-1-
بدءا ..نقرّ ولا شك بالحق الطبيعي لأي امة بتقرير المصير على ارضها التاريخية ، بحدود ما يتفق عليه الشركاء الأحرار ، عبر مباحثات جدية متأنية تتم بحضور المجتمع الدولي ممثلا بأممه المتحدة ، وبحضور الجيران والتوافق معهم وأخذ آرائهم بالإعتبار ، إذ لا يمكنك بناء بيت أو تكوين وطن دون التوافق مع جيران هذا الوطن الوليد ..!
عليه .. للأخوة الأكراد كما اي امة اخرى هذا الحق .
لكن .. اين هم الشركاء الأحرار اصلا ؟
هل عرب العراق أو كرده أو تركمانه أو آشورييه وكلدانه ، احرارٌ اليوم ليتوافقوا على تقسيم ارضهم بينهم ؟
هل إرادة العراقيين حُرة وهم واقعون تحت مطرقة الأمريكان وسندان الإيرانيين والأتراك والعرب ؟
بالتأكيد كلا ..!
وما ينطبق على تقرير المصير ، ينطبق على كل إجراءات الإحتلال الأخرى ..!
الدستور ، الحكومات المتعاقبة ، التقسيمات الإدارية ، شرعية الحكومة والنظام السياسي القائم ..!
كل ما نتج عن الإحتلال باطل غاية البطلان حيث الإرادة العراقية الحقة غائبة بالكامل .
الحكومة التي لا يجرؤ رئيس وزراءها على تحريك فصيل من فصائل ميليشياته إلا بموافقة السفير الأمريكي ، لا يمكن أن تعتبره رئيس وزراء شرعي لبلد حر مستقل .
وإذا كان تحريك ثلة من الميليشيات يتم عبر توقيع السفير الأمريكي ، هل يصح أن يعتبر الدستور والإنتخابات وكل ما تمخض عن الإحتلال شرعيا ؟؟
بالتأكيد كلا ... والف كلا ..!


-2-
ولكن من خرجوا للإنتخابات ، خرجوا بإرادة حرّة ، وحتى مؤثرات مراجعهم وزعمائهم ، مؤثرات هي بالمحصلة عراقية وليست اجنبية ..!
ظاهريا ..يمكن أن يكون هذا صحيحا ، لكن واقع الحال غير هذا ..!
العراق واقع تحت مطرقة إحتلال عسكري اجنبي واسع النطاق ، متنوع الجهات والأغراض ، وأبرزهما امريكا وإيران ، وهذان ذاتهما من جلبا إلى الساحة ( كردّ فعل طبيعي ) ، القاعدة والإرهابيين العرب مضافا لقوى مخابراتية عالمية متنوعة .
حضور هؤلاء جميعا ، الأمريكان ..الإيرانيون ..العرب ..الأتراك .. الإسرائيليون ووو ، كان له ثقله في كل ما حصل ، صغيرهُ وكبيره ..!
الدستور ، الإنتخابات ، بقية الإجراءات ..!
أجندات الآخرين ..برامجهم ، صداقاتهم وعداواتهم العالمية والإقليمية ، مصالحهم القومية .. جميع هذا كان وراء تلك الديموقراطية الزائفة العليلة وما تفتق عنها من خيارات وتقسيمات وصراعات وشعارات وعناوين ..!
ليخرج المحتل اولا ، وليأخذ معه شركات الحماية والمرتزقة والجواسيس والإيرانيين وعمائم الخارج ، وساعتها يمكن لعمائم الداخل أن تقرر ما تريد وما يناسب مصالحها وإحتياجاتها الحقّة .
أن تقسّم بلدها بينها على اساس عرقي وطائفي أو أن تحافظ على وحدتها وعراقها الموحد .
ويبقى للصديق والجار أن يحضر لخيمة إجتماعنا من الباب لا من شباك الإحتلال والوصاية .


