يعز علي والله ان اقول quot; مسكين ياشعب العراق quot; لان شعب مثل العراقيين وبلد مثل العراق، يعتكف اللسان وتضيع الكلمات وتتقزم الاحداث امام مايحمل من ثقل وارث انساني وتاريخي وديني. لكن مع ذلك القلب يعتصر والضمير يئن ولاسلطان على المشاعر وانا اردد هذه العبارة بحق العراقيين الاكارم والنجباء. وهم لايستحقون هذا الموت المستمر معهم منذ عقود طويلة. لكن يبدو ان هذا هو قدرهم التاريخي. ولكن هذا القدر لايجب ان يكون علامة استسلام، خاصة وان العراق ومنذ اربعة سنوات يمر بمرحلة تحول تاريخي بكل معنى الكلمة. وهذا التحول يقف بالضد منه الكثير من المتضررين لذلك اصبح الدم العراقي مستباح بين الارهابيين والمتضررين وقوات التحالف وشركات الامن المرتزقة مثل بلاك ووتر وغيرها الكثير. وهذا ثمن كبير يدفعه العراقيين لهذا التحول الذي لايريد الكثيرين ان تكتمل حلقاته الطبيعية. ويتصورون ان أقصر الطرق لاعادة المعادلة السابقة والغير متوازنة تكون من خلال لقتل والذبح والتفجيرات الارهابية.

والمفارقة الغريبة ان الموت العراقي على طول التاريخ لم يقف عند اسبابه السياسية والاجرامية التي مارسته الزمر الحاكمة، بل كان دائما يرافقه موت اخر وبطش اخر من النوع الذي لايمكن التفاهم معه ولايقل دناءة عن زمر الحكم التاريخية في البلد.


فعلى سبيل المثال عندما جاء الاحتلال العثماني والاحتلال الصفوي للعراق، كان كلا منهم يبطش بالعراقيين بطريقته الخاصة من خلال الاستهداف الطائفي على الهوية والمذهبية. واذا كان الاحتلال الصفوي للعراق لم يدم سوى عدة سنين وبفترات متقطعة، فان الاحتلال العثماني ثبت حوافره الدموية لحوالي 400 عام. وترك بصماته الواضحة منذ ذلك التاريخ وحتى تاريخ سقوط الصنم في نيسان عام 2003. والمفارقة المؤلمة ان يرافق الاحتلال العثماني والصفوي امراض فتكت بالعراقيين مثل الطاعون والكوليرا. وجعلت رائحة الموت تستبد بالمدن والقرى العراقية بشكل فاق كل تصور. حيث كانت الجثث تفترش الشوارع بشكل مخيف ومرعب. وتعيد للاذهان بطش جيش هولاكو ودمويته واجرامه. ولتكمتل صورة الموت العراقي التاريخي بعد حدوث الفيضان الشهير الذي جرف البيوت والاملاك ومعها لم ينسى ارواح العراقيين. ثم جاء الاحتلال البريطاني ولم يكن بخيلا هذا الاحتلال فقد منح اهل البلد حصته من القتل والبطش بهم.

وبعد حوالي سبعة عقود من هذا التاريخ جاء اولاد اتفاق quot; كوكس - النقيب quot; حكومة انقلاب 1968 ليرزعوا الرعب والموت في كل بيت عراقي من خلال المسرحية الواقعية و الدموية التي سميت حينها quot; ابو طبر quot; نسبة الى طريقة القتل، حيث يتم الدخول الى البيت وتقطيع اوصال العائلة فردا فردا. كان ذلك في عقد السبعينات. اما في عقد الثمانينات حيث كانت ابواب الموت العراقي مشرعة على مصرعيها على ايدي نظام الصنم الساقط من خلال جبهات الحرب مع ايران ومن خلال الاعتقالات والقتل العشوائي الذي مارسته اجهزة النظام في ذلك العقد حتى وصلت امور الاعدام والتغيب لكل من يؤدي الصلاة في حسينية او يؤدي شعائر المناسبات الدينية. قبل ان يصبح الصنم الساقط يحمل لقب ( عبد الله المؤمن!! ) وهو يحشر العراقيين بماكنة موت جديدة على طريق غزو الكويت وهزيمته النكراء. لكن المفارقة ان يكون مرض الكوليرا ضيف مرة اخرى على العراقيين في عقد الثمانينات. ومن ثم كانت حصة الموت الكبيرة من خلال سنوات الحصار الظالمة التي دفع ثمنها ابناء العراق دون وجه حق من خلال تعاون ضمني وعلني بنفس الوقت. محلي من نظام الصنم وعربي ودولي على ذبح العراقيين تحت وطئة الحصار.
وكانت المفارقة ان ترتفع اصوات الدعاء في اغلب الماذن العربية لاطفال البوسنة والهرسك والشيشان والصومال. واقرب الناس اليهم بالجغرافية والدين والنسب العراقيين يذبحون كل يوم الف ذبحة تحت مقاصل الحصار الطويل!! لكن يبدوا كان المطلوب ان يموت هولاء الذين لايملكون قوت يومهم ولاثمن علاج مرضهم من ابناء المذبوحين والمبعدين والذين تم اقصائهم.

