مصطلحات ومفردات دخيلة
هنالك مصطلحات عجيبة وغريبة ودخيلة على لهجة المجتمع العراقي وثقافته تمت صياغتها داخل الغرف المغلقة لإجتماعات ماكان يسمى بالمعارضة العراقية وبدأت بعد 9 نيسان 2003 تأخذ طريقها الى شاشات الفضائيات وصفحات الجرائد ومواقع الإنترنت عبر شفاه نجوم ستوديوهات المنطقة الخضراء الذين كانوا هم أنفسهم نجوم تلك المعارضة واليوم وبعد أن أصبحوا في السلطة يريدون تسويق هذه المصطلحات والترويج لها بين العراقيين ليسهل لهم تنفيذ مخططاتهم والوصول الى أهدافهم.. من هذه المصطلحات مثلاً (أبناء السنة) أو(السنة العرب) والمقصود بها سنة العراق و(أتباع أهل البيت) أو(الشيعة العراقيين) والمقصود بها شيعة العراق و(المثلث السني) والمقصود به المنطقة الغربية من العراق التي تضم محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين و(الأكثرية الشيعية) و(الأقلية السنية) و(أبناء الأقليات) وغيرها كثير من المفردات التي أصبحت جزئاً أساسياً من الخطاب الإعلامي لصحف الدولة وفضائياتها وقواها السياسية التي تبدوا بترديدها لهذه الخطاب وكأنها قد هبطت وأصحابها من كوكب آخر.

أسئلة كثيرة محيرة
إن أغلب العراقيين لم يكونوا حتى وقت قريب منتبهين الى خطورة هذه المفردات والمصطلحات والتعابير اللفظية الدخيلة على واقعهم الإجتماعي والتي كانت تتردد بإستمرار في الخطاب السياسي والإعلامي للكثير من ساسة وأحزاب وفضائيات العراق الجديد لكن منذ فترة بدأت الحقيقة تتكشف شيئاً فشيئاً وبدأت سلسلة من التساؤلات تدور في خلد الكثيرين منهم ومنها على سبيل المثال :
لماذ يقال(السنة العرب) ولايقال(السنة العراقيين) ؟..ولماذا يقال(الشيعة العراقيين) ولايقال(الشيعة العرب) ؟.. أليس الجميع عراقيين بغض النظر عن كونهم شيعة أو سنة.. عرباً أو أكراداً أو تركمان.. مسلمين أو مسيحيين أو صابئة أو إيزيديين ؟.. لماذا هذا التخصيص في المُسمّيات ؟
لماذا أصبح الإنتقاص إعلامياً من طائفة معينة في العراق بل وتصغيرها وإذلالها والتجاوز جهاراً نهاراً على وجودها ثوابتها الدينية في بعض وسائل إعلام الدولة وأحزابها شيئاً عادياً بل يراد له أن يُصبح ثقافة عامة في العراق في حين عندما يرد بعض أبنائها بالمثل عبر وسائل الإعلام سواء عن جهل أو قصر نظر تقوم القيامة وتوصف ويوصف أبنائها بأنهم طائفيون ويحرضون على الأرهاب ؟
ولماذا تقوم الدنيا ولا تقعُد عندما تحاصر القوات الأمريكية والعراقية أحياء فيها أكثرية لطائفة معينة يُشتبه أن فيها أوكار إرهابية ومسالخ بشرية ومعتقلات سرية لإحتجاز الناس وتعذيبهم وقتلهم والتمثيل بهم وتثور ثائرة الحكومة وأحزابها وفضائياتها والدول التي ورائها ويبدأ الجميع بالحديث عن حقوق الإنسان في حين يُطبّل جميع من ذكرناهم عندما تقوم نفس هذه القوات بمحاصرة ومهاجمة ودك أحياء فيها أكثرية من الطائفة الأخرى بل وتُطبّل بهض الجهات السياسية وفضائياتها لذلك وتصوره على أنه إنتصار للقوى الأمنية على الإرهابيين؟.. ولماذا يُشكّك بعض ساسة الدولة ووعاظها بوجود شخص واحد من طائفة معينة يقود فرق موت ومجاميع إرهابية بل وأحياناً يُبرّر له من قبل بعض السياسيين وأنصاف الكتاب والمثقفين الطائفيين في حين أصبح الحديث في أوساط نفس هؤلاء عن إن الطائفة الأخرى هي التي تقود الإرهاب وتحتضن الإرهابيين عادياً بل ويراد له أن يُصبح نظرية تُدرّس حتى في الجامعات ؟