-3-
الإنتماء الوطني لا يمكن أن يفرض فرضا ..!
إنه شعور عاطفي ومُعطى عقلي وإجتماعي ، يقوم على الإرادة الحرّة ، إرادة الأفراد كما والإرادة الجمعية للأمم والشعوب ..!
وإذا كان إجتماع عرب العراق وبقية اعراقه على تلك الهوية الوطنية التاريخية العريقة ، إجتماع له جذوره التاريخية القديمة قدم الدهر ، فإنه في الحالة الكردية ، يختلف كل الإختلاف ..!
الناس الطيبون كانوا منذ البدء يتوقون للإستقلال العُرقي في ما هو تحت اقدامهم من اراض .
وإذا كان لبلد لا يزيد سكانه الأصليين عن النصف مليون كالكويت مثلا ، الحق في إقامة دولته الحرّة المستقلة ، فمن المُنكر أن لا يكون للأكراد بملايينهم الهائلة ، مثل هذا الحق .
لكن .. ليس بقرار من الكونغرس الأمريكي ولا في ظل حضور حوامات (وهمرات ) وشركات الحماية والمخابرات الإيرانية والإسرائيلية ..!
ليس بهذا ، وإلا فهو إبتزاز ، لصوصية ، سرقة من مال عام لشعب متعدد الأعراق إسمه العراق ، في ظل ظرف غير طبيعي يعيشه الشعب والبلد والإقليم برمته ..!
الحالة الراهنة ليست مقدسة ..ليست دائمة ..لأنها بالأساس ليست طبيعية وبالتالي لا يمكن أن تعمّر طويلا .
مزاج العراقيين ( كما كل الشعوب ) متغير ، ومن وضع صوته في أكياس قمامة احزاب الطوائف السنية والشيعية ، قد لا يفعلها ثانية حين تتحرر الإرادة العراقية بخروج الأمريكان والعجم وعصابات القاعدة .
ومن إنتخب احزاب العزيزين الطالباني والبارزاني ، قد لا يفعلها ثانية حين يتطور وعي المواطن الكردي ليتجاوز هذين الحزبين بزعاماتهما التقليدية التي لا نشك في أنها ستعود للصراع الشرس بينها على السلطة والثروة في هذا الإقليم ( وقد سلف لها الصراع الدموي بينها على موارد التهريب ، فكيف بموارد البترول ) ..!
الفيدرالية ..( لا بعنوانها بل بتفاصيلها ) هي خيار عراقي سبق الإحتلال بسنين عدّة ، لكن إقراره في ظل غياب الإرادة العراقية وفي ظل الحضور الأمريكي والإيراني بما يمثله من مصالح قومية تعني هؤلاء واولئك لا العراقيين ، تلك الفيدرالية ( كما كل الإجراءات الأخرى ) يُنتظر أن يُعاد النظر بها من قبل العراقيين عامة عقب التحرر الناجز من إرادة الجزمة الأمريكية .


-4-
الإخوة الأكراد يلعبون اليوم لعبة مزدوجة تحفل بالكثير من النفاق والخبث والتخريب ليس للعراق حسب ، بل ولإقليمهم القومي وشعبهم ذاته .
فمن جهة هم يحكمون في قمة الهرم العراقي (وهذا بالتأكيد حقهم الطبيعي لو إن الدولة كانت حرّة مستقلة اولا ، ولو إنهم كانوا احرارا حقا وصدقا في خيار أن يحكموها ، وكانت قلوبهم وضمائرهم وعقولهم تامة الولاء لها ، كما كان قلب نوري السعيد رحمه الله ، تام الولاء للعراق بلا مخالطة من قومية أو طبقية أو طائفية ) .
وهم من جهة ثانية يجتهدون ليل نهار في تقسيم التراب العراقي والثروة العراقية واللحمة الإجتماعية العراقية ...!!
يتزعمون الدبلوماسية العراقية في كل مكان من العالم ، ولكنهم يتحدثون ويعملون بإسم كردستان ، ويلعنون العرب وهم الأغلبية العراقية شبه المطلقة ليل نهار ..!
يحكمون المركز العراقي ويقتسمون مع رجال إيران في العراق ، برلمان هذا البلد البائس ، وبذات الآن لا يكفون لحظة عن القتال من اجل رسم الحدود الجغرافية والعرقية بينهم وبين عرب العراق ..!
هذه قرية كوردية في الموصل ، يجب ان يرفع عليها علم كوردستان لا علم العراق الوطني .. هذه مدينة كوردية في ديالى يجب أن تضم إلى كوردستان ..!
هذا عراقي عربي ، يجب أن يجد له كفيلا كورديا ليقيم في كردستان ..!
هذا مطار كوردستاني لا عراقي ... هذا بترول كوردستاني وليس عراقي .. هذا الجاسوس الإيراني أو الإسرائيلي ضيف على كوردستان ، ولا دخل للأمريكان أو الحكومة العراقية المركزية فيه ..!
هل بعد هذا يمكن أن نثق بأن رئيس جمهوريتنا أو وزير خارجيتنا أو سفراءنا ، هم موظفون عراقيون ، يمكن أن يخدموا المصلحة العراقية ويمثلوها لدى اهل الداخل أو الخارج ؟؟
قطعا لا .. مستحيل ..!
هذين ضرّتين لا يمكن أن يجتمعا ابدا في قلب واحد وبيت واحد ، خصوصا حين يتعلق الأمر بشأن عام مثل قيادة دولة متعددة الأعراق ..!
في ايام الإمبراطورية الإسلامية (وبضمنها العثمانية ) .. في الإتحاد السوفييتي السابق .. في سوريا حسني الزعيم ( او سوريا البعث حتى ) .. في عراق الملكية الهاشمية ، بل وعراق عبد الكريم قاسم ..!
كان هناك اكراد في قمة الهرم السياسي والعسكري ، ونجحوا في ما نالوه من مناصب ومهام لأنهم كانوا اكثر ولاءً لأوطانهم الأم حتى من الأغلبية الحاكمة في تلك الأوطان ..!
هل هذا ينطبق على اكراد فترة الغزو الأمريكي ndash; الإيراني ؟
بالتأكيد لا وألف لا ..!


