شكل مشروع مجلس الشيوخ الأمريكي بشأن الوضع في العراق جدلا واختلافا في الآراء، بين مؤيد ورافض ومستنكر، ودافع مؤيدو القرار عن الفيدرالية التي نص عليها الدستور العراقي، باعتبارها بديلا عن النظام المركزي البائد، وباعتبار أن الفيدرالية هي خيار العراق التي ناضل من أجلها ونصت عليها النصوص الدستورية، كما دافع مؤيدو القرار عن المشروع بزعم أن المخالفين لم يقرأوا المشروع ولا تبينوا ملامحه وأسسه، بينما أكد الرافضين للمشروع على مسألتين مهمتين أولهما التدخل الذي وجدوه في المشروع في الإرادة العراقية، وثانيهما عدم تفهم المشروع للواقع العراقي.


وسنفترض أن المشروع وهو غير ملزم مجرد مقترح للوصول الى حلول تفيد الحياة والاستقرار في العراق.
وبغية إزالة بعض الالتباسات التي ربما تمكن من يؤيد المشروع، أن كان غير ملزما كما يقول، إلا انه لادخان بلا نار أيضا، علينا أن نوضح أن الدفاع عن الفيدرالية ليس مهمتهم وحدهم، أن خيار الفيدرالية حقا هو خيار العراق المنصوص عليه في الدستور، ضمن المادة الأولى، ومادام الأمر بهذه الصورة، فأين تكمن المشكلة وأين يكون الخلاف؟ وهل حقا لم يقرأ من اختلف مع المشروع لعدم قراءته واطلاعه عليه؟ وماذا يقول المشروع مادامت النصوص الدستورية هي التي تلزم العمل السياسي المستقبلي للعراق؟
الفيدرالية تعني شكل من أشكال الحكم تكون السلطات فيه مقسمة دستورياً بين حكومة مركزية ووحدات حكومية أصغر (الأقاليم، الولايات، المحافظات غير الداخلة ضمن الأقاليم )، ويكون كلا المستويين المذكورين من الحكومة معتمد أحدهما على الآخر وتتقاسمان السيادة في الدولة، وتحدد النصوص الدستورية صلاحية كل وحدة.


كما تحافظ السلطات ألاتحادية على وحدة البلاد واستقلاله ونظامه الديمقراطي، وفي الدستور العراقي فأن النظام الاتحادي في العراق يتكون من عاصمة وأقاليم ومحافظات لا مركزية وإدارات محلية، ويحق لكل ثلاث محافظات أو أكثر تكوين إقليم بناء على طلب بالاستفتاء عليه، إما بطلب من ثلث أعضاء كل مجلس من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الإقليم، أو بناء على طلب عشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الإقليم.


أما المشروع الأمريكي فينص على ما يلي:
(( تبنى مجلس الشيوخ الأمريكي مشروع قرار حول إنشاء وحدات فيدرالية على أساس عرقي وطائفي، لوضع حد للعنف الذي تشهده البلاد على نحو يهدد كيانها، واعتبرت الجامعة العربية هذه الخطوة وصفة مسمومة ودعت للتدخل لإنهاء الاحتلال بكافة أشكاله.
وصوّت لصالح المشروع الذي تقدم به السناتور الديمقراطي جوزيف بيدن 75 عضوا مقابل 23 عضوا عارضوا القرار.


ويحث القرار غير الملزم الحكومة الأمريكية على دعم مشروع المصالحة بين المكونات الرئيسية في العراق على أساس ما نصّ عليه الدستور العراقي في تطبيق النظام الفيدرالي، والسماح بإنشاء مناطق فيدرالية، لمنع انهيار الدولة في ظل التناحر المسلح.
ويدعو القرار أيضا إلى عقد مؤتمر للعراقيين للوصول إلى اتفاق سياسي شامل يعتمد على تشكيل المناطق الفيدرالية مع بقاء العراق موحدا.
ويؤكد كذلك ضرورة أن تسرع الحكومة العراقية في تمرير قانون النفط، لضمان توزيع الثروات النفطية بالتساوي بين العراقيين، لأن هذه الخطوة من أهم مكونات النظام الفيدرالي، وفق القرار.
ويدعو القرار دول العالم ولاسيما دول الجوار إلى مساعدة العراق للخروج من محنته الحالية، وللسماح للقوات الأمريكية بالعودة إلى بلادها.


