غادة أسعد من الناصرة:أثارت تصريحات وزير المواصلات الاسرائيلي يسرائيل كاتس، والتي أعلن فيها عن مشروع لتغيير الأسماء العربية للقرى والمدن في أراضي ال 48 الى اسماء عبرية، ما يعني كتابة اسم يروشاليم بدلاً من مدينة القدس وعكو بدلاً من عكا، أثارت السخط في أوساط المجتمع العربي الفلسطيني على اختلاف أماكن تواجدهم، وأكدّ معظم المعلّقين على هذا المخطط أنّ الأمر ليسَ مفاجئاً، لكنه quot;وقح بجرأته ومحاولته لطمس اللغة العربية ومحو الذاكرة الجمعية من وجدان الفلسطينيين ومصادرة الهويةquot;، كما يقولون.
وتعليقًا على هذا المخطط، وسياسة حكومة اسرائيل الممنهجة تجاه الفلسطينيين وخاصة داخل الخط الأخضر، خصّ الدكتور محمد أمارة موقع quot;إيلافquot; بهذا الحوار والذي تناول فيه وضع الفلسطيني في الداخل ورؤيته وقدرته على مواجهة هذه السياسة.
الدكتور محمد أمارة هو محاضر في قسم العلوم السياسية وقسم اللغة الانكليزية في كلية بيت بيرل وفي مركز quot;دراساتquot; للحقوق والسياسات في الناصرة.


*بداية، نعرف عملك الجاد في نقل الحفاظ على موروث اللغة العربية، وتعزيز مكانتها في مجتمعنا العربي الفلسطيني في الداخل، فكيف تنظر الى تصريحات وزير المواصلات بحذف الأسماء العربية، ولماذا تأتي تصريحاته هذا التوقيت بالذات؟!

أعتبر أنّ تهويد اللافتات هو مشروع صهيوني عمره أكثر من 100 عام، وليس وليد اللحظة، وكأننا بدأنا مرحلة جديدة من التضييق على الجماهير العربية، أرى في هذه العملية نوعًا من اكمال المشروع الذي بدأه اليهود، لذا لم يفاجئني مخطط وزير المواصلات، الحديث القديم، ولربما المثير في الأمر أنّ الحكومة اليمينية الحالية تحاول تطبيقه على أرض الواقع في ما تبقى من أماكن تراها لم تهوّد بالكامل.
تختفي المفاجآت في التصريحات، عندما نرى نجاحًا باهرًا على الأرض من خلال سياسة مصادرة الأراضي العربية، ما يعني تهويد المكان، وهناك هيمنة يهودية ونجاح في الصراع على جميع الأصعدة نفسيًا واجتماعيًا سياسيًا وعسكريًا وهناك سعي جاد وأظنه وصل الى حد النجاح بإحياء اللغة العبرية لتصبح اللغة المهيمنة.
ولا شك عندي وعند الكثيرين أنّ اللغة العربية تضايق البعض، لأنها ترمز الى وجود أقلية قومية، بينما يرى البعض أنّ السبيل لتحويل اسرائيل لدولة يهودية متكاملة هو أن تكون نظيفة من قوميات اخرى.

*ولماذا تثيرهم اللغة العربية على هذا النحو الكبير؟!
- كيف لا تثيرهم اللغة العربية عندما يكون مشروعهم هو quot;مشروع عبرنةquot;، مشروع عمره طويل لكن الجديد فيه ان حكومة يمينية ليبرمانية لا تتحدث بالشعارات ولا تخجل من أحد ولا تتورع عن تقديم مشروعها دون استحياء من أحد في البلاد أو في العالم.
وإذا كُنا نعرف تمامًا أنّ اللغة تتبع للحقل الدلالي الرمزي، وبذكاءٍ معيّن صرّح كاتس وزير المواصلات: نحن لا نريد ان نلغي اللغة العربية، بل نريد ان ننقل اللافتات المكتوبة بالعبرية نقلاً حرفيًا يعني quot;يروشاليم بالعربيةquot; تكتب بالعربية quot;يروشلايمquot;، إنها الجرأة الوقحة التي يتم من خلالها الغاء الآخر والنظر الى أفعالهم على أنها شرعية ومسموحٌ بها.
ولا أرى في هذه القضية، قضية لافتات بقدر ما انظر اليها الى انها تكملة للمشروع الصهيوني بعبرنة المكان كاملاً والامعان في الهيمنة، إذ ينظر الاسرائيلي اليهودي اليميني المتطرف ان اسرائيل دولة يهودية مع كل المزايا المتوفرة بِما فيها اللغة.

