القداسة أسم مشتق من الفعل ( قدّس ) وهو فعل رباعي تام صحيح قابل للصرف والمفاضلة بشكل مطاطي غريب مصدره الاسم ( تقديس ) ومشتقاته الأخرى ( قديس، قدوس، مقدس، الأقدس، قداسة،.. الخ )، معناه هو الارتفاع والتعالي بمنزلة لا يرقى أليها البشر بسهولة وفي غالب الحين تكون مستحيلة إلا بكتاب توصية رسمي من سيادة رئيس الجمهورية الكونية المحترم، يأخذ هذا التركيب اللغوي شكلين هما كأسم وكصفة ونلاحظ استعماله كأسم هو الشائع وعليه يكون القديس فلان أو المقدس فلان هو صفة تم تخصصيها لكي تأخذ مقام الاسم بشكل كامل وطبعا تم تعريفها كأسم معرفة بـ ( أل ) التعريف فلو قلنا مثلا القديس صدام حسين وقلنا في موضع أخر صدام حسين نلاحظ بأن قداسة صدام في الموضع الأول ليست صفة بل أسم معرف لسيادة الرئيس الأبله صدام. ورد هذا الاسم بشكل مكرر في الكتب السماوية (التوراة والإنجيل والقرآن ) مما يعني انحسار استعماله في المؤسسة الدينية فقط وتعرفون جيدا من هي المؤسسة الدينية..


القداسة كانت ولا زالت محصورة ضمن أشياء محددة مثلا:
أولا / الزمان: هناك وقت لديه قدسية دون وقت أخر مثلا مناسبة عاشوراء عند الشيعة من 1 محرم إلى 10 محرم تلك العشرة أيام لها خصوصية متميزة ففيها يدخل الشيعة ضمن طقوس جماعية تتوقف فيها عجلة الحياة.
ثانيا / المكان: بعض الأماكن لها قدسيتها الخاصة دون أماكن أخرى فمثلا مدينة القدس عند الأديان الثلاثة لها مكانتها المتميزة.


ثالثا / أشخاص: هناك بعض الشخصيات لها قدسيتها فمثلا صحابة النبي محمد فكلهم يدخلون الجنة دون حساب لا لشيء ولكن فقط لأنهم عاصروا النبي محمد وأكلوا معه أو صافحوه في يوما ما.
رابعا / أشياء متفرقة : بعض النباتات مثلا النخلة عند المسلمين، وبعض الحيوانات مثلا الطيور عند المانوية.


عموما فلندخل لموضوعنا الذي كتبت من أجله هذه المقالة وسأبدأ بالسؤال الأتي: لماذا أرتبط الرب بمواعيد وأماكن وأشخاص محددة للاتصال به؟؟


حقيقة الرب كما تخبرنا الفلسفة هي أنه سرمدي أبدي يحيط بكل شيء ولا يحيطه شيء كل الموجودات فيض منه ومنه تأتي وأليه تعود، مطلق خارج عن الزمان والمكان، وعلى ذلك نستنتج من أن الرب ( المبدع الأول ) يمتلك من منظومة قوانين خاصة به وبالمناسبة هي ليست عسيرة على البشر كما هو شائع عند المؤسسات الدينية.. وتولدت بعد ذلك صكوك الغفران عند الدين المسيحي ومبدأ الشفاعة عند المسلمين وغيره..


نجحت المؤسسة الدينية في ترويج أنتاجها الجديد بشكل سحق السوق المقدس وتحول البشر من سجن أصغر إلى سجن أكبر ولكن أي سجن؟؟


بعد التسعينات ومع انتشار رسالة العولمة بين البشر ظهرت مفاهيم جديدة للقدسية عند البشر كان أخرها الفنانة ( هيفاء وهبي ) وصدرها الذي تحدت به كل منتجات المؤسسة الدينية وبصراحة المنافسة كانت قوية..( هيفا ) تنتمي لجيل جديد من الساحرات، هذا الجيل أخذ على عاتقه زمام الثورة واسترداد التاج من جديد..
ليس الكهنة والساحرات هم وحدهم في حلبة المصارعة ولكن هناك منافسين لهم تاريخيهم المتميز مثل التجار( أباطرة الدولار) أو صقور المؤسسة العسكرية وغيرهم..


ولكن سؤالي هنا على ماذا يتنافس هؤلاء؟؟
السيد نيتشه ( عليه السلام ) أختصر ذلك في مقولته الشهيرة ( الناس كالغنم تحتاج إلى من يقودها.. ) تحولت الحياة إلى هرم بطبقات وطبقة تتغذى على طبقة في صراع مستمر أبدي، وهناك في القاع حيث الهاوية يعيش الجرذان ( أشباه البشر) يعانون من تخلف عقلي وحضاري وراثي يأكلون الأغذية المعلبة المستوردة التي تصلح للكلاب لا للبشر وأمام صور هيفاء وهبي المعلقة على جدران بيوتهم البائسة ينامون بابتسامة ملائكية طالبين من الحانوت السماوي أن يرزقهم خبزا وأطفالا فقط.. وبصراحة لا أخفي عليكم أحسدهم عليها..
حقيقة الحياة كما تبدو من ما ذكرت هي عبارة عن لعبة قمار كبيرة وحسب أهم قانون لتلك اللعبة من يخسر يخسر كل شيء وبناء على ذلك الحياة لا تقبل بغير ثلاث أدوار هي أما تكون ذئبا أو فريسة أو تحت قبر تقضي فيه بقية حياتك كالدجاج لا تفهم من الحياة ألا الأكل والنوم وسلسة من أحلام اليقظة لا تنتهي، أختار شرقنا العربي الاختيار الثالث وجعل نفسه الآن تحت رحمة أثنين من المتنافسين هما كاهن متدين دجال يكذب ليل نهار وساحرة أغراء تبيع عروض اللحم الناعم في القنوات الفضائية..


مشكلة الناس هنا هي الجدران وما يعلقون عليها من صور وسأسميها هنا ( عقدة الجدار ) عقدة الجدار عند المجتمع العربي قديمة قدم المعلقات الشعرية التي علقها العرب ذات يوم على جدار الكعبة، تأمل معي عزيزي القارئ العربي جدار بيتك أو أي بيت تزوره ماذا تجد فيه؟؟


صورة لأية قرآنية تشكو نفسها من الغبار المتراكم عليها منذ مئات السنين أو أمام صالح منسي تركه التاريخ على حافة لأحد أرصفته أو فنانة قيمتها الوحيدة فيما تلبس من لبس فاضح.. بيت صديقي ( A ) على جدار غرفة الضيوف صورة لأية قرآنية مقدسة ( نصر من الله وفتح قريب ) وعلى الجدار المقابل صورة للفنانة ( أليسا ) وهي لا تقل قدسية عن صورة الجدار الأول، هل هناك توافق بين الجدارين؟؟ نعم برأي الشخصي المطربة ( أليسا ) هي الفتح القادم من العلي القدير على جيوش الكفر، التي أتحدى أثنين من العرب على الاتفاق في تحديد عدو واحد من ضمن قائمة غير منتهية من أعداء الأمة العربية والدين الإسلامي.
لاشيء مقدس غير الإنسان نفسه ففي داخله تكمن المقدسات كلها وخارج الإنسان وهم أحمق متعلقات سنرميها حال انتقالنا في قطار الآخرة السريع..

عماد البابلي