-5-
قرار الكونغرس الأمريكي غير الملزم ( والذي قد يغدو ملزما لو استمر غباء وتهاون العرب وفي مقدمتهم عرب العراق ) ، هذا القرار ( كما كل قرارات بريمر والإحتلال ) هي بالجملة تعابير عن مصالح الإحتلال وإحتياجاته وإن تقاطعت مع مصالح بعض العراقيين .
هذا القرار تقاطع بقوة مع المصلحة الوقتية الرخيصة لبعض زعماء الأكراد وعمائم الحضن الإيراني الدافيء فكانت فرحة البعض صريحة كما في حالة الأكراد ، ومواربة كما في حالة الجماعة الإيرانية .
الأكراد ليس لديهم صدريون أو فضيلة أو علاوي أو شيوعيون أو بعثيون أوعمائم وطنية تنافسهم ، ولهذا كان الترحيب بغير ما حذر .
وتلك وربي نعمة كبرى للعراقيين عامة ، لأن ورقة التوت قد انزاحت ، وبان ما تحتها امام انظار كل العراقيين ، ناهيك عن العرب ودول الجوار عامة ..!
وهنا حق علينا التساؤل عن ما تبقى من مصداقية وعراقية بعض من يحكموننا اليوم في بغداد من الأخوة اكراد ( كوردستان الجنوبية ) ..!

-6-

الذين يحكمون في كوردستان ، لا غبار عليهم ..!
هؤلاء منفصلون اصلا عن العراق منذ ما يفوق الخمسة عشر عاما ..!
هؤلاء يحكمون إقليمهم بمنتهى الحرية ، لولا مشاغبات العزيزين الشهرستاني والبولاني وقلة آخرون ، والتي هي في الواقع لا تضرّهم قيد انملة .
الشركات الأجنبية تتدفق ، والبترول يسرق ، والمعاهدات تعقد بمنتهى الحرية ، والتجارة مع ايران وتركيا ناشطة ليل نهار ، بينما الزحف الجغرافي والسكاني قائم في كل الإتجاهات .
والبيشمركة ، قوات جيش الدفاع الكوردستاني ، تقبض من الدولة المركزية وتمسك حدود كردستان مع العراق العربي بمنتهى القوة والعنفوان ..!
هؤلاء لا غبار على حضورهم فهم حاضرون في إقليمهم وبين شعبهم وتلك مسؤولية شعبهم ، لكن من يحكموننا في بغداد أو يقودون زيفا دبلوماسية بلدنا العليل ، فهم من يثير حضورهم غبارا كثيفا مستفزا مسموما مُخربا لا يقل بشاعة عن غبار كيمياوي علي حسن المجيد..!

-7-
المُحتل خارجٌ لا محالة ...!!
اليوم أو غدا أو بعد الغد ..!
الخسائر ما عادت تُحتمل ، نزيف من مئات المليارات من الدولارات يكاد لا ينقطع يوما ..!
آلاف القتلى والجرحى ورواد المصحات النفسية ، وتفوق روسي وصيني واوروبي في كل المجالات ، بينما هم غارقون في المستنقع العراقي ، يتلقون اللطمات من ذات من رافق قافلتهم إبّان الغزو .
المحتل خارجٌ لا محالة ..!
وها هو يجتهد في البحث عن الماضي العراقي ليصالحه ، املا بالخلاص من ربقة الحاضر الحاضر المرّ.


ها هو يجهد ( هو وبعض اذياله ) في مصالحة البعث وعرب العراق ومن وراءهم إمتداداتهم العربية العريضة التي تملك للأمريكان مفاتيح كنوز لا تنفذ ، فأين اخوتنا الأكراد من هذا المنقلب ، وماذا أعدوا ليوم لا ينفع فيه بترول ولا امريكان وإيرانيون ، إلا من جاء العراق بقلب سليم ؟
هل بعد هذا يمكن أن يأمنوا لحدود يغتصبونها ويزرعون على جنباتها بيشمركة يبتزون من اجلهم اموالا من خزينة الدولة المركزية العراقية ؟
وهل سيقبل احرار العراق عقب الخلاص من المحتل ، بما اقرّ إبتزازا إبان الإحتلال ؟
بالتأكيد لا ..ولن يكون ..!
الا ليتكم ايها الطيبون ترعوون وتعودون إلى سالف الإعتدال والتواضع .. الا ليتكم ... قبل خراب كوردستانكم الجميلة لا سمح الله ..!

كامل السعدون