هل في هذه الخطوة ضرب لعمقالجذور العربيةمن خلال ضرب اللغة؟!
- لا أنظر الى الأمر بهذا الشكل، أنظر الى ما صادروه منذ العام 1948 وقبل ذلك ، لقد صادروا الأرض العربية والموارد وأصبح العرب طبقة عاملة، لكن احتفظت اللغة العربية ببعدها الرمزي وعمق جذورها، ولذا يريدون مصادرة اللغة.
هم يعرفون تمامًا أنّ العربي يجيد اللغة العبرية ويتعامل معها دون توجُس، لكنهم يريدون أنّ يتوقف استعمال اللغة العربية، بمعنىً آخر لا يكفيهم السيطرة الجسدية والسياسية والاقتصادية، يبحثون عن السيطرة على المجال الرمزي، على الذاكرة الفلسطينية لشطبها، واقتلاعها من جذورها.
الاسرائيليون يعرفون تمامًا صعوبة السيطرة على الحقل الرمزي، لكن ذلك لا يمنعهم أيُ شيء من محاولات مصادرة اللغة العربية، أسميها quot;مصادرةquot;، هذه هي الحقيقة كاملةً وأقولها بصراحة اننا خسرنا أكثر مما توقعناه، لكن يبقى أمران مهمان اضافة الى وجودنا هما ذاكرتنا وروايتنا، واذا كنا جادين في الحفاظ عليهما فإنّ اللغة هي أهم عوامل المحافظة على الرواية والذاكرة، واذا ما نجحوا في شطب اللغة نصبح عندها أشلاء مجموعة ورحم الله ما كان... عندها سينجح المشروع الصهيوني كاملاً.

* هل لك أن تحدثني عن المشروع المضاد لتهويد الذاكرة واللغة الفلسطينية، مشروعكم الذي يحمل اسم quot;المائة مصطلح عربيquot;؟!
هو مشروعٌ يهدف الى مواجهة الحرب على اللغة العربية، ورفضًا للمشاريع التي تحاول تهويد اللغة العربية والذاكرة الفلسطينية. وفي تفاصيل المشروع أنني كنت واحدًا من مجموعة أكاديميين وناشطين مدنيين، سعينا لإفشال طرح وزارة المعارف التي أرادت تعزيز طابع يهودية الدولة، وفرض مصطلحات يهودية على جهاز التعليم العربي، وبما أنهم لا يخجلون من هذا الطرح العنصري، قررنا بعمل جاد أسميناه المصطلحات البديلة، برعاية جمعية (ابن خلدون) ومركز مكافحة العنصرية، وقمت أنا وزميلي الدكتور مصطفى كبها بتحرير الكتاب، وفيه قلنا كل ما نرتأيه بخصوص اللغة العربية، وتعريفات الهوية وتفاصيل أخرى في عمق ذاكرتنا الفلسطينية.
لقد ادعى كثيرون من الاسرائيليين أنّ الهوية العربية الفلسطينية هي هوية فولكلورية، وأنّ الفلسطيني منسلخ عن جوهره وجذوره التاريخية، فجاءت المصطلحات البديلة لتؤكد روايتنا وتعمّق ذاكرتنا وتشبثنا بالأرض الفلسطينية ذات العمق الذي لا يمكن زعزعته من مكانه.
وأستطيع الآن ان أؤكد لكِ أنّ quot;الـ 100quot; مصطلح عربي البديل، هي من المبادرات الأولى الأصيلة في هذا المجال، وقد تمّ توزيع الكتاب في 50 الف نسخة واستقبل بنهمٍ وترحاب شديدين.

*وهل استطاعَ هذا المشروع أنّ يحدث تغييرًا جديًا؟!
نعم. يمكن تسميته مشروع تحدٍ، فعلى الرغم من الموارد المتواضعة خرجَ العمل الى حيز الوجود، وجعل وزارة المعارف تفشل في مشروعها المضاد 100 مصطلح يهودي للطلاب العرب رغم ما بذلوه من تكلفة وصلت الى ملايين الشواقل.

*كيف تقيّم علاقة الجيل الجديد بهويته؟!
لا شك ان هناك تبايناً بين الجيل الجديد، ولا أنكر أنّ هناك حاجة للقيام بعمل جبار من أجل تعزيز الهوية في مجموعة الشباب، الجيل الجديد، وأضع في الباب الأول مسؤولية التربية في البيت، لكنني ألمس أرضًا خصبة لدى شريحة ليست بقليلة منهم.
بتنا كمعلمين نشعر بالجرأة والتحدي لدى الشباب، وهناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق مثقفينا بعرض برنامج الهوية فهناك تعطش واضح لدى هؤلاء...
أنا شخصيًا المسُ في محاضراتي أنّ هناك تعطشًا كبيرًا، ونهما في مسألة التربية الاجتماعية ومعرفة الحقيقة وكشف أبعاد الهوية.
وتلخيصًا أقول أنّ هناك أرضا خصبة لأي مشروع تربوي حضاري وطني يخدم شبابنا، ليتحول الى مشروعٍ شامل، تكثف فيه الجهود ونبتعد فيه عن الشعارات.