ويُعد هذا القرار غير ملزم للإدارة الأمريكية، لكنه يهدف إلى توفير آراء وأفكار لهذه الإدارة في كيفية حل الأزمة.


وأشار القرار إلى أن الكونجرس اعتمد للوصول إلى هذا الخيار على 13 حقيقة: منها أن الدستور العراقي الدائم يعلن أن ldquo;العراق دولة مستقلة واتحادية فيدراليةrdquo;، وأن النظام الفيدرالي الذي أقره الدستور العراقي يمنح العراقيين في مناطقهم الفيدرالية حق تشريع بعض القوانين من ضمنها تلك التي لها علاقة بالدين والزواج والتعليم والتوظيف، وأن البرلمان العراقي صادق على قانون الفيدرالية بتأريخ 11 أكتوبر/ تشرين الأول سنة 2006. ))
ويبدو لمن يقرأ المشروع أن الدعوة ليست لفيدرالية عراقية تقوم على أساس الخيارات العراقية، إنما تنص على ضرورة أن تكون هناك فيدراليات قائمة على الأساس الطائفي، وتكريسا لهذا المعيار الطائفي الذي أعتبره المشروع أمرا واقعا وحتميا في العراق، سيتم تكريس النهج الطائفي في الإقليم تبعا لذلك، حيث سيكون برلمان الإقليم طائفيا، والحكومة المتشكلة على أساسه طائفية، سواء منها في الإقليم الشيعي أو الإقليم السني، وستكون تلك الطائفية التي طالما تبجح الجميع برفضها كمنهج في العمل السياسي، قاعدة للعمل الدستوري خلافا لنصوص الدستور، التي أكدت على مساواة العراقيين أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو القومية أو العرق أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي، كما تخالف نصوص الدستور التي تؤكد حظر الكيانات التي تتبنى الطائفية والتطهير الطائفي.


أذن لاتكمن المشكلة في التطبيق الفيدرالي بشكله الدستوري والقائم على احترام إنسانية العراقي دون النظر الى دينه أو طائفته، وبهذا فأن الدفاع عن المشروع تحت غطاء الدفاع عن الفيدرالية بعيد عن الواقع، لأن الفيدرالية هي الخيار الأنجع لمشاكل العراق، ولايمكن للتكريس الطائفي أن يكون بديلا.
وإذا كانت الفيدراليات تقوم على أساس الاتحاد الاختياري بين الولايات أو المجموعات البشرية التي تختلف أما بالقومية أو بالديانة أو اللغة أو الثقافة، لتكوين شخصية قانونية لنظام سياسي إتحادي، فكيف يمكن تفسير تلك الفيدراليات التي تقوم على أساس طائفي؟ ما دام الشيعي والسني من المسلمين ومن ديانة واحدة، وإذا كانت مشكلة العراق في التأجيج الطائفي وتكريس مناهجه في الحياة العراقية التي يرفضها حتى من يتمسك بمناهج الطائفية اليوم، بعد أن توضح للعراقيين بشكل ملموس عقم هذا المنهج وسلبياته وتعارضه مع منهج العراقيين وسعيهم للحياة الكريمة والحرة وبناء المستقبل العراقي، حتى يمكن أن يكون العراق لجميع العراقيين بصرف النظر عن الدين أو القومية أو المذهب.


