عدم سماح المجلس البلدي في الكويت لطائفة البهرة الإسماعيليين ببناء مسجد لهم، أو رفض تنفيذ مطالب المسيحيين من خلال طلب الكنيسة الإنجيلية الوطنية إضافة بعض المباني داخل أحد المستشفيات (المستشفى الأمريكاني)، قضيتان تعكسان تجليات المسلسل الظلامي الهادف إلى تهميش مطالب الآخر المختلف، من خلال توظيف تفسير غير متسامح للعقيدة في هذا المجال، ومحاربة مطالب غير المسلمين، أو غير المحسوبين على طائفة من طوائف المسلمين، والتضييق على ممارسة الشعائر الدينية في الكويت. ولن تنتهي حلقات هذا المسلسل إلا بتلاشي قناعة الأصولية الدينية المتطرفة وأنصار الإسلام السياسي ومن لف لفهم وأيدهم في المراكز الرسمية الكويتية، بأنها وصية على الحرية، وأن أغلالها يجب تتحكم بما يجب أن يتم التعبير عنه أو يتم نشره، وأن الإرهاب الفكري هو ديدنها لتثبيت رؤاها الظلامية.


ولا يمكن لهؤلاء أن يعتبروا ويتعلموا من الأحداث التي تجرى حولنا في العالم، رغم كم الأمثلة الهائل الذي يشير إلى أن التسامح الديني وغير الديني أصبح أحد أسس الحياة في الوقت الراهن، ولولاه لما استطاع الأصوليون المتطرفون أن يحصلوا على موقع قدم في غير ديارهم. وما حدث فى بلدة بونسانو فينتو التابعة لمحافظة بادرنا في إيطاليا قبل أسابع قليلة، يدل على تطور التسامح بين بنى البشر، ما يفتقده الأصوليون المسلمون في علاقتهم مع الآخرين. ففى تلك البلدة قرر رئيس أبرشيتها الأب الدو دانيللي فتح أبواب كنيسة quot;سانتا ماريا اسونتاquot; للمسلمين لأداء صلاتهم وخاصة يوم الجمعة، وذلك لعدم وجود مسجد بالبلدة البالغ عدد سكانها 11 الف و400 وعدد الأسر المسلمة حوالى 232 أسرة، معظمهم من شمال أفريقيا ومن شرق أوروبا. وفى حواره مع صحيفة quot;كورييري ديلا سيراquot; اليومية قال دانيللي: ليس من العدل بأن نتحدث عن الحوار بين الأديان ثم نغلق جميع الأبواب فى كل الوجوه.


هل تستطيع القوى الأصولية في الكويت أن تمارس ما يشبه أو يقترب من ذلك السلوك، ليس مع غير المسلم فحسب، بل قبل ذلك مع المسلمين والمواطنين الكويتيين. فماكينة الرؤى الدينية الظلامية، وفتاواها، وأغلالها، ساهمت في قتل الحرية على أرض الواقع أثناء معرض الكتاب الذي يفتتح هذا الأسبوع. فقد أوردت صحف كويتية ان قطاع الصحافة والمطبوعات في وزارة الإعلام الكويتية، الذي يهيمن عليه الفكر الأصولي المتزمت، منع نحو 310 كتب ما بين روايات وكتب سياسية ودينية، فيما أجاز 500 كتاب من 810 تقدمت بها دور النشر. ويعتبر هذا التشدد الرقابي المتعجرف بمثابة مجزرة، وهو سلوك يتماشى مع مبادئ الأصولية الدينية المتشددة، حيث يحقق لها أمانيها في السيطرة على مجريات أمور التعبير، ويدفع بوصايتها لمزيد من العجرفة على قضايا حرية البحث والنشر والفكر في المجتمع.


