هاجم الباحث الإسرائيلي الدكتور أمنون راز اليسار واتهمه بالوقوف وراء quot;الجرائمquot; التي وقعت في غزة وفي لبنان، وداخل الخط الأخضر، مؤكدا أن اليساريين يحاربون المواطن العربي أينما كان. وراى راز في حديث مع ايلاف أن مسألة وجود أعضاء عرب في الكنيست الإسرائيلي تبدو اليوم مخاطرة. وفي سياق مختلف شدد على دور الهوية القومية للفلسطينيين في الداخل وقال:quot; أعتقد أنه التحدي الأكبر والمعركة الأهم التي يجب أن يخوضها الفلسطينيون في مواجهة الإسرائيليين ، فالهوية القومية لفلسطينيي الداخل وحدها القادرة على إفشال المشروع الصهيوني ومحاربة عنصرية هذه الدولة ومساعيها لفرض الابرتهايدquot;.

الناصرة: في لقاءٍ أجرته quot;إيلافquot; مع الدكتور الباحث امنون راز (المحاضر في جامعة بن غوريون في بئر السبع)، تركز الحديث بمجمله حول الذكرى التاسعة لهبة القدس والأقصى والتي قتلت الشرطة الإسرائيلي خلالها 13 شابا عربيا من داخل الخط الأخضر، في الأول من اكتوبر خلال مواجهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بُعيد اقتحام رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرائيل شارون المسجد الأقصى.
وأشاد راز بالنجاح الكبير للمظاهرة الفلسطينية التي جرت في قرية عرابة في الجليل (داخل الخط الأخضر)، الخميس الماضي، كما تطرق الى أهمية الوحدة العربية في الداخل في مواجهة سياسة اسرائيلي الأكثر عدائية منذ قيام الدولة.
و أمنون راز ولد عام 1958، وهو باحث في التاريخ اليهودي وسياسي معروف ومؤيد لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، أصدر عدة كتب ونشر العديد من المقالات في وسائل الاعلام المختلفة.
وفي لقائه مع quot;إيلافquot;، واصل الباحث راز تحليلاته لوضع الأقلية العربية الفلسطينية في إسرائيل، ووصف الحالة السياسية للأحزاب العربية وعلاقتها بالدولة العبرية، ووجه بعض الانتقادات لأطرافٍ عربية لا تعمل على quot;الوحدة الفلسطينيةquot;. وفي مدلولات تصريحاته إشارة واضحة الى الضعف العربي جراء الخلافات الداخلية أولاً والهجمة الإسرائيلية على الفلسطينيين من خلال سلب حقوقهم الشرعية في quot;العيش بكرامةquot; عبر quot;مواطنة كاملة ومساواة شاملةquot;، الأمر الذي يبدو بعيد المنال بسبب quot;الشرخ العربيquot;.
إليكم نص الحوار كاملاً:

*تسع سنوات على هبة اكتوبر 2000 وسقوط 13 ضحية فلسطينية من الداخل، وضحايا كثر من فلسطينيي الضفة الغربية والقطاع، ألا ترى تغييرًا في السياسة الإسرائيلية تجاه؟!
بالطبع هناك تغيير جدي حصل بعد اكتوبر 2000، هبة القدس وضعت حدًا للحديث عن حوار سياسي اسرائيلي فلسطيني، وصارت هناك شرعية للاعتداءات على المواطنين العرب في إسرائيل، وما لم يكن ليحدث قبل العام 2000، صارَ حدثاً عاديًا في العام 2009، أصبح قتل العربي مسألة شرعية، بذريعة quot;أنّ العربي شكّل خطرًا على الأمن ورجالهquot;.
أقولها بأسف أنّ اكتوبر 2000، جعل الطرف الاسرائيلي (مواطنون وقادة)، يقفون في مواجهة العرب، ولا أدل على ذلك من التأكيد على يهودية الدولة، ومن المهم في حديثي أن أؤكد أنّ ليبرلمان لا يعكس رأي الأقلية، بل ينقل بمصداقية آراء إسرائيلية مختلفة ومن بينها اليسار الإسرائيلي، الذي قرر ينتزع شرعية المواطنة الكاملة من فلسطينيي الداخل.

