قادة حماس بالمناطق السكنية والتواصل بينهم يجري بطرق بدائية
مصادر تكشف الدور الخفي لـ quot;فيلق المتعاونينquot; في quot;حرب غزةquot;
كتب ـ نبيل شرف الدين:
بينما تحتدم المواجهات البرية بعد نحو أسبوع من القصف الجوي الإسرائيلي المكثف على قطاع غزة، تبدو هذه المعركة الدائرة هناك مختلفة تماماً عن كل ما عرفه التاريخ من حروب سابقة، إذ أنها بالتأكيد ليست حرباً نظامية بين جيشين، ولا هي حرب عصابات ولا حرب شوارع، بل تبدو مزيجاً من كل هذه الأنماط، بالإضافة لعناصر أخرى تجعلها نوعاً فريداً من الحروب بين أحد أكبر وأحدث الجيوش وحركة عقائدية مسلحة تجمع بين المنطلقات الدينية والتحرر الوطني، ولدى الكثير من عناصرها استعداد تام للقيام بعمليات انتحارية بهدف إلحاق أكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوف القوات الإسرائيلية .
لكن يثور السؤال عن مصير قادة quot;حماسquot; الذين كانوا ملء السمع والأبصار قبل أيام من بدء العمليات العسكرية الإسرائيلية، وكيف يتحركون وسط هذه المواجهة غير المسبوقة، وهنا لا يمكن بالطبع الجزم بمعلومات دقيقة تماماً عن مواقعهم، ولا يمكن لكائن من كان من خارج الصف الأول ـ ميدانياً ـ أن يقطع بمعلومات من هذا النوع، فالحديث هنا مجرد رصد للخيارات المتاحة أمام هؤلاء القادة السياسيين والحركيين لحماس.
ويُجمع خبراء الأمن والمتخصصون في الشؤون الإستراتيجية على أن كوادر حماس تتحرك بسرية تامة، ووسط إجراءات أمنية مشددة، وأنه وفقا للمعلومات المتوافرة لا يظهر هؤلاء علناً كما كان الوضع من قبل، غير أن مسؤولين في الحركة يقولون إن التواصل لم ينقطع بين القيادة والقاعدة، لكن لا يعمد قادة حماس إلى التحرك إلا عند الضرورات الملحة ولا يتحدثون عبر الهواتف النقالة ولا يستخدمون السيارات لتفادي أي ضربات جوية محتملة من جانب الطائرات الحربية الإسرائيلية .
ويقول خبراء إن أفضل المواقع الآن لقادة حماس هي الانخراط بسرية تامة وسط المواطنين الفلسطينيين في مناطق كثافة سكانية عالية، لأن هذه الأهداف لا تجرؤ إسرائيل على توجيه ضربات إليها من دون معلومات مؤكدة عن أهداف محددة، لتحمل الكلفة الإنسانية الضخمة لهذه الخطوة، فضلاً عن أن الاتصالات تجري بين هؤلاء القادة بوسائل بدائية للغاية، خشية وجود أساليب لاختراق وسائل الاتصال الحديثة .
غير أن كل هذه التدابير لم تقف حائلاً دون استهداف القيادي البارز نزار ريان وزوجاته الأربع وعدد كبير من أطفاله في غارة إسرائيلية استهدفت منزله في مخيم quot;جبالياquot; شمال قطاع غزة .
وفي عدة مناسبات سابقة، وعبر (إيلاف)، طرحنا قضية الطابور الخامس في الداخل الفلسطيني، الذين يحملون صفة مشتركة في أروقة أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية وهي : quot;المتعاونونquot;، ويؤكد خبير أمني عربي أنه quot;لولا خدمات هؤلاء، لما تمكنت القوات الإسرائيلية من تنفيذ ثلاثة أرباع عملياتها النوعية التي تضرب أهدافاً ثمينة ومحددة، مثل القيادي نزار ريان، وقبله بعدة أعوام الشيخ أحمد ياسين وعبدالعزيز الرنتيسي، ويحيى عياش، فضلاً عن استهداف عشرات المواقع والمنشآت التي يفترض أنها بالغة السريةquot;، ويتساءل المصدر ـ الذي طلب عدم الإفصاح عن اسمه ـ مستنكراً : quot;من وشى بالعشرات من قادة وكوادر حماس وغيرها من الحركات الناشطة على الساحة الفلسطينية ؟quot; .