ولماذا عندما تتعرض أماكن مقدسة محسوبة على طائفة معينة لإعتداء تتجه أصابع الإتهام منذ اللحظة الأولى لأبناء طائفة بعينها قبل أن يجري تحقيق وقبل أن تعلِن أي جهة مسؤوليتها في حين لايتم تحديد طبيعة طائفة من يقومون بمثل هذه الإعتدائات على أماكن مقدسة محسوبة على الطائفة الأخرى ؟
ولماذا تُفعّل مذكرات إعتقال صدرت بحق رموز إحدى الطوائف ولايتم التعامل بالمثل مع رموز طوائف أخرى صدرت بحقِّهم وقبل سنوات مذكرات مشابهة لكنها مُزّقت أو وضعت في أدراج المكاتب لتمرير صفقات سياسية؟..ولماذا تُرفع الحصانة عن أعضاء معينين من مجلس النواب محسوبين على طائفة بعينها بتهمة الفساد والإرهاب ولاترفع عن بعض الأعضاء المحسوبين على الطوائف الأخرى ممن لو بحثنا ورائهم وحققنا حول أموالهم وأملاكهم وعددنا تُهم فسادهم لما كفتنا سنوات ؟
ولماذا تُركِّز فضائيات الدولة وأحزابها المتنفذة على مايحدث لطائفة معينة من أبناء العراق ولاتفعل المثل مع مايحدث مع أبناء الطوائف الأخرى ؟.. لماذا تُصوِّر بأن جميع الإرهابيين الذين يلقى القبض عليهم هم من طائفة معينة ومن مناطق فيها أكثرية لطائفة معينة ؟.. ولماذا تُطلق صفة الإرهابيين على المسلحين المحسوبين على طائفة بعينها من العراقيين في حين تمتنع عن وصف المسلحين المحسوبين على الطائفة الأخرى بنفس الوصف رغم أنهم يقومون بنفس الأعمال وبنفس الدرجة من السوء والدموية ؟.. ولماذا يتم التركيز على المجازر التي تحدث لأبناء طائفة معينة في حين يتم التعتيم وبشكل لا إنساني على المجازر التي تطال أبناء الطائفة الأخرى ؟.. وأخيراً وليس آخراً لماذا تسارع هذه الفضائيات التي تغطية مايحدث من إعتدائات إرهابية على الأماكن الدينية (مراقد ودور عبادة) محسوبة على طائفة بعينها وتوليها إهتماماً وتركيزاً إعلامياً كبيراً في حين تُسفِّه وتُكذِّب الأخبار التي تتحدث عن تعرض الأماكن الدينية (مراقد ودور عبادة) محسوبة على الطائفة الأخرى الى إعتدائات إرهابية مماثلة ؟

مخطط مدروس ومُعدّ له سلفاً
لماذا ؟.. ولماذا ؟.. لماذا هذا الخطاب الطائفي ولماذا هذه التعابير والتوصيفات الطائفية والعراق اليوم كله مستهدف والعراقيون الذين يستشهدون يومياً هم من جميع الطوائف والقوميات والأديان ؟.. أليس عيباً أن يقوم البعض بحساب مَن يموتون مِن أبناء طائفته فقط ليزايد بهم على أبناء الطوائف الأخرى ؟.. هل أصبحت حياة البشر ودمائهم عرضة للمزايدات العلنية بين تجار ومراهقي السياسة في العراق الجديد ؟.. لقد أصبح أغلب العراقيين الوطنيين الأصلاء الواعين يعلمون اليوم بأن هذه البروباغندا هي بداية وجزء من مخطط كبير عَمِل عليه وصاغَه منذ زمن وجائنا به مُعلباً ووزعه مجاناً بعض ساسة العراق الجديد بهدف تمزيق النسيج