*كان من المفترض أن تُنصِف لجنة التحقيق- اور، الضحايا وأهاليهم، لكن العكس هو ما حصل، على ما يدل ذلك؟!
* ما خرج عن لجنة اور ما هي الا توصيات مفادها أن هناك تمييزًا ضد الأقلية العربية بدأ منذ العام 1948، ليس له أي قيمة فعلية، وما حصل فعليًا أنّ سياسة التمييز والتضييق على الأقلية العربية زادت واتسعت رقعتها خصوصًا عندما ألمس بعيني محاولة نزع الشرعية عن بعض قادة المجتمع العربي بهدف توسيع الشرخ بين فلسطينيي الداخل، لتضيع البوصلة السياسية بين أبناء الشعب العربي الواحد، وبذلك يسهل على الإسرائيليين اختراقهم وتوجيههم لأهدافٍ فارغة من المضامين والحقوق الشرعية.
أمام هذا الواقع والحقائق يصبح الادعاء أنّ دولة اسرائيلية ديمقراطية هو شعار فارغ، ولم يعد لمبدأ quot;دولة كل مواطنيهاquot;، أي وجود في هذه الساحة.
ويؤسفني حقيقة أنّ بعض الأحزاب العربية تلعب لعبة الأحزاب الاسرائيلية وتشاركهم في تفريغ المفاهيم الحزبية من مضامينها ونضالها الحقيقية نحو quot;المواطنة الكاملة والمساواة التامة في الحقوقquot;، ألم يصوت فلسطينيون الى جانب حكومة تسيبي ليفني؟! ألم يدعم بعض العرب الحكومات السابقة براك، شارون، اولمرت، نتانياهو، تلك الحكومات التي لا تختلف فيما بينها بمدى عدائيتها للعرب.

*أفهم من حديثك أن الجمهور العربي لم يخض نضالاً كافيًا ضد حكومات إسرائيل؟!
ما أريد قوله وتأكيده أنّ الجماهير العربية ضعيفة في مواجهة العدائية الإسرائيلية ضدهم، وأعيد هذا الواقع لسببين الأول الخوف الفلسطيني والثاني الأحزاب السياسية المحلية. وعن الخوف فإنّ الجرح الفلسطيني المفتوح منذ اكتوبر لم يندمل، وبات الفلسطيني وحده في مواجهة الإسرائيليين على أكثر من صعيد، العربي يبحث عن لقمة عيشه وعن حقه في التعليم والعمل والمواطنة الكاملة والمساواة في الحقوق، بينما تقف الأطراف السياسية العربية رغم النداءات بالوحدة لتضعف الموقف العربي، وهنا أعود مرة اخرى لأنظر الى وجود أطراف عربية حزبية لم تفعل شيئًا من أجل الوحدة المشتركة، في مواجهة الآخر، بل على العكس، وفي تراجيديا مأساوية، أنّ هؤلاء حاربوا أحزاب اخرى، وهاجموا شخصيات بارزة نادت quot;بالمواطنة الكاملة والمساواة الحقيقيةquot;، حزبٌ عربي-يهودي، جمهوره الليبرالي اليهودي اتخذ قوة في مركز تل أبيب التي تفتقر اصلاً للوجود العربي، فكيف تكون هنالك شراكة يهودية-عربية عندما يكون العربي أصلاً غير موجود في القاموس اليهودي، ما يجري أساسه غياب التضامن العربي والحس القومي.