سجل العملاء
وكثيراً ما أوقفت أجهزة الأمن في السلطة الفلسطينية عملاء لإسرائيل، وتشير تقديرات غير رسمية لأجهزة استخبارات عربية، إلى وجود نحو ثلاثة آلاف عميل في الداخل الفلسطيني، هذا فضلاً عن قرى كاملة تشيع عنها العمالة لدى أجهزة إسرائيل الأمنية والاستخبارية، مقابل الأموال وأحياناً مقابل الوعد بتسهيل الهجرة إلى أميركا أو كندا أو غيرهما .
ووفقاً لمعلومات خبير أمني، فإن quot;قائمة المتعاونينquot; طويلة وسجلهم لا ينتهي، وأن إسرائيل دأبت مؤخراً على تزويد هؤلاء العملاء بأجهزة اتصالات متطورة تعمل عبر الأقمار الصناعية، ومنها شرائح إليكترونية يجري زرعها على الأهداف كي ترصدها أجهزة في المروحيات وتحدد مواقعها بكل دقة .
ونرصد بعض الأسماء والوقائع بشأن ملف العملاء، والبداية مع يحيي عياش الذي اشتهر باسم quot;المهندسquot;، والقائد السابق للجناح العسكري لحركة حماس، عندما قام بإجراء اتصال من هاتف نقال قدمه له أحد أقاربه، وكان مرصوداً عبر أجهزة تفجير عن بعد، باتفاق مع جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي quot;شين بيتquot;، وكانت إسرائيل قد حملته المسؤولية عن عملية quot;بيت ليدquot; التي أسفرت عن مقتل 22 جنديا إسرائيليا وجرح 45 آخرين .
وإثر هذه الواقعة اعتمدت إسرائيل أساليب جديدة، بعد أن تعلم الفلسطينيون درس اغتيال عياش، فعن طريق أحد quot;المتعاونينquot; تمكنت أجهزة الأمن الإسرائيلية من رصد تحركات أياد حردان، مسؤول الجناح العسكري لتنظيم quot;الجهاد الإسلاميquot; حينذاك، وقد تمكنت من اغتياله من خلال تفجير كابينة هاتف عمومي، وتمت محاكمة عدد من العملاء الفلسطينيين وأعدم ثلاثة منهم، وسجن الرابع (15 عاماً) نظرا لكونه قاصراً، بعد ثبوت تورطهم في quot;التعاونquot; مع إسرائيل لاغتيال ثابت ثابت مسؤول حركة فتح في طولكرم .
والملاحظ في هذا السياق أن الدقة المتناهية، والتخطيط المحكم لضرب الأهداف كان تقف خلفه تقنية متطورة، لكن كانت خلفها أيضاً معلومات دقيقة لا يوفرها سوى quot;عميل بشريquot;، وما حدث لصلاح دروزة يكشف مدى خطورة هؤلاء quot;المتعاونينquot; فالرجل أب لستة أطفال، وجاء اغتياله ليمثل الضحية الثالثة والثلاثين من أصل لائحة المائة الشهيرة التي كان قد أعلنها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيريل شارون فور وصوله للسلطة، وكانت أهم ما حملته إسرائيل هو مسؤوليته عن تفجير ملهى quot;الدلافينquot; في تل أبيب بحزيران (يونيو) من العام 2001، وراح ضحيته 21 قتيلا وقام به سعيد الحوتري، وتم اغتياله بقصف صاروخي لسيارته، لكن في اليوم التالي تم اعتقال أحمد أبو عيشة البالغ من العمر 50 عاماً، واتضح أنه ضالع في العمالة منذ العام 1982، وجرت محاكمته في الثاني من آب (أغسطس) من العام 2001 ، وحكم عليه بالإعدام في حينها .
وإذا كانت أجهزة الأمن الفلسطينية ظلت تلاحق هؤلاء quot;المتعاونينquot; وتقبض عليهم، لكن بالتأكيد فأن هناك المئات منهم مازالوا مجهولين يقدمون خدماتهم لأجهزة إسرائيل، فالمعلومات الدقيقة كانت دائما هي الدور الخفي لـ quot;فيلق المتعاونينquot; في quot;حرب غزةquot; وما قبلها وما قد يأتي بعدها من حروب يبدو أنها لن تنتهي .
[email protected]