برلين- ايلاف: في الوقت الذي يعيش فيه العالم كله الآن هوس الإنترنت، الإمبراطورية الأضخم في تاريخ الإنسانية، والتي تضم العالم كله باستثناء العراق، حيث يستطيع مواطن هذه الإمبراطورية الافتراضية أن يتجول فيها بحرية، فإنه على المستوى العربي والإسلامي يمكن القول أن الحركات والجماعات الأصولية كانت الأكثر حضوراً وتأثيراً واستفادة من آلياتها، فقد انتقل الأصوليون الإسلاميون من كل مكان إلى الإنترنت، وكانت البداية مع البريد الإليكتروني الذي سهل اتصالاتهم بعد أن كانت تخضع للرقابة عبر وسائل الاتصال التقليدية كالبريد العادي أو الهاتف أو حتى الفاكس. لتسير الأمور بعد ذلك في اتجاهين، دعائي وحركي على النحو الذي سنفصله لاحقاً.
ولعله مهماً أن نذكر في البداية عدداً من الحقائق كمقدمة لقراءة أساليب استخدام الحركات الأصولية الإسلامية لشبكة الإنترنت، وهي:
أولاً : وصل عدد مستخدمي الإنترنت في العالم أكثر من 500 مليون، يتزايدون بمعدل 150 مليون كل عام، بينما عدد مستخدمي الإنترنت في العالم العربي حوالي 3 ملايين، والمثير أن الإحصاءات الرسمية تشير إلى أن نسبة كبيرة من الإناث العربيات يستخدمن الإنترنت، لأسباب تتعلق بالتقاليد العربية، حيث تجد المرأة العربية في الشبكة نافذة لها على العالم، ومخرجاً من القيود المفروضة عليها.
ثانيا: في ظل الإلحاح على فكرة صراع الحضارات، يعتقد الأصوليون أن الإسلام يتعرض سواء على صعيد الواقع الحقيقي، أو الافتراضي (Virtual)، إلى حملة شرسة وتتزايد مشاعر العداء للإسلام باعتباره خطرا أيديولوجي خاصة بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) الماضي.
لذلك كان الجواب الطبيعي هو أن تقوم المنظمات الأصولية بإنشاء آلاف المواقع، بعضها احترافي، لكن لا تزال نسبة كبيرة منها تصمم بجهود فردية لهواة معظمهم مغتربين مقيمين في أوروبا وأميركا، وانعكس ذلك بشكل واضح على جودة ومحتويات المواقع، والحقيقة أنه لا توجد إحصاءات دقيقة لعدد المواقع الإسلامية ، فمن يقول 650 ألف موقع، وآخرون يقولون 750 ألف موقع، وهنا نتساءل هل هي كل موقع يتحدث عن الإسلام؟ وفي هذه الحالة تصبح هناك ملايين المواقع، أم أن المقصود هنا هي مواقع الحركات الإسلامية المتشددة؟
ولتوضيح حجم هذه المشكلة، فإننا حين نبحث في محرك بحث (غوغل) مثلاً عن كلمة "إسلام" سنجد آلاف المواقع بكل اللغات، ويقف المرء أمام كل هذا العدد حائراً، فهي قد تكون محطات إذاعية أو تلفزيونية أو مواقع للصحف والمجلات ودور النشر ومراكز للدراسات، لدرجة يمكن معها القول بأن العالم كله صار يتحدث عن الإسلام، وكل موقع جعل نفسه راعياً للإسلام.
وقد يظن البعض -&خاصة غير المسلمين&- أن غالبية المسلمين يعيشون في المنطقة العربية، وأن الشيوخ العرب هم المراجع الوحيدة للدين، لكنني اكتشفت أن الإسلام موجود بكل لغات العالم في الإنترنت أقلها العربية، كما أن 80 % من المسلمين يعيشون خارج المنطقة العربية وأن هناك مئات الشيوخ وطلبة العلم والمطبوعات الإسلامية وشرائط الكاسيت والفيديو واسطوانات كمبيوتر كلها عن الإسلام بغير العربية، ولا يعرف العرب عنها شيئاً.
من هنا نقول أنه يستحيل النظر إلى العالم الإسلامي باعتباره كتلة حضارية واحدة، فالمواقع الإسلامية التي تعكس فكر الشيعة، مختلفة عن تلك التي تعكس رؤية السنة، وتختلف تلك المواقع داخلها حسب الموقع التي تصدر منه من المنطقة العربية أو أميركا أو أوروبا وهكذا، بل أن المواقع الإسلامية السلفية يختلف كل منها عن الآخر باختلاف الدولة التي ترعاه فهذا يعكس الإسلام السلفي المتشدد، وذاك يعكس فلسفة شيوخ قطر الأقرب للإخوان، وآخر مختلف عن المواقع التي تصدر من باكستان، وأخرى مختلفة في إندونيسيا، وجنوب أفريقيا وهكذا.
