تعتبر زيارة فيصل المقداد الرسمية إلى العاصمة الأميركية الأولى لمسؤول سوري على هذا المستوى منذ خمس سنوات، وتأتي بناءً على دعوة من الحكومة الأميركية. وقد التقى خلالها المقداد إضافة إلى فيلتمان، نائب وزيرة الخارجية جاك لو، ومدير الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي دانيال شاجيه وعددًا من المسؤولين في الخارجية الأميركية والبيت الأبيض واعضاء من الكونغرس. ولـُفت خلال الزيارة اصطحاب فيلتمان ضيفه السوري لتناول الغداء في احد المطاعم.

بيروت: أبدى وزير الخارحية السوري وليد المعلم ارتياحه للمحادثات التي اجراها في نيويورك الأسبوع الماضي مع مسؤولين بارزين في الإدارة الأميركية على هامش مشاركته في الجمعية العامة للامم المتحدة ممثلاًً لبلاده على رأس وفد ضم نائبه الدكتور فيصل المقداد ومديرة دائرة الاعلام في الوزارة بشرى كنفاني وعددًا من معاونيه، وتعتبر هذه المحادثات استكمالاً للحوار الذي بدأه الجانبان السوري والأميركي خلال الزيارات التي قام بها مسؤولون أميركيون الى دمشق في الآونة الأخيرة، بعد أن قرر الرئيس الأميركي باراك أوباما انهاء القطيعة مع سوريا، التي كان قدفرضها سلفه الرئيس جورج بوش، في محاولة لوضع العلاقات بين البلدين أمام امتحان جديد قد يؤدي الى تحسنها أو العودة بها الى الجمود.

هذا وظهر الاهتمام الأميركي بهذه المحادثات من خلال الوفد المشارك فيه الذي ضم في عداده مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الادنى جفري فيلتمان ونائب وزيرة الخارجية لشؤون العلاقات الأميركية وليام بيرنز، الذي حضر خصيصًا من واشنطن الى نيويورك رفقة دنيس روس، ومساعد المبعوث الخاص للسلام فريدريك هوف.

وتقول مصادر سورية مطلعة على أجواء الإجتماعات التي عقدت في نيويورك انه جرى عرض مختلف المواضيع التي تهم واشنطن ودمشق وفي مقدمها عملية السلام والوضع في العراق والعلاقة مع ايران، كما جرى التوقف عند ما شهدته العلاقات الأميركية السورية من تبدّل قياسًا بما كانت عليه في السابق. وجرى الاتفاق على المضي في اعتماد الحوار كأساس لحل الخلافات والمشاكل بين الطرفين.

وذكرت المصادر السورية أنّ كلاً من الوفدين السوري والأميركي، قال ما لديه وعرض وجة نظره في ما يخص المسائل التي جرت مناقشتها، مشيرة إلى أن الشأن العراقي استحوذ على حيز واسع من الاجتماع خصوصاً ما أصاب العلاقات السورية العراقية من توتر في الفترة الأخيرة إثر حوادث التفجير التي طالت مؤسسات حكومية في بغداد، وأدت الى مقتل وجرح المئات، وحملت الحكومة العراقية على اتهام سوريا بالوقوف وراءها عبر إيوائها شخصيات وأفرادًا عراقيين مطلوبين للعدالة، وذهابها الى حد المطالبة باجراء تحقيق دولي على غرار ما هو حاصل في جريمة اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري.

وأوضحت هذه المصادر ان الوزير المعلم، الذي كرر ادانة سوريا لما جرى في بغداد، رد على الاتهامات العراقية بإسهاب نافيًا وجود اي علاقة لبلاده بالتدهور الأمني الحاصل، مشيرًا إلى انه طلب اكثر من مرة من المسؤولين العراقيين تزويده بأدلة واثباتات تبيّن ضلوع سوريا بما حصل هناك، إلا انه لم يتلقَّ ردًّا واضحًا حتى الساعة. وذُكر في هذا الإطار ان وزير خارجيّة تركيا الذي قام بزيارة الى بغداد قبل مدة حمل الى دمشق لائحة تسلمها من المسؤولين العراقيين تتضمن اسماء شخصيات عراقية ومصورات جوية قيل إنها مراكز تدريب، إضافة الى تسجيل تلفزيوني لسجين موجود لديهم في العراق وأخرجوه على المحطّات الفضائية.

أمّا اللائحة التي تضم شخصيات عراقية معارضة للنظام في العراق فقد سبق ان قدمت الى دمشق في الماضي، وفق ما أفاد الجانب السوري، بعضهم في سوريا وبعضهم في بلدان أخرى. وشرح السوريون انهquot; بالنسبة للمقيمين في سوريا والموجودة اسماؤهم في اللائحة ويكرر العراق المطالبة بهم، إنما هم من الذين يعارضون المشاركة السياسية في العراق، وهذا هو توجههم وليس القيام بعمليات ارهابية. وقد سبق واعلمنا الجانب العراقي مرارًا وتكرارًا اننا جاهزون لاستقبال وفد أمني عراقي ليتأكد بنفسه من عدم وجود أي معكسرات تدريبية ضد العراق على الأراضي السوريةquot;.

