شكراً لأعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي الذين رغم كبر أعمارهم ومعاناة معظمهم من تصلب الشرايين لعبوا مكان فريقنا الوطني لكرة القدم وحققوا هدفاً نظيفاً أو غير نظيف وحد العراقيين على حب العراق!
الجماهير التي خرجت وهللت لانتصار فريق العراق الوطني لكرة القدم هي التي في بيوتها ودون أن تخرج حزنت بصدق من أجل وحدة العراق!


وبينما لم يخرج القادة السياسيون الدينيون الطائفيون والقوميون قبل أسابيع ليشاركوا جماهير العراقيين فرحتهم بالهدف الكروي الوحيد الكبير الذي وحد العراقيين خرج هؤلاء القادة الأشاوس اليوم لاهتزاز الشباك في أمريكا مهللين مكبرين لوحدة العراق غير مصدقين أنهم يحبون العراق وشعب العراق إلى هذا الحد!
كانت الهبة واحدة لكن ثمة فرق واحد، وهو أن جماهير العراقيين وهم يعبرون عن فرحتهم بالدموع وبهتافهم، (أخوان سنة وشيعة وهذا الوطن منبيعة) كانوا صادقين وكانت دموعهم تنبع من قلوبهم، أما القادة الذين خرجوا على الناس هذه الأيام كل منهم يزايد على الآخر في حب العراق فكانوا يكذبون ودموعهم لم تكن أنظف من دموع التماسيح!


إنهم في الحقيقة فرحون كل منهم ينشر في مخيلته بيارق نصره على عدوه الطائفي والقومي وكل منهم يجري حساباته متى سيأخذ هبرته من الثور العراقي وينعزل كالأسد الهصور ليأكلها لوحده بعيداً عن الأنظار!
وكل منهم يريد التهرب من الإجابة على السؤال الأساسي: من هو الذي قسم العراق؟ ومن الذي تحدث عن البيت الشيعي المظلوم، والبيت السني الظالم، وعن كردستان الثائرة البطلة، وكركوك قدس الأقداس؟ وحتى إذا كان الأمريكيون قد لقنوهم هذه الدروس فما كان عليهم أن يرددوها، فما هم ببغاوات!


ترى هل أن جبهة التوافق تمثل أهل النجف والناصرية والعمارة وكربلاء؟
وهل أن جبهة الشمعة التي قاربت على الانطفاء تمثل أهل الموصل والأنبار وتكريت؟ وهل جبهة الأحزاب الكردية تمثل أهل البصرة وديالى والرمادي؟ هل يستطيع طبيب أو مهندس أو تاجر من أهل الناصرية أن يعمل في الرمادي أو الموصل؟ هل يستطيع طبيب أو مهندس أو تاجر من أهل الموصل أو الرمادي أن يعمل في النجف أو كربلاء؟


بالطبع لا، بينما يستطيع الإيراني أن يعمل في النجف وكربلاء، والسعودي والسوري يستطيع أن يعمل في الرمادي والموصل، والكردي القادم من تركيا أو إيران يستطيع العمل في أربيل والسليمانية!
إذاً قادة العراق اليوم لا يمثلون العراق الواحد إنما العراق المقسم المتباعد المتناحر الذي لو ترك على هذا الحال فسيؤول لحرب أهلية تطحنه لتذروه الرياح!


لقد أضعف هؤلاء القادة المشحونون بطائفيتهم وعنصريتهم حد التورم العراق وجعلوه يحتضر، وهم ليسوا فقط لم يخدموا العراق كوطن للجميع، بل هم لم يخدموا حتى طوائفهم وقومياتهم، فبدلاً من أن يمنحوها وطناً له تاريخه العريق وروحه النادرة التي تملأ أبناءه بالعزة والشموخ ارتضوا لطوائفهم وقومياتهم كسرة وطن يمارسون عليها شهواتهم في جمع الثروات والتحكم في الرقاب! لم يأت مجلس الشيوخ الأمريكي بجديد، وكرته التي هزت الشباك ليست إلا خلباً، وهي لا تخيف بقدر ما تخيف هذه النفوس المريضة التي لم تستلم زمام حكم العراق وأهله لولا استعمالها الدين والطائفة والقومية!فهي ماضية لتقسيمه سواء مع أو بدون القرار الأمريكي أو الإسرائيلي أو الإيراني أو التركي أو السعودي أو السوري! وقادة الكرد منذ زمن طويل تحصنوا ببدعة الرعاية الاستثنائية والخاصة وصاروا مواطنين من الدرجة الأولى والممتازة، بينما ملايين العراقيين فقدوا حق المواطنة! وقادة الكرد هذه الأيام دفعوا الكرد نساءً ورجالاً إلى الشوارع لأداء الرقصات والدبكات وأخذوا بتوزيع التعويضات بشكل محموم للعرب المقيمين في كركوك وإجلائهم كأجانب إلى الأراضي العراقية المجاورة!


الشيوخ الأمريكيون كعقول غربية مدربة على العلم والموضوعية سموا الأشياء بأسمائها فقالوا لهؤلاء القادة أنتم لم تحبوا وطنكم، أنتم تحبون أنفسكم وعوائلكم فقط، أنتم غير جديرين بوطن هو مهد الحضارات وهو ينبوع الفلسفات والرسالات، وهو أغنى بلدان الدنيا وأخطرها موقعاً، لذا فقد مزقتموه وجعلتم العيش بين أبنائه جميعاً مستحيلاً وخطراً على المنطقة والعالم وهاهم اللاجئون العراقيون يزاحمون مواطني الدول الأخرى في عيشهم وسكنهم والأفضل أن يزاحموكم في قصوركم وعسلكم وخمركم!


لذا لا مناص من الفراق حتى تعرفوا قيمة العراق وتعودوا إليه صاغرين تائبين!
أما قادة العراق فهم كعقول عربية إسلامية شرقية فقد اعتادوا تسمية الأشياء بغير أسمائها، فهم يسمون الأعمى بالبصير، والمرأة حرمة، والمرحاض بيت الأدب، لذلك فهم يسمون تمزيقهم العراق وتفكيكه بنضال حقوق وعدل ووحدة وطنية، والإرهاب جهاد ومقاومة، وفرحتهم بهذا القرار بالحزن وبخيبة الأمل، وهم يعلنون الحداد لكنهم في أعماقهم يهللون ويرقصون ويشربون الأنخاب على الطريقة الإسلامية!حزنهم الحقيقي الوحيد هو أن القرار غير ملزم، كان ذلك بالطبع سيوفر عليهم جهوداً كثيرة ومع ذلك فثمة من يقول أن خطوط الهاتف النقال من العراق قد شغلت هواتف أعضاء الكونغرس وكلها تسأل متى تنفذون؟ والكل يعد نفسه ليكون رئيساً لإحدى جمهوريات العراق الثلاث ويبحث عن تسمية لهذه المواليد الثلاث التي لا يعرف أيها الذكر وأيها الأنثى وكيف إن العراق غريب الأطوار فهو يظل خصباً حتى حين يلد وهو يموت!

إبراهيم أحمد