الإجتماعي للعراق وعزل العراقيين عن بعضهم على أساس الإنتماء الطائفي عبر وصف طائفة منهم على أنهم (أتباع أهل البيت) ووصف الطائفة الأخرى على أنهم (أبناء السنة).. بل إنهم يعملون عن طريقه على إعادة صياغة أفكار وبالتالي مواقف الجهلة من أبناء طوائفهم لتأخذ مساراً عدائياً تجاه أبناء الطوائف الأخرى وبالتالي إستقطابهم طائفياً مماسيضمن إستمرار نفوذهم وسطوتهم وتسلطهم سياسياً على مقدرا البلاد وأهلها.. فلو سادت الألفة والمحبة بين العراقيين بغض النظر عن إنتمائاتهم الطائفية والعرقية والدينية لما إكتشفوا تمايزهم عن بعضهم ولما إحتاجوا بالتالي لشخصيات وأحزاب سياسية ودينية تتمسح بإسم الطائفة أو العرق أو الدين أو المذهب وتدعي الدفاع عنها.. وهاهم اليوم أصحاب هذه البروباغندا قد بدؤوا بالفعل يقطفون ثمارها المريضة على شكل سلطة دينية ودنيوية مفتعلة وفاقدة للشرعية ومال وجاه جلّه حرام له أول وماله آخر بدأت آثاره تظهر عليهم في ملبسهم ومظهرهم وممتلكاتهم وحساباتهم والخ.. الخ.. الخ.

خاتمة لمن جفّ منهم عرق الخجل
نقول لهذه الأحزاب وقياداتها وسياسييها وفضائياتها الموتورة وأقلامها المسمومة بأنه لو كان أتباع أهل البيت هم فقط من شيعة العراق كما تحاول أن تروج اليوم لَما رأينا الألوف من سنة العراق يزورون أضرحة أئمة أهل البيت( ع ) يومياً ولو كان أهل السُنة هم فقط من سُنة العراق لما رأينا ألوف الشيعة العراقيين يزورون ضريح الشيخ عبد القادر الكيلاني والإمام أبو حنيفة في بغداد.. بل إن الكثير من مسلمي العراق سنة وشيعة يزورون الكنائس الموجودة في العراق يومياً تبركاً بها وفي المقابل فإن الكثير من مسيحيي العراق يزورون يومياً مراقد الأئمة والأولياء الصالحين المسلمين المنتشرة في العراق أيضاً تبركاً بها وتقديراً لأصحابها.. كما إن هنالك الكثيرين ممن يُسمّون أنفسهم اليوم أتباع أهل البيت وأهل البيت منهم ومن أفعالهم براء لأن لا أفعالهم ولا أخلاقهم كأفعال وأخلاق أهل البيت وهنالك الكثير ممن يَدّعون اليوم أنهم من أهل السُنة ومن المدافعين عن بيضتها وبيضة الإسلام في حين أن سُنة الرسول وصحابته براء منهم ومن أفعالهم الى يوم الدين.. لذا مهما فعلتم ومهما كدتم ومهما وضعتم من حواجز وجدران كونكيريتة بين كاظمية الأمام الكاظم ( ع ) وبين أعظمية أخيه في الإسلام وفي حب الله ورسوله وأهل بيته الكرام الإمام أبو حنيفة النعمان ( رض ) فإنها بإذن الله الى زوال وستبقى سيرة المحبة والمودة بين هاتين المدينتين البغداديتين العظيمتين وأهلهما كعظمة بغداد تحكيها قصة عثمان إبن الأعظمية الذي ضحى بحياته في سبيل إنقاذ جيرانه وأخوته من أبناء الكاظمية يوم حدثت فاجعة جسر الأئمة.. وسيبقى الأعم والأشمل والأجمل هو أننا جميعاً عراقيون يجمعنا ويُشرّفنا الإنتماء للعراق أرض الرافدين ومنبع الحضارات قبل الإنتماء لأي شيء آخر أما الخصوصيات الدينية والقومية والمذهبية والطائفية فهي شأن أصحابها فقط ولا تُعلى وأكرر لاتُعلى ولن تُعلى على العراق العظيم.

مصطفى القرة داغي
[email protected]