*ما هو دور الأكاديميين؟!
هناك طرفان يمكن الحديث عنهما الأكاديميون والمثقفين، والأكاديميون الباحثون هم مئات أما المثقفون فهم آلاف.
وإذا ما تناولنا شريحة الأكاديميين الباحثين فنحن نتحدث عن أكثر طبقة فاعلة عن الجيل الثاني، وهؤلاء يعملون بصورة مكثفة في المجتمع المدني الفلسطيني، إنهم الجيل الذي يتراوح بين 40-50 عامًا.
نرى هذه المجموعة بوضوح، ونلمس اسهاماتها ونرى أنهم يقودون المجتمع المدني، الأمر الذي لا يمكن وصفه بالمهمة السهلة، فأنا شخصيًا لي دور واسهام في العمل الميداني، وأعترف أنني وغيري نواجه صعوبة الجهد والتعب المبذول، لكن الثمرة واضحة.
هذه المجموعة برزت خلال اصدار quot;التصور المستقبلي لفلسطينيي ال 48quot;، حيثُ قامت مجموعة كبيرة من الأكاديميين والناشطين الميدانيين بإطلاق هوية تتناول جذور المجتمع العربي الفلسطيني، ولقد نجحت في تأكيد هويتها ورؤيتها ومكانتها رغم التحديات المحيطة.
وباعتقادي أنّه لولا الأكاديميين ودورهم ونشاطهم وهم التغيير الاجتماعي الذي حملوه، لما لمسنا تغييرًا للأفضل في مجتمعنا... هؤلاء النشطون سعوا لإحداث تغييرٍ نحو الأفضل وهمهم منصبٌ على مقدرات هذا الشعب وعلى مكانته وقيمته وأهمية تمسكه بثوابته.

*كيف تقيّم دور القيادات الفلسطينية في الداخل ؟!
يمكن تحديد القيادة الفلسطينية في الداخل على أنها إضافة الى اعضاء الكنيست العرب، فهناك اللجنتان القطرية والمتابعة، ولا بدّ من الاعتراف أننا جميعًا نعي أزمة هذه اللجان، والتحديات التي تواجهها داخليًا واسرائيليًا.
من هنا نلمس الأزمة التي تمر بها القيادة المحلية، وهناك وهنٌ في أداء الدور المطلوب، كما أنّ هناك وضعا اقتصاديا متهالكا يؤثر سلبًافي القيادة المحلية، أما في ما يتعلق بالقيادة القطرية ndash; الكنيست الاسرائيلي فهناك أعضاء كنيست عرب على مستوىً عالٍ من القدرة والكفاءة، لكنهم يفتقرون الى المشروع الواضح الى اينَ وجهتهم وماذا يريدون؟ ومجتمعنا لا يعنيه رفع الصوت بقدر ما يعنيه القيادة الحكيمة التي تفرض مشروعًا للأمة يرفع عنها الغبن والقهر اليومي...
إنها تساؤلات شرعية يجب توجيهها الى أعضاء الكنيست العرب والى الأحزاب العربية متسائلين غير مدركين ما هو مشروعهم المستقبلي؟!!
وهناك تبرز قيادة المجتمع الأهلي المدني، الذي يلعب دورًا جبارًا هذه الأيام، فرغم وجود اشكالياتٍ في بواطنه، الا ان هذه القيادة تلعب دورًا بارزًا وفاعلاً، واذا ما عرفنا أنّ هناك 4000 جمعية أهلية، فإنّ الاحصاءات تدل أنّ الفي جمعية أهلية فاعلة ولها دورها وعطاؤها وفاعليتها... ومن هذه الجمعيات التي يقوم بتفعيلها عددٌ لا بأس بِهِ من الأكاديميين ونشطاء المجتمع المدني، ومن جعبتهم انطلقت التصورات المستقبلية الأمر الذي عجزت القيادة القطرية عن تقديمه للمجتمع العربي.
في القيادة المحلية يوجد اشكالية، وعندما نتحدث عن القيادة المحلية تتمثل في الحكم المحلي، وهناك اشكالية وليس هناك ادنى شك ان هناك أزمة، وقليلة البلدان التي فيها قيادة محلية فاعلة وهي حالات استثنائية، وليس فيها فاعلية.