واكدت المصادر السورية ان المسؤولين الأميركيين الذين أصغوا بامعان إلى العرض السوري بدوا غير متحمسين لطلب رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي تدويل القضية أو اجراء تحقيق دولي، ونصحوا بضرورة إيجاد حل لهذه الأزمة عبر الحوار بين المسؤولين السوريين والعراقيين، منوهين في الوقت نفسه بالجهود التي تبذلها حكومة المالكي لارساء الامن والاستقرار في العراق.

وإذا كان لقاء المعلم مع الوفد الأميركي قد اتسم بالصراحة وغلب عليه طابع الانفتاح والإيجابية، فإن اجتماع رئيس الديبلوماسية السورية مع الأمين العام للامم المتحدة بان كي مون لم يكن مريحًا. إذ أثار خلاله المعلم موضوع الرسالة التي بعثت بها الحكومة السورية اليه طالبة فيها التحقيق مع الرئيس السابق للجنة التحقيق الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الحريري القاضي الألماني ديتليف ميليس حول الاتهامات التي ساقها ضد سوريا في تقريره الأول، مستندًا في ذلك إلى افادات كاذبة ومضللة للمدعو زهير الصديق وغيره من شهود الزور، تبين عدم صحتها بعد إعلان رئيس لجنة التحقيق الحالي القاضي دانيال بيلمار براءة الضباط اللبنانيين الأربعة الذين جرى توقيفهم أكثر من ثلاث سنوات بناء على شهادة الصديق المزورة واطلق سراحهم في مايو أيار الماضي.

واعرب المعلم لـ quot;كي مونquot; عن دهشته للرد غير المقنع الذي أجاب به الأخير عن الرسالة بقوله ان لا سلطة للأمانة العامة للأمم المتحدة على لجنة التحقيق متسائلاً كيف يكون الأمر كذلك ولجنة التحقيق هذه صناعة دولية بامتياز تم انشاؤها في مجلس الأمن الذي جلس ميليس على أحد مقاعده مصوبًا سهامه ضد سوريا.

ولفت المعلم الى ان الطلب السوري بالتحقيق مع ميليس انما جاء بعد الأقوال التي أدلى بها احد الضباط الأربعة المدير العام للأمن العام اللبناني السابق اللواء جميل السيد في مؤتمر صحافي تناولته جميع وسائل الاعلام العربية والأجنبية، وكشف فيه انه تلقى عرضًا من ميليس ومساعده غيرارد ليمان بالإفراج عنه مقابل النطق ببعض كلمات يعلن فيها ضلوع سوريا بجريمة اغتيال الحريري، الأمر الذي رفضه السيد، وسأل المعلم محدثه ألا تستدعي هذه الوقائع إحضار ميليس المعيَّن من قبلكم للإستفسار منه عن المسألة، في الوقت الذي لا تترددون فيه عن توجيه الإتهام ضد سوريا حين تجدون الفرصة سانحة لذلك؟!

وتطرق المعلم هنا الى رد فعل الأمين العام للأمم المتحدة اثر تسلمه خطاب رئيس الحكومة العراقية الذي يطالب فيه اجراء تحقيق دولي في التفجيرات الأخيرة التي شهدتها بغداد، آخذاً عليه مسارعته الى تحميل سوريا المسؤولية فيما أصحاب الخطاب لم يأتوا على ذكرها، وفقًا لما أفاده به نظيره العراقي خوشيار زيباري الذي أوضح بأن ما ورد في الخطاب تحدث عن الدول المجاورة ولم يحدد دولة بعينها.

هذا وعلمت quot;إيلافquot; أنّ بان كي مون وعد وزير الخارجية السوري باعادة النظر في طلب دمشق التحقيق مع ميليس كما أبدى تفهّمًا للموقف السوري من تفجيرات بغداد. من جهة أخرى ذكرت المصادر سورية المطلعة ان المحادثات التي اجراها نائب وزير الخارجية الدكتور فيصل المقداد في واشنطن تناولت بشكل رئيس مسألة العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا في عهد الرئيس السابق جورج بوش.

وعلمت quot;إيلافquot; أن المسؤولين الأميركيين ابلغوا المقداد بأن الإدارة الأميركية في صدد إعادة النظر في العقوبات المفروضة على سوريا، وقد يعمد الرئيس أوباما الى تعديل بعض النقاط التي تشملها هذه العقوبات، لكن دون المساس بجوهرها الذي هو من صلاحية الكونغرس وحده. وكان المقداد قد أدلى بتصريح قال فيه: quot;ان العلاقات السورية- الأميركية مرت بمرحلة صعبة جداً خلال عهد إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوشquot;، مشيرًا الى انه quot;لا يمكن حل الأخطاء التي تراكمت في تلك السنوات دفعة واحدةquot;، مؤكدًا quot;ان الحوار الذي تجريه سوريا مع اميركا يقوم على مبدأين أساسيين المصالح المشتركة والإحترام المتبادلquot;.