عكست ردود الفعل على مشروع قرار الكونجرس الامريكي طبيعة العقل السياسي العراقي الانفعالية الفاقدة للرؤية الاستراتجية الحريصة على مصالح العراق العليا، فما صدر من اراء كانت مجرد عواطف ليس لها علاقة بالسياسة وطبيعة الأمر الواقع الذي سيطبع مستقبل العراق، وردود الأفعال هذه هي ترجمة لحالة الأسر التي يعاني منها العقل العربي والشرقي عموماً المسجون في معتقل المثاليات والشعارات، فهذا العقل سجين شعاراته الطنانة وهو مستعد للقتال من اجلها ضد مصلحة الوطن، وهنا المفارقة الكبرى عندما تكون الأوهام والشعارات المثاليات أهم من مصالح الوطن، اذ اننا بالأمكان تعديل مشروع قرار الكونجرس لصالح وطننا ونطالب بتقسيمه الى دولتين عربية وكردية.

فواقع العراق يقول انه بعد عام 1991 أثر انتهاء عملية غزو الكويت وفشل الانتفاضة، أصبح دولتين عربية وكردية ولن يعود الى طبيعته الاولى، ولقد اكتشفنا مؤخراً ان هذا التقسيم القسري جاء لصالح العراق والأغلبية من سكانه العرب والتركمان والمسيحيين والصابئة كما سنوضح لاحقاً في هذه المقالة.

والدولة الكردية التي يجب ان يسعى العراقيون الى منحها الاستقلال ستكون حصريا من مدن: اربيل والسليمانية ودهوك فقط، اذ تبقى كما هي الحال عليه الدولة الكردية الغير معلنة المستقلة حالياً بصورة عملية.

أما الدولة العراقية العربية ستكون من مدن الجنوب والوسط والشمال: كركوك والموصل وديالى وبغداد والنجف وكربلاء والبصرة والرمادي وبابل والديوانية والناصرية والكوت والسماوة وصلاح الدين والعمارة، ويتم تخيير الاكراد المقيميين في هذه المدن بين البقاء ضمن سيادة الدولة العراقية العربية والتكلم بلغتها والدراسة بلغة العربية فقط وبين الرحيل الى الدولة الكردية.

وبالنسبة لأبناء شعبنا التركمان والمسيحيين والصابئة سيعيشون ضمن الدولة العراقية العربية معززين مكرمين.

فوائد هذا التقسيم:

فوائد تقسيم العراق الى دولتين عربية وكردية من الناحية السياسية والعسكرية والاقتصادية عظيمة جدا للطرف العراقي، فطالما الاكراد يبحثون عن مصالحهم، فنحن العرب ايضا يجب ان نبحث عن مصالحنا وهذه هي طبيعة اللعبة السياسية التي تفرض علينا التخلي عن طموحاتنا الليبرالية الديمقراطية وشعارات دولة المواطنة، والأذعان للواقع الراهن الذي يهدد وطننا العراق وهويتنا العربية، بعد فشل احلامنا في أقامة دولة الديمقراطية والمواطنة!

بالنسبة للفوائد السياسية لإنفصال الاكراد سيريح العراق من مشكلة مزمنة في تكوين الدولة العراقية وطبيعة دستورها وقوانينها، فنحن تاريخيا منذ أكثر من ألف عام منذ انشاء الدولة العباسية دولة عربية، وبصريح العبارة وكتعبير عن الواقع وليس المثاليات، ومهما اطلقنا شعارات الديمقراطية وحقوق المواطنة.. لايمكن للعراقي العربي ان يسمح له كبرياؤه بأن يكون رئيس الجمهورية او بعض الوزراء أو حتى السفراء من الاكراد، فالمواطن العربي يظل يشعر انه يمثل الاكثرية السكانية التي تبلغ 80 % من سكان العراق، وانه الأجدر والاذكى والاكثر اخلاصا ووطنية للعراق، ولايقبل ان ينافسه في السلطة ببغداد الكردي مطلقا، وماموجود حاليا من محاصصة حالة طارئة لن تستمر ابداً.