*لماذا تهاجم اليسار الإسرائيلي؟!
لأنني أقرأ التاريخ جيدًا، وحين نتحدث عن اكتوبر 2000، تسترجع الذاكرة الجرائم التي نفذها قادة وصفوا انفسهم بالليبراليين، هؤلاء هم الذين اغتالوا الشبان الفلسطينيين، أتحدث عن حكومة ايهود باراك آنذاك وعن شركائه يوسي بيلين ويولي تمير، وبين العرب مَن تصرف وما زال مع هؤلاء الساسة وكأنه لا شيء حصل.
ألم يكن هؤلاء اليساريين مسؤولين عن الجرائم التي نفذت خلال الشعر سنوات اللآخيرة؟! اليسار يعني الجرائم في لبنان وفي غزة وفي اكتوبر 2000، ولأنّ كثيرون يتجاهلون عمدًا حقيقة اليسار الإسرائيلي فإنّ الوضع المتدهور في المجتمع العربي في اسرائيل يسير من سيء الى اسوأ.
ألم يكن اليسار هو من عارض المواطنة الكاملة للعرب في اسرائيل؟! ألم يكونوا هم من تحدث عن ضرورة الحفاظ على الأكثرية الديموغرافية في إسرائيل؟! وهل يحتاج الفلسطينيون لدليلٍ أكبر من ذلك على أنّ اليساريين يحاربون المواطن العربي، ولا يقيمون للمواطنة والشراكة العربية أي اعتبار. ورغم أنّ اليسار الإسرائيلي حاليًا خائر القوى، وليس له أي تأثير سياسي، إلا انه هو من دمر امكانية الحوار الفلسطيني الاسرائيلي وإذا أدرك العرب الدور السلبي لليسار الاسرائيلي، عندها فقط يمكن التفكير بمواصلة الحوار.
وتصبح المسألة كارثية عندما يدور الحديث عن سياسة متوازنة بين العرب واليهود، بينما لا يتردد كثيرون في مهاجمة الأحزاب العربية ونزع شرعية بعضها، مقابل تخلي آخرون عرب عن الوحدة العربية والحديث عن القومية.

*ألا تعوّل على أعضاء الكنيست العرب في الكنيست الإسرائيلي؟!
في الحقيقة أنّ مسألة وجود الأعضاء الكنيست العرب في الكنيست الإسرائيلي تبدو اليوم مخاطرة، فمن جهة هناك أهمية للتأثير العربي وهذا واجب أعضاء الكنيست العرب، لكنني أراهم اليوم ضعفاء، في ظل التصارع الحزبي فيما بينهم، وسيطرة اليمين الإسرائيلي والاجماع الصهيوني، وبدلاً من يكون للأحزاب دورالمعارضة والمواجهة الحقيقية ضد سياسة التطرف الاسرائيلي، يتنازعون فيما بينهم ويزيدون رقعة الشرخ الفلسطيني.
أنا أرى واجب الأحزاب العربية ومسؤوليتهم الكبيرة - هي مواجهة القمع الموجَه ضدهم، وضد مصادرة الأراضي، وإفقار العرب والتمييز الممنهج، لكن بدون النضال المشترك لن يتم تحصيل أيُ حقٍ للفلسطيني، وإذا ما اعتقد بعضهم أنّ السعي لإرضاء اليهود سيجلب لهم حقًا ومساواة كاملة أو حتى شبه مساواة... فكيف تكون المساواة جون نضال مشترك في مسائل مصيرية مهمة؟! ومَن اعتقد أنّ الحديث عن شراكة يهودية-عربية، ممثلة باليسار الإسرائيلي ستحقق لهم المواطنة الكاملة فإنهم أخطأوا وأضعفوا الموقف العربي، وأعادوا مكانته الى الوراء...
وحين أفكر مليًا بالديمقراطية الاسرائيلية المزعومة، والتي يُنادى بها في أروقة الكنيست، أقول أنه ربما كان من الأفضل للعرب عدم مشاركتهم في لعبتهم هذه، لكنني سرعان ما أتراجع عندما أفكّر أن قائمة عربية واحدة في الكنيست كانت ستغيّر قوانين اللعبة وستكشف تفاصيل الديمقراطية الاسرائيلية المزيّفة.

