الدكتور يحيي مسيحي مصري صعيدي جدع وجراح أعصاب علي أعلي مستوي وصديق أعتز بصداقته وأئتمنه علي حياتي.. وفي كل ضائقة أو أزمة صحية لأي من زملائه المصريين هو دائما موجود مستعد لتقديم يد المساعدة بشهامة المصري الصعيدي الذي لا يعرف النفاق أواللوع بالعامية المصري..
لماذا هذه المقدمه.. لأنها تشرح عنوان المقال.. فكما هو المتوقع و الطبيعي بين مجموعة من الأصدقاء يقضون معا الأوقات الطويلة خارج ساعات العمل أن يمتد النقاش بينهم الي شئون مصر سياسيا وثقافيا ودينيا.. وفي إحدي هذه المرات سألني الدكتور يحيي سؤالا مفاجئا: تفتكر من وجهة نظر الاسلام يا عمرو...أنا هاخش الجنة ولا النار؟..


وبعد قليل من التفكير...قلت له بصراحة يا يحيي مش عارف.. لأن الجنة والنار هي بيد الله.. ولكن ماتعلمناه..أن من لايشهد أن لا إله إلا الله ومحمد رسول الله... قد يدخل النار..وبصراحة أيضا اعرف أنه عندكم كمسيحيين تعتقدون أن المسلم قد يدخل النار.. وليه السؤال بس يا يحيي.. ما نخلي الموضوع مفاجأة لكلانا.. وهنا كانت المفاجأة التي فجرها يحيي..


فقال: طب إيه رأيك يا عمرو نتفق علي اتفاق.. سواء دخلت انت الجنة ولا أنا الجنة..أو دخلت انت النار ولا انا النار...نبقي نتزاور.. وانتهي النقاش وسط مجموعة الأصدقاء المصريين الذين حباهم الله بهبة إلهية وهي الدم الخفيف والتسامح بالضحك...وتحول سؤال كان من الممكن أن يوتر العلاقة بين مجموعة من الأصدقاء الي سؤال قرب بينهم أكثر..


هذه هي مصر وهؤلاء هم المصريون..
يحيي صعيدي مصري وبهاء صعيدي مصري.. وكلاهما جراح ماهر أحدهما جراح أعصاب والآخر جراح عظام..وكلاهما به كل ميزات الصعيدي المصري من شهامة وجدعنة وشجاعة ونشفان دماغ أحيانا و الأهم الاعتزاز بالكرامة المصرية.. وأهم ما يميزهما هو شدة التشابه بينهما حتي أنني كنت أطلق عليهما من باب المداعبة اسمي احمس وتحتمس.. عملنا نحن الثلاثة في مستشفي واحد في الغربة.. ماكان يجمعنا هو مصريتنا... نفس العادات ونفس اللغة ونفس الهوايات من حب لأنواع معينة من الطعام وحب السهر والضحك والتنكيت.. لم يفكر أي منا هل هو مسلم أو مسيحي إلا عندما يأتي وقت الصلاة.. ولم يزعجنا إطلاقا أن يحيي يضع صورة العذراء في منزله ولم تزعجه آيات القرآن الكريم المعلقة علي حوائط منازلنا..


هذه هي مصر وهؤلاء هم المصريون..
واستكمالا لموضوع الدكتور يحيي الذي أعتبره أنقي قلب قابلته في حياتي.. في أزمة صحية لي أجري لي فيها عملية جراحية وقف فيها بجانبي مثل أخي الشقيق وأهدي لي جهاز تسجيل وأنا في المستشفي لاسمع عليه القرآن والموسيقي الكلاسيكية التي أحبها..وكما هو متوقع فأن أكثر ما كان يسمع عليه هو القرآن الكريم في المستشفي وبعد خروجي منه فزوجتي كانت تنقله من غرفة لأخري وحتي في المطبخ لسماع تلاوة القرآن بصوت الشيخ مشاري بين راشد العفاسي وهو ماكنت دائما أمازح به الدكتور يحيي.. كما كان دائما يمازحني أن الله وقف بجانبي أثناء هذه الأزمة الصحية لأنه كان يدعو لي في الكنيسة.. وكنت أشكره من كل قلبي.. لأنني كنت فعلا أحتاج لدعوات الجميع..


هذه هي مصر وهؤلاء هم المصريين..عمرو اسماعيل ويحيي مرقص.. هو أقرب اصدقائي الي قلبي وأعتقد أنني كذلك بالنسبة له.. لا يهمني إطلاقا ما يقوله متطرفونا عن المسيحيين ولا يهمه هو إطلاقا ما يقوله متطرفي الجانب الآخر عن المسلمين.. هو بالنسبة لي مصري أصيل به كل جدعنة وشهامة وخفة دم المصري.. هو حر تماما فيما يعتقد..كما أنا حر تماما فيما اعتقد.. وكلانا يحترم حق الآخر وحريته في العقيدة.. المهم هو التعامل الأخلاقي واحترام الخصوصية وتقديم يد المساعدة عند الحاجة..المصري بعبقريته يقول دائما..قدم السبت تلاقي الحد.. عندما يحترم المسلم حق أخيه المسيحي في الوطن..سيحترم المسيحي حق أخيه المسلم..والأغلبية دائما عندها مسئولية أكبر من الأقليه..رغم أنني أومن تماما أنه في مصر يجب ألا تكون هناك أغلبية وأقليه علي أساس ديني أو عرقي..


وإلي الدكتور يحيي مرقص.. أقول.. ستظل دائما بالنسبة لي صديق وأخ وسنظل نتزاور دائما.. وإن شاء الله سيجمعنا الله في جنته في الحياة الآخرة.. لأننا عندها سنكون بين يدي أرحم الرحمين.. الذي علمنا المحبة.. وأنت هذا الانسان المحب السباق للخير..
وهذه هي مصر والمصريين.. سيظل عمرو اسماعيل ويحيي مرقص أصدقاءو إخوة في الوطن رغم أنف أي متعصب من أي ملة ودين..


عمرو اسماعيل