وعموماً نستطيع أن نقسم المواقع الإسلامية في الإنترنت إلى قسمين، الأول تلك المواقع التي تبث من المنطقة العربية وموجهه إلى المسلمين في نفس المنطقة، والقسم الثاني تلك المواقع التي تصدر عن المسلمين في أوروبا وأميركا وموجهه إليهم.
القسم الأول: المواقع التي تصدر من المنطقة العربية والإسلامية المحيطة أو خارجها ولكنها موجهه إلى المسلمين في نفس المنطقة، ورغم ادعاءات تلك المواقع بأنها موجهه للمسلمين في العالم كله، فإن أول ما نلاحظه في تلك المواقع أن كلاً منها يعبر عن سياسة بلد معين، ويمكن القول أن 70% من تلك المواقع ذات اتجاهات فكرية تتبع المدرسة السلفية التقليدية، التي نقلت للشبكة كل أمراض الظاهرة الإسلامية، وبينما لا نقرأ في هذه المواقع كلمة عن محاسبة لحكام الفاسدين، بل العكس هناك فتاوى تؤكد على طاعة الحكام، لأن مخالفتهم مخالفة لله تعالى، وتسود المواقع فتاوى وأحاديث الشيوخ الذين أفرزتهم المدرسة السلفية، وهم أصحاب مصلحة سياسية في تفسيراتهم لتغييب العقول، وهدر الجهد والوقت في أمور سخيفة مثل الزواج من الجن والمس الشيطاني، وغيرها من الغيبيات المرتبطة بالقمع الاجتماعي.
وتتسم تلك المواقع بأنها تشجع التطرف وعزل المرأة وكراهية التفكير العلمي وتضخيم روح القبيلة لخدمة أهداف سياسية، وتنشر الأفكار المسطحة والانفصام بين الخطاب المعلن والعمل.
النوع الثاني: من المواقع في هذا التقسيم يدار من خارج المنطقة العربية، وموجه للمسلمين في المنطقة منها مثلا موقع مخصص لفتاوى الشيخ ابن باز أبرز رموز الإسلام السلفي ومواقع هذا النوع لأصوليين خرجوا من المنطقة العربية لأسباب سياسية، وهم يمثلون الإسلام السياسي، وتمتلئ مواقعهم بالصخب والتهديد والتكفير ويعيشون في أوروبا وأميركا وكندا واستراليا، ولهم نفس الفتاوى المنشرة في المنطقة العربية وتمثل مواقعهم التطرف الديني، مثل موقع مجلة نداء الإسلام عنوانه: www.islam/au.org بالعربية والإنجليزية، وتبث من سيدني بأستراليا برعاية حركة الشباب الإسلامي.
والملاحظ أن المتابع لهذه المواقع لا يدري إلى أين يتجه المسلمون فكل فئة لديها شيوخها المعتمدون ومجاهدوها المعتبرون، وكلُ يعلن أنه يمسك بتلابيب الحقيقة المطلقة، ويتهم الآخرين بالكفر، ولا يحدث ذلك في الدول العربية فقط ، بل بين مسلمي العالم كافة.
وأخيراً هناك مواقع موجهة للمسلمين في أميركا وأوروبا:
وأول ما نلاحظه كثرة المواقع التي يغلب عليها الصفة الأكاديمية، وهي تصدر عن جامعات كبيرة مثل اكسفورد وبيركلي وكورنيل وغيرها من الجامعات العالمية، وتتحدث لغات العالم المختلفة أغلبها بالإنكليزية، وهي غنية بالكتب والدراسات الإسلامية، ومعلومات أكاديمية هائلة عن الإسلام، فمثلا في موقع جامعة كورنيل:
www.cornell.library.edu وتحت عنوان الشرق الأوسط والدراسات الإسلامية روابط لمواقع إسلامية، ومنه مثلا موقع الدراسات الدولية بجامعة كاليفورنيا، نجد فيه عدداً كبيراً من عناوين الكتب والمراجع، بعضها يحتاج إذن دخول، والآخر متاح لكل واحد، فيها تقرأ أسماء كثيرة لمؤلفين أجانب في إسلاميات لم يسمع بهم أحد في المنطقة العربية.
