النوايا الطيبة وحدها لا تحقق الأهداف

مشكلتنا مع مفهوم الجودة تتلخص في هذه النظرة التجزيئية لها، إذ دائما نغفل أو نتناسى أن الجودة مفهوم كلي لا تقبل عناصره الفصل والتجزئة، سواء كانت الجودة المستهدفة إنتاجية أم خدمية.
وحين تصل قناعة إدارة أية مؤسسة إلى حاجتها لمساءلة نفسها حول تدني مستوى إنتاجها أو خدماتها، أو حول انخفاض إقبال العملاء على خدماتها أو إنتاجها، فإنها يجب ألا تلجأ إلى الحل الأسهل، كأن تخفض عمالتها على الفور مثلا تقليلا أو تقليصا لبند النفقات، أو أن تقوم بحملة دعاية وترويج وإعلان واسعة.

الفهم السطحي للجودة

لأن مثل هذه الحلول الارتجالية والعشوائية ربما تفاقم المشكلة فإن أول خطوة في هذا الاتجاه يجب أن تتوجه نحو التشخيص، أي تشخيص العلة لمعرفة الداء وأسبابه، ومن ثم اقتراح العلاج اللازم له.

العلاج قبل التشخيص!!

دعونا نعالج هذه المسألة بهدوء ودون تشنج. حين يقول مدير جامعة سعودية ما: إن هذه الجامعة أصيبت بالشيخوخة، رغم أن عمرها قصير مقارنة بجامعات أخرى في العالم أكثر عراقة. فإن قوله هذا ينم عن أن هذه الجامعة أصيبت بالشيخوخة المبكرة، لأن الجامعة كلما طال عمرها تراكمت خبراتها وجددت نفسها، وأصبحت أكثر شبابا. إذًا فهذه الجامعة التي يديرها مريضة أي أنها خارج إطار الجودة الشاملة.

تهميش النظم

ودائما كنت أؤكد أن السؤال الصحيح يقود إلى الإجابة الصحيحة، والآن دعونا نسأل أنفسنا بصدق: ما الذي يمنع غرس مفهوم الجودة الشاملة في عقولنا؟

ولماذا نحتاج إلى إنشاء إدارة للجودة الشاملة؟

وإذا تحرينا الصدق والدقة فإن الإجابة ربما تكون صادمة.

أسس الجودة الشاملة

إن الجودة الشاملة تعني التزاما من جميع أفراد المؤسسة المعنية خدمية سواء كانت أم إنتاجية بخطة موحدة، تضع وفق برنامج محدد نصب أعينها تحقيق هدف معين.

وإن تحقيق هذا الهدف وفق الخطة الموضوعة والبرامج المحددة يتطلب وعيا مسبقا لدى جميع أفراد المؤسسة.

وهذا يعني وضع نظام أو نظم تسير العمل، إذ دون هذه النظم تسود الفوضى نتيجة الاجتهادات وسيادة المزاجية العشوائية.

أما بالنسبة للأهداف لأي خطة للجودة الشاملة فيجب أن تكون أهدافا واقعية ممكنة التحقيق.

فإحدى جامعاتنا، وهي نفس الجامعة التي اشتكى مديرها من أنها أصيبت بالشيخوخةndash; المبكرة، وضعت لها استراتيجية للتطوير، وحددت الهدف من هذه الاستراتيجية بأن تصبح جامعة عالمية، أي في مصاف الجامعات العالمية الأولى.

وحسب واقع هذه الجامعة فإنها وبوضعها الحالي يجب أن تضع هدفا واقعيا كأن تعالج نفسها من مرض الشيخوخة المبكرة ثم تضع بعده هدفا آخر بأن تكون الجامعة الأولى في محيطها الإقليمي وهكذا.

أما وهي تعاني أعراض الشيخوخة ثم تضع لها هدفا بأن تصبح من الجامعات العالمية الأولى، فلا يعكس سوى أمنيات، ولكنه لا يمكن أن يقود المؤسسة إلى مكان، إذ إن النوايا الطيبة وحدها لا تحقق هدفا.

إذًا كان يجب أن يتجه بصر إدارة الجامعة إلى معالجة مشكلتها أو مشاكلها، وأن يضعوا لذلك أهدافا ممكنة التحقيق، أما التصدي للمشاكل والقضايا بهذه الأساليب الإنشائية البلاغية فلا يمكن أن يحقق هدفا، ليس على صعيد تحقيق الجودة الشاملة، بل حتى ولا معالجة الأمراض والعلل التي تعانيها المؤسسة.

فالجودة الشاملة بيئة عمل وثقافة تترسخ مفاهيمها في أذهان كل القوى العاملة من أكبر مسؤول إلى أصغر مسؤول.

وهي تتحقق حين يكون لكل من أفراد المؤسسة هذا الشعور العميق بالانتماء الحميم للمؤسسة، وأن تأخذ الإدارة العليا في المؤسسة رأيه حول ما ينبغي أن يكون حسب دائرة مسؤوليته مهما صغرت وتضاءلت.

وقد تسألني من أين أتى هذا الفهم الخطأ الذي نحتاج معه إلى إعادة هيكلة العقول؟ فأقول لك إنها عقول الوفرة التي رسخت العديد من المفاهيم السلبية، وأفرزت العديد من الظواهر التي تحتاج إلى إعادة نظر.

د.صـالح بـن سبعـان
أكـاديمي و كـاتب سعودي
E-Mail:
[email protected]