فهد سعود من بيروت: لا شك أن برنامج ( قريب جداً)، هو أحد البرامج القلة التي لقيت الاشادة من الوسط الثقافي، كما انه بواقع عملي قد أعطى للثقافة معايير أخرى، ساهمت في أن يكون البرنامج الذي يعرض على قناة ( الحرة) نقلة نوعية للنقاش الحضاري عند أبواب الثقافة، حتى وصفته صحيفة (الحياة) بأنه أعاد الاعتبار للبرنامج الثقافي.

مقدم البرنامج، هو الإعلامي اللبناني جوزيف عيساوي. ولكن من هو عيساوي، الإعلامي والشاعر، ومن أي منطلقات يصوغ حلقاته.

إيلاف حاورته في بيروت، فخرجت بالتالي:

* ما قصة أول يوم عمل لك في lbc؟
لا يعلم كثيرون، أنني بدأت حياتي التلفزيونية في lbc عام 1988 حين كنُّا نصور حلقة تجريبية لبرنامج كان سيكون مجلة التلفزيون. خرجت لتصوير تحقيق عن السينما في منطقة الدورة، وحصلت عملية سرقة لمحل مجوهرات بعيدة عنا بضع مئات الأمتار سمعنا الرصاص، توجهت مع مهندس الصوت الذي حمل الكاميرا بديلا من المصور الذي خشي من الذهاب، صورنا اللصوص في فرارهم ثم وصول الشرطة المدنية.

مدير الأخبار ايلي صليبا قدم الحدث في مطلع النشرة، واعتبره سبقا صحافيا، اذ لأول مرة في لبنان يصور فريق تلفزيون عملية سرقة في مراحلها الأخيرة، واتصل بي الشيخ بيار الضاهر الذي هنئني وبدأت أعمل في النشرة الإخبارية في القناة. الظريف في الأمر، حين عرض التقرير ظهرت صورتي في موجز النشرة بجوار صورة quot; الجواهرجيquot; المصاب، فظن الناس أنني السارق ومطلق النار!

* كنت تقدم برنامجين ناجحين على قناة إن. بي . إن هما (عكس السير) و(عليك الأمان) ولكن بعدها غبت عن الإعلام اللبناني، حتى عدت مع (قريب جدا) عبر (الحرة) ما السبب؟

سيستم الإعلام اللبناني لفظني، لطالما دافعت عن المجتمع المدني اللبناني، والإنسان الفرد، والمحطات اللبنانية يملكها سياسيون وهم يريدون الناس قطيعا وليس أفرادا وأنا ضد سياسة القطيع.

*هل استبعدت من NBN بسبب سياسي؟
لأسباب سياسية وثقافية،، ضع جانبا أني لا أقوم بالواجبات الاجتماعية تجاه مالكي أي محطة، فانا أول من استقبل في برامجه السياسية أكاديميين وأدباء كي يناقشوا المواضيع العامة، وفوجئت مؤخرا بأحد الزملاء في محطة لبنانية بارزة يزعم انه أول من استقبل أساتذة جامعيين في برامجه.

تخيل هذه الصفاقة، دفعت ثمن تحجيم نسبة سياسيين في برنامجي لصالح مثقفين وأدباء ليأتي زميل يزعم انه أول من فعل ذلك. ربما فعل هذا في السنوات الماضية، لكنني من (عبّد) له الطريق.

* عملت حلقة جميلة مع وليد جنبلاط؟
نعم كانت في برنامج عكس السير.

* سألته سؤالا محرجا تحت الفضاء عن السياسي اللبناني الشهيد انور الفطايري؟
في الواقع سألته أسئلة محرجة على الهواء وتحت الهواء لست أنا من سألته بل هو من علق تحت الهواء على سؤال كان أجاب عليه لأحد المتصلين. لكن أقول لك إن وليد جنبلاط هو من سألني أسئلة كثيرة تحت الهواء، تبدأ بسلالتي، ولا تنتهي في راتبي، وهذا جعلني أستنتج انه رجل عملي، لا يريد أن تكون هناك مجاملات خلال الاستراحات، بل أن تكون هناك معلومات و معرفة متبادلة وهذا بحد ذاته جيد.

*هل صحيح أن الحلقة تسببت بأن يستدعى إلى سوريا؟
لا أعرف، إن كان بسبب الحلقة. ولا أبالغ إن قلت انه كان في بيروت حالة منع تجول، ولكن طوعي، الكل كان يتابعه، ولم تكن هناك محطة تجرؤ على استضافته في تلك الفترة.

*بسبب هجومه على لحود؟
نعم، وفي عز صعود لحود وسيطرة الأجهزة الأمنية على البلد. فوجئت في اليوم التالي من الصحف أن الوزير جنبلاط وصل إلى سوريا، وبالتالي لا اعلم إن كانت الزيارة مخطط لها قبل الحلقة أم على إثرها.