واليوم بعد اشواط الموت التاريخي للعراقيين على يد العثمانيين والصفويين والانكليز وابو طبر والصنم الساقط والكوليرا وحرب ايران والكويت والحصار القاتل. تصر الكوليرا الملعونة ان تشارك القاعدة الملعونة بقتل العراقيين والتلذذ بموتهم الى حد لايطاق. وكأن التاريخ يعيد نفسه اذ دائما ترافق الكوليرا القوات الاجنبية باحتلالها ارض العراق. لكن بالتاكيد هذه المرة التاريخ الاجتماعي والسياسي لن يعيد نفسه مرة اخرى بالمعادلة السياسية والتاريخية المقلوبة والمنحرفة التي حكمت العراق طيلة عقود طويلة. فلقد انطوت هذه الصفحة الشاذة دون رجعة. كما تجاوزتها عقارب الساعة ايضا دون رجعة بكل تاكيد.

ولكن يبقى الموقف الرسمي من انتشار الكوليرا بين محافظات العراق في كردستان والبصرة والرمادي وميسان وحتى بغداد. هذا الموقف يثير اكثر من علامة استفهام. رغم الخمسين مليون دولار التي رصدتها الحكومة العراقي لمعالجة المرض ( ولااحد يستطيع ان يجزم كم سيكون حجم الاختلاسات من هذا المبلغ المرصود ). ومن جانب اخر لم يشهد العراق حملات توعية كبرى بل مجرد اعلانات تنبيه متفرقة هنا وهناك. ولااعرف لحد هذه اللحظة لماذا لايتم طلب المساعدة العاجلة من الدول الغربية وغيرها من الدول المتطورة والامم المتحدة لغرض ايقاف هذا الزحف المرعب على ابناء العراق. ان الامور تجري بشكل اكثر من هادئ من قبل وزارة الصحة العراقية، وكأن الموضوع يخص جزر الواق واق او جزر القمر وليس شمال وجنوب ووسط وغرب وقلب العراق!! هذه الرتابة وهذا البرود في التعامل مع هكذا موضوع خطير لايستحق الاشادة او وضعه بخانة الحكمة والتدبير. بل من الواضح ان هناك عجز في التدابير وايضا عجز باعطاء هكذا موضوع خطير حقة من الاهتمام والعمل الجاد والمثابر. خاصة مع معلومة مرعبة تقول ان اكثر من 80% من اطباء العراق هجروا البلد خوفا على حياتهم. اما البرلمان العراق فهذه المؤسسة الخائبة في عراق اليوم تعيش الحياة بشكل رجعي، حيث مازالوا حتى اليوم وبعد حوالي ستة اشهر يتذكرون ان مجرم ارهابي مثل ناصر الجنابي يستحق موضوعه المناقشة لغرض فصله من البرلمان!! وعلى طريقة عملهم هذه فسوف يباد نصف العراقيين بالكوليرا قبل ان ينتبه هذا quot; المأزقquot; العراقي الذي اسمه البرلمان. اذن نحن امام ازمة تاريخية وسياسية وصحية تجمتع جميعها على قتل المواطن كلا على طريقته الخاصة. رغم الاختلافات الحادة بينهما. ولك الله ياعراقي.

محمد الوادي
[email protected]