مسلسل الملك فاروق:ثراء في الشكل وفقر في المضمون

تضحكني المقارنة بين عهد الملكية في بعض الدول العربية وعهود (الديمقراطية )التي جاءت بها الثورات بعده،وكأن (رؤساء )ما بعد عهد الملكية ليسوا (ملوكا)متوجين فوق عروشهم،لا يغادرونها الا الى قبورهم،بل ويورثونها لأبنائهم،ويعتمدون من أجل ذلك الانتخابات المزورة أمهات التسعة والتسعين بالمئة،وتجديد البيعات،وحكم العسكر،بهذا المعنى يكون الفارق الأول بين الملكية وغيرها في الدول العربية أن الملكية على الأقل صيغة صادقة مع نفسها ومع شعبها وواضحة معه.

كثر الحديث عن الملكية ومالها وما عليها بمناسبة بث مسلسل (الملك فاروق )في شهر رمضان الذي أوشك على نهايته،المسلسل مبهر شكلا: فالديكورات نقلتنا من أماكننا وجعلتنا نتجول داخل قصور حقيقية راعت كل التفاصيل من صالوناتها وحتى حماماتها،والموسيقى التصويرية مبهرة،والاضاءة الفريدة من نوعها أظهرت الفرق الكبيربين المسلسل والمسلسلات الأخرى التي تبث في نفس الوقت،أتقن تيم الحسن دور الملك فاروق ورأينا انسانا من لحم ودم، وأحببناه بكل خيباته ونزقه وأخطائه، مخرج المسلسل السوري حاتم علي لم يدخر جهدا في اظهار المسلسل بشكل (ملوكي )لا ينافسه أحد،وهو من ميزات المخرجين السوريين في اتقان اخراج المسلسلات الضخمة وخاصة التاريخية منها،كاتبة المسلسل د.لميس جابر تقول أنها ظلت تجمع مادة المسلسل وتحضر له منذ أكثر من خمسة عشر سنة وربما هنا تكمن علة المسلسل الأساسية، فقد كتب المسلسل بيد أكاديمية وليس بيد فنانة،التزمت الكاتبة بالحقائق التاريخية وتفاصيلها الدقيقة التي قد تهم الأكاديمي و السياسي أكثر مما تهم المشاهد العادي وخاصة العربي،كاميرات التصوير اقتصرت على قصر الملك فاروق ومكتب السفير الانجليزي والبرلمان وأماكن بسيطة أخرى هنا وهناك،لكن من يستطيع أن يدعي أنه تعرف من خلال المسلسل على مصر في عهد الملك فاروق كما كان يأمل؟من هم الأدباء الذين برزوا في هذا العهد وأين المسلسل عنهم؟أين الفنانين؟ما هو أسلوب الحياة للانسان المصري العادي في تلك الحقبة؟ماذا عن وضع الجامعات والتعليم وقتها؟تمر حلقتان وثلاث حلقات ونحن ندور في فلك حدث واحد ونغرق في تفاصيله -التي لا تهمنا كثيرا -ولا نشاهد ما نود حقا أن نعرفه،لو حذفنا الديكورات والأزياء والاضاءة والاخراج المتقن لوجدنا أنفسنا أمام فيلم وثائقي يمكن اختصاره في سبع حلقات بدلا من الثلاثين حلقة التي تسير سير السلحفاة،وعلة التمطيط في المسلسلات الرمضانية لا تقتصر على مسلسل الملك فاروق وحده بل تمتد لمعظم المسلسلات التي يجب أن تمطط أحداثها حتى تستطيع أن تبيع حلقات بعدد أيام الشهر الكريم،ولا أعرف لماذا لا يتم حل هذه المعضلة بعرض مسلسلين من خمسة عشرة حلقة بدلا من تقديم أحداث مترهلة في ثلاثين يوما؟

بقي أن أعلق على تصريح الكاتب المصري المبدع أسامة أنور عكاشة الذي اتهم السعودية بأنها وراء انتاج هذا المسلسل لتلميع الملكية؟


المسلسل أولا لم يلمع الملكية بل أظهر لنا الملك فاروق نزقا عصبيا قصير النظر وأظهر أمه لعوبا و(دايرة على حل شعرها )كما يقولون،لكن في الحقيقة أن من أنصف الملكية فعلا هو أسامة أنور عكاشة نفسه في مسلسله الخالد (ليالي الحلمية )الذي أظهر لنا فعلا -وبموضوعية شديدة -حال المصريين وأوضاعهم الجيدة نسبيا أيام الملكية ثم بدء عهد (المرمطة )منذ الثورة وما بعدها...

ريم الصالح
[email protected]