنا على أية حال على حقيقة أن البحر الميت ميت..!

النفاق والإزدواجية السياسية العربية

ووفقا لشلايم يظل النفاق والازدواجية من أكثر الأشياء شيوعًا وتأثيرًا في كل العلاقات السياسية والدبلوماسية في الشرق الأوسط. فأثناء حرب أكتوبر عام 1973، التي انطلقت بين مصر وسوريا من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، ناضل الملك حسين من أجل البقاء خارج الصراع دون أن يتسبب في غضب الدول العربية. ومع تزايد الضغط، طلب من وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر أن يضمن موافقة إسرائيل على أن يرسل الأردن دعما رمزيا في لواء عسكري أردني إلى سوريا دون أن تتخذ إسرائيل من هذا الأمر سببا لغزو الأردن. وكما كتب كيسنجر في مذكراته: في الشرق الأوسط فقط يمكن أن ترى طرف متحارب يطلب موافقة عدوه على المشاركة في الحرب ضده..!

وبالمثل فقد كانت هناك قناة سرية بين الرئيس المصري الراحل أنور السادات ووزير الخارجية هنري كيسنجر أثناء حرب 1973، واستخدمها من أجل طلب وقف إطلاق النار دون إخبار سوريا أو الأردن، بأنه ينهي حالة العداء مع إسرائيل. وفي هذه الأثناء، طلب الملك فيصل، ملك السعودية، من الملك الحسين أن يسمح للواء عسكري سعودي يقيم في الأردن، بالتوجه إلى سوريا من أجل المشاركة في الحرب ضد إسرائيل. وبعد رفض في البداية، وافق الرئيس الأردني ودخل السعوديون سوريا تحت جنح الظلام، حيث ذهبوا للنوم كي يستيقظوا في صباح اليوم التالي محاطين بالجنود الإسرائيليين وانتهت الحرب بالطبع.
وخلال سنوات، تقابل الملك حسين مع الإسرائيليين بانتظام مع سياسيين من جميع الاتجاهات السياسية، على الرغم من أن من كان يفضل اللقاء معه كان رئيس الوزراء اسحق رابين الذي كان يثق به كزميل عسكري، والذي وقع معه اتفاق السلام. وفي جنازة رابين، قال الملك الحسين : إن لدي إحساس اليوم بأنني أدفن السلام مع رابين.

ولكن لماذا كان يصر الملك على الاستمرار في مقابلة الإسرائيليين بعد فشل العديد من المحاولات بإقناعهم بالتخلي عن الأرض المحتلة في مقابل السلام؟ لقد كان يتوق إلى استعادة الضفة الغربية لنهر الأردن، وهي تعادل نصف مملكة الملك الحسين، والتي فقدها عندما شارك في حرب الأيام الست في عام 1967. إن الإجابة على ذلك كما ذكرها كتاب شلايم كانت هي quot; الخوف والأملquot;. فقد خاف ملك الأردن من أن يكون للمتطرفين في اسرائيل اليد العليا ويحاولون أن يحولوا الأردن إلى دولة فلسطينية خالصة بديلة للفلسطينيين. وكان أمله أن يقوم رئيس الولايات المتحدة يوما ما بإنجاز وعد أميركا بالضغط على اسرائيل للقبول بمقايضة الضفة في مقابل السلام.

علاقته مع صدام تؤكد احترافه الحياد عن الخاسرين

عندما غزا صدام حسين الكويت عام 1990، تقابل الملك الأردني مع رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق شامير، واتفق الاثنان على أن يظل الأردن محايدا عندما تبدأ حرب الخليج وأن اسرائيل سوف تحترم هذا الحياد. كما أن الملك قد حمل إلى صدام رسالة من وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك تقول: لقد احترقنا مرة وليس عندنا استعداد لكي نحترق مرة أخرى. وإذا تم استخدام الأسلحة غير التقليدية معنا، فبعد 40 دقيقة على ساعتك ستتحول العراق إلى رماد.
بسبب كل تلك الصفات الجيدة، فإن الملك حسين كانت لديه عادة الحياد بنفسه عن الخاسرين في منطقة الشرق الأوسط، وقد كان صدام من بين أبرز أولئك الخاسرين. فقد كانت هناك علاقة صداقة وطيدة بين الملك وبين صدام أثناء الحرب العراقية الإيرانية خلال فترة الثمانينات في القرن العشرين وعلى الرغم من كونه أخذ الجانب المحايد عسكريا، أثناء غزو الكويت. لماذا ظل الملك الحسين محافظا على هذا التحالف مع العراق ، على الرغم من أن كل قادة العرب بمن فيهم الملك فهد ملك السعودية وحافظ الأسد رئيس سوريا والرئيس المصري حسني مبارك ساندوا تحالف الولايات المتحدة الأميركية ضد العراق، إن هذا التقارب بين ملك الأردن والرئيس العراقي ظل أمرا صعب الفهم لدى الأميركان.

ولم يكن تفسير ملك الأردن مقنعا بأنه كان يحاول إيجاد وساطة عربية لتجنب الحرب. إن التفسير المنطقي هو أنه كان ينجذب إلى أصحاب النفوذ حيث كان يتوقع أن يقوم الرئيس العراقي بسحق الأميركان كما كان يدعي. وقد أعطي الملك الأردني مهلة 48 ساعة من أجل الوساطة العربية إلا أن الرئيس بوش اضطر تحت ضغط رئيسة الوزراء البريطانية مارجريت تاتشر أن ينهي المفاوضات. وبعد مقابلة مع الملك الحسين في منزل الرئيس الأميركي بوش في ماين، بعد أسبوعين من غزو العراق للكويت، كتب الرئيس بوش في مذكراته قائلا بأن الأردنيين يدعون إلى منحهم فرصة من أجل التوسط لحل المشكلة. وقد رفض الملك حسين التسليم بأن صدام هو رجل مجنون.

وكما يوضح الكتابان عن سيرته الذاتية فإن الملك حسين خلال حياته بدا أنه يبحث عن شريك قوي أو شخصية فيها رمز الأبوة. وربما كان السبب هو مقتل جده الحبيب في عام 1951، عندما كان هو في عمر الصبا، إن كل تلك العقبات قد تفسر انجذاب الملك حسين بعد ذلك إلى طاغية مثل صدام، ولكنها تكشف أيضا لماذا كان يميل إلى الكشف عن ضعفه وإنسانيته في منطقة تمثل فيها القوة كل شيء. وحتى على فراش مرضه الأخير ووفاته فإن الملك حسين الذي كان يهزه مرض السرطان نظم حفل عيد ميلاد في جناحه بالمستشفى مع العاملين الذين تأثروا لدرجة البكاء، حيث شعر الجميع بالجانب الانساني الرائع في شخصية الملك الراحل .