*لماذا أوقف برنامج (ناس من ذهب) الذي قدمته في تلفزيون لبنان؟
السبب المباشر هو أنني قدمت حلقة عن الجسد استضفت فيها نضال أشقر وعبده وازن وداني بسترس، وشاب كشف لأول مرة انه مثلي الجنس، ولم نخف وجهه كما جرت العادة في البرامج، باعتبار المثلية عارا وعيبا لدى المجتمع المحافظ ورجال الدين. كنت فلتة شوط من خارج العفن السياسي، فكر بي جان كلود ( مدير تلفزيون لبنان) لانجاح التلفزيون، ثم تخلى عني عند أول تصريح لوزير الإعلام باسم السبع، باعتبار حلقة الجسد خدشت الذوق العام.

*هل تكره البرامج السياسية؟
لا، ناس من ذهب كان برنامجا سياسيا، ولكنني اشترطت على بولس ان يكون سياسيا اجتماعيا ثقافيا، ووافق. وأنا كنت أقارب السياسة من جهة الظواهر الاجتماعية والنفسية، مثلا حلقة عن الغياب، تحدثنا فيها عن الانتحار، الأمر الذي أزعج مرجعيات سياسية كما لو أن لبنان quot; المزدهرquot; اقتصاديا يستحيل أن يكون فيه منتحرون!، كما تحدثنا فيها عن المفقودين في الحرب، وهو الملف الذي لم تشأ الحكومة وسلطة الوصاية السورية على لبنان طرحه، وما زال حتى اليوم جرحا نازفا.

*تتذكر الحلقة الجريئة التي أجريتها مع الفنانة منى واصف في (بدون كرافات) على قناة (سيجما90)؟
بالطبع ..بعد هذه الحلقة كانت منى واصف تشرفني بمكتبي دون اتصال لأنها اعتبرت ربما هذه الحلقة علاجا تطهيريا لعلاقتها بمجتمع محافظ من خلال والدٍ قالت انه سكير ولكنه والدها وتحبه.

*لماذا أغلقت قناة سيجما 90؟
لأن الطبقة السياسية لم ترخص لمحطات الفئة الثانية أي غير السياسية وهكذا تحتكر الطبقة السياسية ومحطاتها الأربع أو الخمس، الحصص الإعلانية.

*ما الفرق بين موفق حرب في NBN والحرة؟
أظنه نفسه في المحطتين، هو بارع في تأسيس محطات. ويؤمن بالأفراد الذين معه ويعطيهم حريتهم للتحرك.

*عملت حلقة مع الجنرال عون في (قريب جدا) في منفاه في باريس؟ هل ضايقتك السلطات وأنت ذاهب إليه؟
وأنا ذاهب إلى باريس، طلبوا مني أن اخلع حذائي في المطار! خلعته لكني تشبثت بأسئلتي التي أرضى بعضها جمهور الجنرال، وبعضها الأخر كان نقديا كعادتي مع جميع الضيوف.

*هل صحيح أنه لم يقدم لكم ولا حتى فنجان قهوة؟
نحن عادة نحمل معنا القهوة والعصير والمياه، ولكن رغم ذلك قلت له: جنرال احد الزملاء في البرنامج احبك رغم انك لم تضفه شيئا، فكيف أحبك؟. هنا تلقف الجنرال سؤالي وقال: لم أضفه لأننا كنا في المنزل لوحدنا، وأحبني لأنه اكتشف حقيقتي دون وسيط.

*في قريب جداً، على قناة الحرة، ألا تشعر بأنك منحاز لأطراف على أخرى؟
إلى من تقصد؟
*العلمانيين مثلا، على حساب المتدينين؟
المتدينون لا، أنا نفسي لطالما كنت متدينا، وأعيش روحانية، ولو أن مصدرها قد يكون كتبا دينية، والأدب والفنون والطبيعة والتأمل قبل ذلك كله. أنا اطرح الأسئلة حول الإسلام السياسي، وأي فكر ديني متطرف مسيحيا أو يهوديا أو بوذيا، وأناقشها من منطلق ليبرالي.

*من هو الضيف الذي ندمت على استضافته؟
في الواقع لم اندم على ضيوف، وأريد أن أكون منصفا، فجميع الضيوف كانوا كرماء معي، وأتوا للبرنامج وهم مستعدون لحدتي والروح النقدية التي اطرح بها الأسئلة. لكنني ندمت على مبالغتي في النقد مع بعض الضيوف، مثل الفنان والصديق والحبيب الراحل منصور الرحباني. لم أحب نفسي في تلك الحلقة، وكان مأخذ منصور الرحباني أنني لم أعطه متسعا للإجابة، وكان محقا. كنت قريبا من مسرح الرحباني وأردت أن اطرح كل المواضيع، ما منعه حتى أن يقول رأيه بشكل واضح أحيانا.

*متى يبكي ضيوفك؟
بالنسبة لي يبكون حين يرتبكون، او حين ألاحق إجابة لم تقنعني، أما البكاء الحقيقي لتذكر والد رحل أو والدة، فإنني أتعاطف معه، ولا أستغله بمزيد من الأسئلة.