&
جهاد إليكتروني
ونعود إلى الأصوليين الذين أسسوا قبل غيرهم مواقع حوار عربية تحقق عدة أهداف في نفس الوقت، فهي تجمع أعدادا هائلة من مستخدمي الشبكة، فتوفر قاعدة من المستهدفين لضمهم إلى المنظمات الأصولية، بينما لم تفكر حكومة أو جامعة عربية واحدة في تصميم موقع لمواجهة هذا الطوفان الأصولي، ومثلاً هناك موقع "الساحة العربية"، وقد صمم بطريقة جيدة وحظي بدعاية جعلته معروفاً خلال شهور قليلة، وبدأ الموقع يمتلئ بالأصوليين الذين أشعلوا معارك ضارية، استخدموا فيها الإرهاب الفكري ووصل إلى حد ترويج كتب عن استخدام الأسلحة والتحريض على الحكومات والمسيحيين واليهود والغرب وكل من ليس أصوليا.
وليست "الساحة العربية" هي الموقع الوحيد للحوار باللغة العربية فهناك شبكة "الجارح" ، و"الجلسة"، و"سوالف" وشبكة "سحاب" وتسيطر عليها جميعا الحركات الأصولية، حتى لو كان أصحاب هذه المواقع الحوارية لا ينتمون لتلك الحركات، وهذا يطرح سؤالاً عن الأساليب التي تتبعها تلك الجماعات وعناصرها للسيطرة على تلك المواقع.
ومن خلال اهتمامي بمتابعة قضية الإسلام السياسي، تابعت تلك المواقع الحوارية عدة سنوات، والتي ما أن تبدأ في العمل حتى يأتي إليها عدد كبير من الأصوليين الذين تجمعهم اتصالات سابقة، ويجري بينهم تنسيق واضح من خلال البريد الإليكتروني، أو الماسينغر أو برنامج ICQ حيث يدعون بعضهم لزيارة الموقع، وهكذا تتزايد أعدادهم، ومن الممكن أيضاً أن يسجل بعضهم بعدة أسماء مستعارة في الوقت نفسه ليشكلوا في النهاية ما يمكن وصفه بجماعة ضغط ليس على الزوار وحدهم بل على المسئولين عن الموقع ذاته.
أمر آخر سجلته، وهي أن قطاعاً كبيراً من هؤلاء الأصوليين قد أصبحت لديهم بحكم عملهم المتواصل على أجهزة الكمبيوتر خبرات لا يستهان بها في التعامل مع الشبكات، خاصة في ما يتعلق بأنشطة القرصنة على المواقع والتلصص والتخريب أيضاً ، وهو الأمر الذي يتضح في الموضوعات التي يثيرونها في هذه المواقع بدءاً من ترويج برامج التجسس وانتهاء ببرمجيات Cracks وهي قرصنة إجرامية محظورة في كل دول العالم.
&
طريق الأصولية السريع
نعود إلى أبرز المواقع التي أقامتها حركات ومنظمات أصولية عبر إنترنت، ويأتي في مقدمة هذه المواقع ذلك الموقع الكبير الذي يبث من العاصمة البريطانية لندن والمعروف بـ"إسلام غيت واي" ويتم تحديثه يومياً وربما عدة مرات في اليوم الواحد ويعتبر المظلة الفكرية والتقنية أيضاً التي تجمع تحتها كافة المنظمات والجماعات الأصولية خاصة تلك العاملة منها في العاصمة البريطانية، وينشر ذلك المواقع موضوعات ومقالات حول القضايا التي تهم الحركات الأصولية، فضلاً عن شئون الشرق الأوسط والعالم الإسلامي.
وتناول "إسلام جيت واي" بالتفصيل قضايا حركة طالبان والموقف الأفغاني بصفة عامة، هذا بالإضافة لأحدث أخبار أسامة بن لادن ومقابلاته الصحفية وسيرته الذاتية، وهناك موضع خاص بأنشطة الحركات الأصولية في بلدان شرق آسيا مثل حركة مورو الفلبينية، والحركة الإسلامية في كشمير، وحركة الجهاد المصرية، وللموقع روابط فرعية مرتبطة به مثل موقع "الإمارة الإسلامية" و"مركز البحوث"، لكن قطعت تلك الروابط بعد أحداث 11 أيلول(سبتمبر).
ومن "غيت واي" لموقع "المهاجرون" الناطق باسم حركة أصولية تحمل نفس الاسم، ويقودها عمر بكري، وهي فرع من حركة أصولية معروفة هي "حزب التحرير الإسلامي"، وفي هذا الموقع يمكن الحصول على نسخ مجانية من مطبوعات الحزب وحركة "المهاجرون" ، مثل كتاب (نظام الحكم في الإسلام) أو "الخلافة" أو "المفاهيم والشخصية ونظام الحكم" وغيرها.