وحسب مصادر نقلت عنها صحيفة القبس الكويتية، فقد تم منع 9000 عنوان كتاب في معارض الكتاب في الكويت حتى الآن، مضيفة ان الكتب الممنوعة تظل ممنوعة حتى وان زالت أسباب المنع، وذلك لعدم وجود متابعة من قبل الإدارة المختصة في قطاع الصحافة والمطبوعات، فقد يكون الكتاب ممنوعا من سبعينات القرن الماضي ويتحدث عن الفكر الشيوعي فيمنع تحت مبرر حمله quot;افكارا هدامةquot; مع العلم ان بعض هذه الكتب قد زالت أسباب منعها ولم تتم معالجة الأمر، وبقيت حتى الآن على قائمة الممنوع. وحسب نفس المصادر فإن قطاع الصحافة والمطبوعات أخذ اتجاها تشدديا رقابيا منذ عام 2001، لأن إدارة رقابة الكتب بدأت في الدخول على خط لعبة الصراع بين التيارات السياسية والدينية الموجودة في الكويت. كما أكدت المصادر ازدياد حدة الرقابة في الكويت منذ منتصف عام 2006 الى يومنا هذا، حيث تم عرض 2300 كتاب متنوع على لجنة رقابة الكتب، تم منع 915 منها فيما أجيز 1350 كتابا.


في مقابل ذلك، قررت مجموعة من الشباب الكويتي، الواعي والحريص على سمعة البلد وعلى مستقبله، وعلى مواجهة المد الظلامي الأصولي، تحت اسم quot;مبدعون كويتيونquot;، تنظيم اعتصام ضد مجزرة الرقابة يوم السبت المقبل، وأصدرت بيانا في هذا الصدد جاء فيه أن الساحة الثقافية الكويتية شهدت أحداثاً مؤلمة تتنافى وأبسط أشكال الحرية عبر مصادرة مجموعة من الكتب والإصدارات الكويتية والعربية إضافة إلى عدد من الأعمال الفنية والمصنفات السمعية والبصرية، مؤكدة أن المواد التي تتم مصادرتها لن تكون الأخيرة، ومشيرة بأن قوائم الممنوع وغير المصرح بتداوله طويلة وخاضعة لمزاجية الرقيب ولانتقائية فجة عبر هيمنة رجال الدين قد تصل لمنع حتى الكتاب الديني المختلف عن توجهات احد أعضاء اللجنة الرقابية. وشددت المجموعة على أن تهميش الحريات ومصادرة الحق في الاختيار إنما هو نظام يقصي ويمنع ويلغي ويصادر حقوق الآخرين ورغباتهم وهذا يتنافى مع معنى الحريـــة التي يكفلها دستورنا (دستور الكويت).
فاستمرار الرقابة على حرية التعبير والنشر ليس سوى تحد لدستور الكويت ولنظامه الديموقراطي، باعتبار أن تلك الحرية تقع تحت خانة الأفكار، وبالتالي لا يوجد في جدال الديموقراطية ما يمكن أن نسميه quot;خطوطا حمراءquot; فكرية، إذ الأفكار هي منجز بشري نسبي وليست مسلمات أو ثوابت، وهي بالتالي قابلة للنقاش والتداول وللقبول والرفض، وأي استخدام لثقافة المنع والإقصاء والجبر تجاهها هو نسف لأسس الديموقراطية وتحد لدستور البلاد. فالديموقراطية تستند إلى الأفكار النسبية ما تفرز الأصلح وفق رؤية تعددية، فيما الاستبداد المستند إلى الثوابت (الدينية والاجتماعية) يفرز الأقوى الذي يرفض النقاش، باعتبار أن ما يتضمنه خطابه هو مسلمات، ما يعني أن إقصاء المختلف بالنسبة للأصولية الدينية المتطرفة وأنصار الإسلام السياسي، القائم على الثوابت والمسلمات، هو رهان لتثبيت أفكارهم في المجتمع، وسلاح لطرد غيرهم.

فاخر السلطانصث3ص
كاتب كويتي
[email protected]