* ألا تزال تؤمن بضرورة الحفاظ على الهوية القومية لفلسطينيي الداخل؟!
أعتقد أنه التحدي الأكبر والمعركة الأهم التي يجب أن يخوضها الفلسطينيون في مواجهة الإسرائيليين، فالهوية القومية لفلسطينيي الداخل وحدها القادرة على إفشال المشروع الصهيوني ومحاربة عنصرية هذه الدولة ومساعيها لفرض الابرتهايد وأسرلتهم.
إنني أثق تمام الثقة بقدرة المجتمع العربي على محاربة العنصرية والتطرف إذا ما توحّد في أمرين أساسيين: مواطنة كاملة، وهوية قومية فلسطينية في دولة ثنائية القومية، ودون تحصيل هذين المبدأين تظل الصهيونية هي المسيطرة بمبادئها الفاشية.

* اتهمتَ أجهزة الأمن الاسرائيلية بتلفيق ملفات ضد مواطنين عرب، هل لك أن توضّح ما قلته سابقًا؟!
كنتُ تطرقت الى تدخل أجهزة الأمن الإسرائيلية في تلفيق ملفات أمنية ضد مواطنين عرب، من بينهم د. عزمي بشارة وآخرين.. لستُ أنا من يقول ذلك بل إنني سمعتُ ذلك على لسان سياسيين وأكاديميين وصحفيين إسرائيليين، جميعهم يؤكد أنّ الشاباك قادر على تلفيق ملفٍ أمني لفلسطينيين من الداخل... خذي مثلاً القصة الأخيرة للطالب الجامعي راوي سلطاني، لقد وُضع في خانة الاتهام في رواية لا يمكن تصديقها؟! تبدو قصته وكأنها رواية سياسية مبرمجة على يد الشاباك، إنها سياسة مكشوفة لإخافة العربي وتقييد حريته، وإلا كيف نفسّر الوصفة المعهودة quot;العميل الأجنبيquot;، ومَن الذي يحدد إن كان العميل الأجنبي صديقًا لإسرائيل أم عدوًا لها؟!!

* أعود الى ملف اكتوبر 2000، ودور الفلسطيني في تحدي سياسة اسرائيل وحربها المتواصلة ضد عرب الداخل، فماذا تقول؟!
ثلاث نقاط يهمني الإشارة اليها في الحديث عن اكتوبر 2000 وأهمية النضال في هذا الملف الشائك.
أولاً: وحدة الشعب الفلسطيني- وتجلى ذلك في المظاهرة الجبارة التي جرت في الأول من اكتوبر الحالي، والذي أكدّ فيها المشاركون على الوحدة في مواجهة سياسة اسرائيل، وأتمنى أن يغيب النزاع السياسي الحزبي وتختفي معه المصالح الأنانية الضيّقة، ليتحمّل القادة العرب مسؤوليتهم، أما مَن يفرض وحدة الفلسطينيين في الداخل فهم قادة الأحزاب العربية، وخلفهم تأتي لجنة المتابعة كإطار جماهيري مؤثِر، ومنظِّم للحركة النضالية الفلسطينية.
ثانيًا: استمرار النضال ضد مجرمي اكتوبر ndash; وأعني بذلك مساندة العائلات الثكلى واستمرار النضال الجماهيري لانتزاع الحق الشرعي والحصول على اعتراف اسرائيلي بالذنب الذي اقتُرف بحق مواطنين عرب ابرياء.
وفي الحديث عن النضال المشترك أدعو لتغييب الانتماءات الحزبية والوحدة الكاملة لمواجهة الاحتلال محليًا وعالميًا، وفي كل مسألة يخرج فيها العرب لشرح معاناتهم وإيصال رسالتهم الى العالم، ان كان ذلك عن طريق التوجه للمحاكم الاسرائيلية مرة اخرى، أو عن طريق إيصال عريضة الربع مليون فلسطيني الى هيئة الأمم المتحدة، ووسائل اخرى نضالية، كلها سترفع الصوت الفلسطيني مقابل الجرائم الاسرائيلية التي ترتكب ضد مواطنين عرب.
ثالثًا: البند الأخير الذي يضمن دولة فلسطينية كاملة السيادة، فيأتي عندما يحصل الفلسطينيون على مساواة قومية ومواطنة كاملة، وضمان حق اللاجئين بالعودة ودرء خطر الصهيونية وقوانينها العنصرية والفاشية.