&
الإخوان وحماس
ونأتي لمواقع الحركة الأصولية الأم في العالم كله، وهي جماعة "الإخوان المسلمون" التي تبث عشرات المواقع بعدة لغات، فالإخوان في مصر لهم موقع، وفي سوريا لهم موقع آخر، وفي الكويت والأردن والولايات المتحدة وبريطانيا، هذا فضلاً عن الموقع الخاص بالتنظيم الدولي للإخوان الذي يبث موقعه بالعربية والإنكليزية، وبصورة تناسب حجم هذه الجماعة، والملاحظ في كافة مواقع (الإخوان المسلمون) أنها تضم مادة مشتركة شبه موحدة وهي: (شعار الجماعة المكون من المصحف والسيف، الإخوان في سطور، سبيلنا، واجبات الأخ العامل، غايتنا، الرسائل "في إشارة لرسائل الشيخ حسن البنا مؤسس الجماعة"، بيانات ومواقف، ثم المكتبة الاخوانية التي تضم مؤلفات أشهر شيوخ وكتاب الجماعة).
وتقدم مواقع (الإخوان المسلمون) خدمات الدعم التقني دون اللجوء لوسائل إجرامية كوضع برامج القرصنة والتجسس كما تفعل الجماعات الأصولية الراديكالية والواضح أن الإخوان يسعون للتصرف بشكل مسؤول كجماعة لها تاريخ طويل في العمل السياسي، ولديها خبرات وكوادر تنظيمية وفكرية تفتقد إليها الجماعات الأصولية التي تدعو صراحة للعنف والإرهاب.
ومن الإخوان لحركة "حماس" الفلسطينية التي تعتبر الجناح العسكري للإخوان، ولا يحمل موقعها اسم حماس بل يعرف بالمركز الإعلامي الفلسطيني، وبه ملفات عن القدس التاريخ والجغرافيا والسكان والصور، وهو وثيقة بذل فيها جهد واضح، وجميع هذه الملفات موثقة بالأسماء والتواريخ والصور والإحصائيات والشهادات التاريخية وغيرها، كما يعرض موقع حماس العمليات التي نفذها جناحها العسكري كتائب "عز الدين القسام"، وتضع سجلاً لتلك العمليات، كما تبث نشرة إخبارية يومية وبيانات صحفية تعقيباً على الأحداث داخل فلسطين أو إسرائيل، وأضافت الحركة لموقعها قسماً لسجناء الحركة لدى السلطة الفلسطينية وإسرائيل.
&
"المرابطون" على الشبكة
ومن فلسطين إلى الولايات المتحدة حيث "الجماعة الإسلامية" المصرية موقعها الشهير باسم "المرابطون"، وهو موقع مصمم بصورة تقنية ممتازة، مما يشير إلى تكاتف جهود فريق من المتخصصين لتنفيذه، ويضم تعريفاً بالجماعة وتاريخها ونشأتها وأسماء أبرز قادتها، وأفردت مؤخراً قسماً خاصاً للشيخ عمر عبد الرحمن المرشد الروحي للجماعة، وبه بعض مؤلفاته وسيرته الذاتية، ثم يخصص الموقع أقساماً لمؤلفات أعضاء الجماعة التي اغتالت الرئيس المصري الراحل أنور السادات، وكتاب "ميثاق العمل الإسلامي" الذي يعد دستور الجماعة.
وهناك قسم آخر بالموقع للصوتيات والمرئيات ، وبه عدد من التسجيلات الصوتية ، وملفات الفيديو، والملاحظ هنا أن هذا القسم الخاص بأشرطة الكاسيت يعد قاسماً مشتركاً بين مختلف مواقع الحركات الأصولية الراديكالية، إذ يعولون كثيراً في أنشطتهم الدعائية على الثقافة السمعية، والخطب والدروس التي تعتمد على الإلقاء المباشر المؤثر.
&
طالبان في أميركا
ومن موقع "الجماعة الإسلامية" المصرية، لموقع "الجماعة الإسلامية" الجزائرية المسلحة "الجيا"، وهو موقع بدأ متواضعاً وتم تطويره مؤخراً، وهو كما يبدو نتاج جهد فردي لأحد أعضاء الجماعة أو المتعاطفين معها، على العكس من موقع اصولي جزائري آخر هو "صوت الجبهة " الناطق باسم " الجبهة الاسلامية للانقاذ" في الجزائر، الذي تم تصميمه بصورة جيدة ويحتوي على مقالات ومطبوعات وبيانات الجبهة أو السيرة الذاتية لقادتها، فضلاً عن تعليقات على الأحداث الجارية في الجزائر من وجهة نظر جبهة الإنقاذ بالطبع.