* هل مجتمعنا العربي قادرٌ على المواجهة والتحدي؟
هذا هو السؤال الأهم، كم نحنُ قادرون على المواجهة والتحدي؟! لا أتخمتنا الشعارات البراقة، والتصريحات الرنانة، لكن للأسف الشديد نحنُ غير فاعلين الى حدٍ بعيد، فآلياتنا لم ترتقِ ان تكون قادرة على التغيير المتوخى... لم أكن أريد أن أكشف وضعية مجتمعنا، لكنني أرى مجتمعًا فيه فوضى، هناك مَن لا يمكن محاسبته، أتحدث عن المشهد العام، الذي نشاهد فيه انفلاتا اخلاقيا، فأين دور المجتمع الذي يضع البوصلة ويفرض المرجعيات؟! ومَن يضع حدًا للطائفية والحمائلية والعائلية؟! جميع هذه الظواهر هي نتيجة حتمية لفقدان البوصلة، ففي بعض الأحيان تصبح هذه الأخلاقيات هي المرجعيات في ظل انعدام البوصلة، فالطائفية يمكنها ان تكون ملجأ في الأزمات، عندما يسيطر الفكر القبلي، وفي ظل غياب قيمة الانسان كفرد نكون في أزمة جدية.
المؤلم في هذا العرض أنّ هناك مقدرات هائلة في مجتمعنا، تجدين اليوم عشرات الالاف من الأكاديميين فأين هو دورها؟! كيف يمكن ان نستثمرها لنحدث التغيير؟! واذا تأكدّ لنا انه في سنوات التسعينات كان الأكاديميون يشكلون بضع مئات ورغم ذلك كان وضعنا اجتماعيا أفضل بكثير من اليوم، لقد انعدمت القيادة التقليدية لكن لم نجد لها بديلاً يضبط البوصلة.

* لم تجبني بعد على سؤالي المتعلق بقدرتنا على التحدي؟!
كنتُ أتحدث عن أهمية ضبط البوصلة، كي نسير في الاتجاه الصحيح، لكن في ظل عدم وجود آليات يبقى السؤال الى أينَ وكيف ننطلق؟! لقد وصل مجتمعنا الى مرحلة جيدة، لديه نظرة رؤيوية، من هنا كان ادراكنا الحسي والاجابة عن سؤالنا مَن نحن؟! وماذا نريد؟! لكن ما زال السؤال المبهم الإجابة كيف نسير؟! وكيف نحقق الأهداف؟! هذا هو التحدي من أجل خلق واقعٍ جديد؟! واترك السؤال لِمن باستطاعته الإجابة عليه.

* ألا تشعر أنكم تواجهون كما هائلاً من القهر اليومي؟! ألا يؤثر القمعٍ والعنصرية على الثقافة والقدرة على التمسك بالثوابت؟!
انا لا اخشى هذا الحمل الكبير والثقيل، فالشعب الفلسطيني يدرك تمامًا أنّ تطوره لم يكن طبيعيًا وأنّ سيرورتنا لم تكن طبيعية أبدًا وأنّ وجودنا اليوم هو وضع سيريالي، إنها لوحة سريالية أن تعيش في وطنك ولا يعرّف أنه وطنك، وأنّ الدولة التي تعيش فيها ليست دولتك، نحن في صراعٍ مستمر مع الآخر، لكن كل هذه الحقائق والصور اليومية لا تخيفني، ما يخيفني ليس الاعباء والتحديات، انما يخيفني حالة الانكسار التي تؤدي الى الهزيمة، ومَن يشعر بالانهزام يمكنه ان يفعل أي شيء وأن يتنازل عن كل شيء.
نعم نحن نعيش قهرًا وقمعًا شديديْن، وليس لدي مشكلة مع هذا التوصيف، لكن الاشكالية تبدأ عندما نصل حد الانهزامية، التي تتميز بها بعض شرائح العالم العربي، إنها اصعب الحالات التي تمر بها الشعوب، ففي تلك الحالة يتوقف البشر عن المواجهة، والمواجهة هي أهم مسألة لشعبٍ في حالة صراع، ونحن بحمد الله لم نصل الى مرحلة الانهزام، لذا فإننا بالمجمل نعيشُ وضعًا اجتماعيًا ونفسيًا واقتصاديًا وسياسيًا صعبًا، وحقيقة لا أعرف كثيرون تحملوا ما تحملناه من ظروف وضغوط كبيرة، وبقوا مثلنا صامدين متمسكين بالثوابت.