*ألا ترى أن شمولية برنامج quot;قريب جداquot; وتعاطيه مع مواضيع متعددة سياسا وثقافيا ودينيا قد يوجد نوعا من التشتت لدى المشاهد؟
لا تنس إنني حتى عندما استقبل ضيفا واحدا سواء شاعرا أو فنانا فإن المقاربة تكون ثقافية بمعنى أنني قد أتحدث مع منى واصف ودريد لحام في السياسة والأدب ومع سعيد عقل في علم النفس وفرويد وبيكاسو اللذين يكره، ومع عبدالله الغذامي في نزار قباني والعلمنة، وأول حب لتركي الحمد والمرأة والجنس وكيف يقبل زوجته. أما الحلقات التي تدور حول موضوع فإنني انطلق من تجربة الضيف الخاصة في هذا الموضوع.

*بحكم أن الحرة قناة يمولها الكونجرس الأميركي، هل تفرض عليك أجندة مواضيع بعينها لطرحها في البرنامج؟
بالطبع لا، مواضيعي أطرحها في برامجي كافة منذ 15 سنة، وهي أيضا مواضيع بعض قصائدي، كما أنها تطرح في الصحافة العربية والأدب العربي منذ نهايات القرن التاسع عشر مع النهضة الأدبية الأولى، وصولا إلى الصحافة العربية الليبرالية اليوم. أود لو أعرف ما هي المواضيع التي تطرحها (الحرة) ولا تطرح في المحطات الأخرى، الفارق هو مساحة الحرية التي تتسع في (قريب جدا) وسواه من البرامج.

*الإعلام اللبناني كيف تراه مقارنه بالإعلام العربي، وكيف تقيم نسبة الحرية الإعلامية في لبنان؟
خارج لبنان هناك إمكانيات أكبر للعمل. أما بالنسبة للحريات أظن انه سياسيا بسبب وجود موالاة ومعارضة هناك إمكانيات اكبر للتعبير ولكن ضمن ضوابط المشروعين الكبيرين في المنطقة، أما مهتم مثلي بالظواهر الاجتماعية، فمهتم بطرح المحرمات السياسية في الفكر العربي الإسلامي والمسيحي، فمكانه ضيق سواء داخل لبنان أو خارجه.

*تؤيد البرامج التي تسخر من السياسيين في لبنان؟
يقع تجاوز ليس لخطوط سياسية في هذه البرامج، فهي سلفا معروفة توجهاتها، التجاوز قد يكون في إهانه شخصية، أو تجاوز على الأشخاص، لكن مأخذي الحقيقي على هذه البرامج، إضافة لانحيازها الصارم للجهة السياسية التي تمول المحطة فإنها تفتقر إلى الكوميديا كفن، وحتى إلى الذوق إذا وضعناها ضمن مسرح القوالين وهو أدنى مستوى من كوميديا الموقف أو الكوميديا الساخرة.

*ما رأيك بالبرامج السياسية على الفضائيات العربية؟
البرامج السياسية في الأخير تبدو في معظمها تنفيسية، في ظل غياب المؤسسات السياسية القادرة على امتصاص النقد الذي يُعبر عنه في هذه البرامج، لكنها ليست مشكلة البرامج بقدر ماهي مشكلة الحياة السياسية وغياب الديمقراطية، لكأن عندنا كما يقول الرئيس الحص الكثير من الحرية والقليل من الديمقراطية.

جوزيف عيساوي

بدأت علاقة جوزيف عيساوي مع الإعلام، عبر الصحافة الثقافية في (النهار) و (النهار العربي والدولي) عام 1985م، وفي نفس العام أصدر مجلة شعرية تحت عنوانquot; الأخير أولاquot;، نشرت في ظل تقسيم بيروت قصائد لشعراء من كل لبنان احتجاجا على المليشيات ودعما لوحدة البلد إضافة إلى نشر القصائد الأولى لأبرز شعراء التسعينات. ترأس تحرير مجلة (لبنان 90) و رأس القسم الثقافي مدة عام لمجلة (الحسناء)، وكان مديرا لتحرير مجلة (فيروز).

أصدر 1992م مجموعته الشعرية الأولى (قصائد المنزل) عن دار الجديد، ثم (على سرير ينكسر) 1999م، (شاي لوقاحة الشاعر) 2004، و أخيرا (القديس إكس) 2008 عن دار النهضة العربية في بيروت.

على الشاشة الصغيرة أعد وقدم برامج سياسية وثقافية واجتماعية بدءا من 1995م : (بدون كرافات) على محطة سيجما 90 ، (كتاب) على أوربت الثانية، (ناس من ذهب) على تلفزيون لبنان، (عكس السير) و(عليك الأمان) في الإن بي إن، وأخيرا.. (قريب جدا) على شاشة الحرة في عامه السادس والذي يعتبر من أهم البرامج الثقافية في العالم العربي بناء على نسبة المشاهدة وشهادات النقاد والمثقفين.