من يقرأ المشروع الأمريكي لن تخيفه عبارات الفيدرالية والمصالحة والدستور، بقدر ما يتوجس من تعبير الكيانات الطائفية للشيعة والسنة، التي يريد المشروع تأسيس الأقاليم على أساسها، ومن يقرأ المشروع الأمريكي سيجد انه يكرر ما قرره الدستور لولا تلك العبارات الناشزة التي تدل أما على عدم قراءة مقدم المشروع للواقع العراقي، وعدم معرفته بأحوال العراقيين ولا تأريخهم، أو محاولته قراءة تقبل العراقيين لمنهج طائفي يستمر معهم ما بقيت الدولة العراقية الاتحادية قائمة ويسمم حياتهم، دولة تقوم على المنهج الطائفي فكرا ودستورا وأساسا، ليس في الحياة السياسية فحسب، بل تنسحب الى الحياة العادية، فيكتب العراقي ولأول مرة في هوية الأحوال المدنية الى جانب حقل الديانة أسم الطائفة، وسيصبح أسم الإقليم أيضا تبعا لهذا المذهب، وتتشكل البرلمانات على أسس طائفية، وتمارس السلطات الإقليمية اختصاصاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية وفقا للمذهبية السنية أو الشيعية، ويدار الإقليم وفقا للأساس الطائفي الذي قام عليه، وهو ما ترفضه الأحزاب العراقية الوطنية التي ترفض الطائفية أصلا، ولو قرأنا مناهج تلك الأحزاب لوجدنا أنها تسعى الى عراق بعيد عن الطائفية والعنصرية، فكيف تنسجم تلك الشعارات مع الإقليم الطائفي.
أن التناحر المذهبي القائم في العراق لايستند إلا على المصالح الذاتية لبعض الشخصيات والأحزاب التي تريد تكريسه تحقيقا لمصالحها على حساب العراق، وأن التناحر المذهبي القائم اليوم في العراق لايستند على مقومات التاريخ العراقي لأنه يقوم بين كتل سياسية تسحب عملها على الشارع العراقي، ولهذا لايتحقق الغطاء المشروع لهذا التناحر.


ولهذا فأن القراءة الموضوعية للمشروع تجعل العراقي يرفضه، لا بسبب دعوته للفيدرالية والتي هي بالأساس خيارا عراقيا، ونصوصا دستورية أجمعت عليها تلك الملايين التي زحفت لتكتب نعم للدستور، إنما الرفض بسبب دعوته الى تقزيم الفيدرالية الى أقاليم طائفية وما ستخلفه من كوارث أنسانية واجتماعية على المستقبل العراقي.


والطائفية ظاهرة تدفع باتجاه تغليب الفرص وإلغاء حق المساواة إلا بموجب معيار الطائفة، وبالتالي فأن الانتماء للطائفة يتغلب على الانتماء للوطن، ولا تنسجم تلك الظاهرة مع وجود مواطن آخر من مذهب آخر يتساوى في الحقوق والواجبات.


والطائفة أن تتبني ( مجموعة من الناس ) منهجا أو فكرا دينيا داخل دين من الأديان، وهذه الجماعة الدينية تعتقد بصواب منهجها وخطأ الآخرين، وأخيرا فأن الشيعة ليست طائفة لأنها تضم العديد من المذاهب، كالجعفرية الأمامية والإسماعيلية والزيدية، وكذلك السنة حيث يتوزعون على عدة مذاهب منها الحنفية والشافعية والمالكية والحنبلية.


فإذا كان الدستور العراقي ينص على أن العراق جمهورية ديمقراطية واتحادية، فهل يعدل المشروع التسمية ليلحقها بعبارة يتشكل من أقاليم طائفية؟ وهل يعتبر المشروع العراقيين من المذاهب الأخرى المقيمين في إقليم مذهب آخر رعايا أو مواطنين؟ وكيف سيكون وضعهم القانوني فيما يخص الأحوال الشخصية المطبقة عليهم؟ وليس أكثر تجسيدا لما تسببه الطائفية تلك المحاصصات التي أضرت وتضر بمسيرة العراق، وليس أكثر من تكريس الانقسامات بين أبناء الوطن الواحد والدين الواحد في سطور المشروع، فهل تمت قراءة المشروع بتأني وتمعن؟

زهير كاظم عبود