ثم نأتي لموقع حركة "طالبان" الأفغانية، (الإمارة) وهو موقع جيد تقنياً عكس ما قد يتصور البعض، إذ صمم بأكمله بأحدث أساليب التصميم والنشر الإليكتروني، ويتضمن معلومات دعائية عن الحركة ونشأتها وتوجهاتها الفكرية والسياسية ، كما يضم روابط لقائد الحركة الملا محمد عمر الذي يلقب بـ "أمير المؤمنين"، وكذا يضم الموقع موقعاً فرعياً لأسامة بن لادن يضم سيرته الذاتية وصوراً نادرة له، ونصوص مقابلاته الصحفية، وليس ذلك هو الموقع الوحيد لابن لادن على الشبكة، فهناك عدد كبير لا يمكن حصره بشكل دقيق لمواقع تتحدث عنه أو ضده بعضها صممه ونشره أتباعه والمتعاطفون معه، وبعضها أضافته حركات أصولية كموقع فرعي من موقعها الأساسي، هذا فضلاً عن صفحات أضافتها مراكز للدراسات والبحوث المعنية بدراسة الحركات الأصولية، وباختصار فهو نجم الدعاية الأصولية عبر إنترنت بما لا يقل عن نجوميته الإعلامية عبر الوسائل التقليدية أيضاً، وهناك مئات المعارك والحوارات في ساحات الحوار العربية بين أنصار التيار الأصولي وأعدائه ، أو حتى داخل الوسط الأصولي ذاته ، بين من يراه بطلاً ومن يؤكد أنه إرهابي قاتل.
ومن طالبان إلى باكستان حيث نجد موقعاً ضخماً لواحدة من أكبر الحركات الأصولية في العالم الإسلامي وهي "الجماعة الإسلامية" في باكستان ، ويبث بأكثر من لغة ليست من بينها العربية التي يعلنون أن في مخططهم ترجمة الموقع إليها، ويضم هذا الموقع كمية كبيرة من الكتب والنشرات والملفات الصوتية والمرئية وحتى برامج الكمبيوتر، وإن كانت تستخدم لهجة أقل حدة من الجماعات الإسلامية الأخرى المصرية أو الجزائرية، إلا أنها تتفق معها في المسائل الفكرية مع تأثر واضح باللغة الإخوان المسلمين.
&
حزب الله
ومن آسيا وحركاتها الأصولية السنية، نتجه إلى جنوب لبنان حيث موقع "حزب الله" الشيعي الذي صمم بأكثر من لغة، ويضم مواد مختلفة كثيراً سواء في مضمونها الفكري أو أسلوب عرضها عن تلك التي تحتويها المواقع الأصولية السنية، ففيه إلى جانب السير الذاتية للشيخ حسين فضل الله، وأمين عام الحزب حسن نصر الله، والإمام الخوميني والسيد خامنئي، نجد نشرات موجهة للإعلام متضمنة تفصيلات العمليات التي قام بها الحزب ضد الجيش الإسرائيلي.
ويقودنا موقع "حزب الله" لعدد هائل من المواقع الشيعية الأخرى والملاحظ أنها جميعاً تنطلق من مفاهيم فكرية متقاربة، فهي تعتمد المرجعيات الشيعية التقليدية، لهذا فهي أقرب للمواقع التعليمية منها إلى الصفحات الراديكالية التحريضية، باستثناء بعض الحركات المعارضة التي تنتهج خطاً سياسياً أكثر مما تنتهج الخط الفقهي الشيعي وإن أسست خطابها الفكري عليه.
وأخيراً فهناك عدد لا يمكن حصره من المواقع والصفحات الإليكترونية الشخصية لأفراد محسوبين على التيار الأصولي، وليس لجماعات أو منظمات أصولية ، ومن بين أشهر تلك الصفحات الشخصية مواقع النور وشمس الإسلام وطريق الإسلام وغرباء وغيرها. وإن كان الملاحظ أن كثيراً من هذه المواقع تختفي في ظل ملابسات غامضة، ثم لا تلبث أن تعود للظهور مجدداًً بثوب جديد، وربما اسم جديد، لكن الشئ الوحيد الذي لا يتغير هو مضمون وخطاب هذه المواقع، كأن العالم توقف عند هذه اللحظة التاريخية لا يراوحها.
* الترجمة العربية لملخص محاضرة يلقيها الزميل د. نبيل شرف الدين، المحرر السياسي لـ "إيلاف"، في مركز دراسات الشرق المعاصر بجامعة برلين في ألمانيا، الأسبوع المقبل.