ثم ان أغلب مشاكل دستور المحاصصة المشوه الذي مزق الدولة العراقية سببه مطالب الاكراد القومية واصرارهم على أبتزاز العراق وأضعافه وتدميره.

والفوائد العسكرية لإنفصال الاكراد تكمن في ان الاكراد ليس لديهم ولاء للعراق، وسبق لهم منذ اكثر من خمسين سنة حمل السلاح وغدره والتعاون مع الجيش الايراني وغيره، وجغرافيا وعسكريا منطقة الشمال في مدن: اربيل والسليمانية ودهوك يصعب السيطرة عليها عسكريا واداريا وهي تستنزف الدولة العراقية بشريا واقتصاديا.

اما الفوائد الاقتصادية للعراق بأنفصال الاكراد، فهي عظيمة جدا بشكل لايوصف.. فكما هو معروف ان مدن الاكراد لاتوجد فيها موارد اقتصادية يستفيد منها الشعب العراقي، والاكراد يشكلون عبئاً اقتصادياً على العراق، والدولة تتحمل الان مسؤولية معيشة بحدود 5 ملايين كردي تدفع لهم سنويا من واردات النفط مبلغ 10 مليار دولار وليس مليوناً، وهذا المبلغ الضخم يعادل ميزانية سورية والاردن معا، وبأنفصال الاكراد سيكون هذا المبلغ الـ 10 مليار دولار في خزينة الدولة ويصرف لصالح الشعب العراقي.

فمن الغباء جدا ان تتحمل الدولة العراقية معيشة 5 ملايين كردي تصرف عليهم مليارات الدولارات، وهم ليس لديهم انتماء وولاء للعراق، ويرفضون حتى رفع العلم العراقي، بل يرفضون حتى تعيين موظف بسيط عربي في دوائر مدن اربيل والسليمانية ودهوك، بينما جاء الاكراد الى بغداد واحتلوا ارفع المناصب السياسية من منصب رئيس الجهورية الى نائب رئيس الوزراء الى الوزراء ورئيس اركان الجيش والسفراء، وبأمكان الكردي ان يحصل على اي وظيفة في كافة مدن العراق العربية، ثم ان الاكراد يصرحون علنا برغبتهم بالأستقلال فلماذا لانحقق لهم حلمهم التاريخي وفق شروطنا نحن ومصالح العراق ونمنحهم الاستقلال من جانب واحد ونضعهم امام الأمر الواقع وامام شعبهم الذي قادوه منذ عشرات السنين الى جحيم الحروب بحجة المطالبة بحق تقرير المصير!

ان تقسيم العراق الى دولتين عربية وكردية هو الحل الأسلم للخلاص من مشاكل الاكراد، والحفاظ على ثرواتنا، وكتابة دستور عراقي وطني، فلايمكن بقاء الاكراد يسطيرون على العراق وثرواته وكأنهم هم الاكثرية وليس نحن العرب الذين تبلغ نسبتنا 80 % وهذا العراق من دافع عنه بدمه وبناه بعرقه وتحمل عذاباته هم ابناءه العرب من الشيعة والسنة، وكذلك التركمان والمسيحيين والصابئة، فهو وطننا نحن، وحان الوقت للتفكير بواقعية وذكاء وأعلان قيام الدولة العراقية العربية واعلان الدولة الكردية، وتحقيق هذه القرار التاريخي مرهون بالقضاء وسحق الاحزاب الشيعية التابعة الى ايران، والاحزاب السنية التي هي واجهات لمجرمي بقايا البعث والقاعدة، وتولي السلطة من قبل عناصر عراقية عربية من ضباط الجيش يشكلون حكومة عسكرية قوية بأشراف الولايات المتحدة الامريكية للحفاظ على ماتبقى من العراق قبل ان يضيع كل شيء.

خضير طاهر

[email protected]