ربما ما لم ينتبه إليها الكثيرون في العالم وقد تعرفها القوى الكبرى حق المعرفة بفضل تقدمها العلمي و التقني و لكونها هي نفسها مصدر المشكلة، و المشكلة المعنية هي مشكلة الاحتباس الحراري أو ظاهرة البيت الزجاجي، فصار من الواضح إن ارتفاع حرارة الأرض أمر واقع لا محالة، وقد بدأت أثاره الواضحة في القطبين الشمالي و الجنوبي من الكرة الأرضية، أما العودة عن تسخين فأمر لا يمكن تصوره، لعدة أسباب:
1- ليس صحيحا بأن ظاهرة الاحتباس الحراري تعود لمجموعة جزئية من أسباب كما يقال، مثلا بسبب احتراق الوقود الأحفوري فقط، بل الأسباب أعمق من تلك ربما تشمل معظم الأنشطة البشرية الحديثة، و يمكن عد عشرات أذا لم نقل مئات أو ألاف من الأنشطة البشرية تساهم في تسخين الأرض، بمعنى أوضح أذا أريد (تبريد الأرض) و أعادتها إلى ما كانت عليها قبل قرن من الآن مثلا، فذلك يتطلب إزالة كل أو معظم أسباب تسخين الأرض.
2- و اتساقا مع السياق أعلاه فان معظم الغالب من الأنشطة البشرية الحديثة في كل المجالات من الصناعة و المواصلات و الطاقة و السكان و غيرها مصدرها الرئيسي القوى الكبرى في العالم و هي الآن تنحصر في مجموعة دول لا تتعدى ثلاثين دولة، وهي وان تفاوتت في وجهة نظرها في كيفية معالجة شؤون العالم بما فيه شأن المناخ و تسخن الكرة الأرضية، غير أنها لا تشق عصى الطاعة على مصالحها الخاصة، و تبريد الأرض يعني أضرار مباشر لصناعة و تجارة هذه الدول و القوى.
3- و أيضا اتساقا مع 1و2 أعلاه، لا يمكن أن تعود الكرة ألأرضية لتبرد بسهولة، ببساطة ولو إن كل دول العالم وافقت على كل بنود اتفاقيات المناخ القائمة بما فيها تلك الدول التي رفضت سابقا فعل ذلك و في مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية، فان الكرة الأرضية لن تبرد بدليل واحد بسيط، وهو متابعة أرقام إنتاج الطاقة بكل أنواعها بما فيها النظيفة و الصديقة للبيئة لأنها كلها جميعا تضيف سعرات حرارية إلى الكرة المحدودة المساحة و التي تسمى الكرة الأرضية، ناهيك عن ذلك، فمثال بسيط أخر يمكن أن توضح آليات التي ستجعل مسألة التلوث و تسخين الأرض مستحكمة عن الحل، فالدولة (س) أو الشركة (ص) تريد أن تكون صديقة للبيئة بعد الآن، فتولد الطاقة من الشمس أو الرياح أو المياه أو النبات الخ، ولكن تستخدم هذه الطاقة لصناعة ماذا نقول كلها ملوثة للبيئة و تولد مصادر جديدة لتسخين الأرض مثلا صناعة اللدائن أو صناعة السيارات الخ، أو حتى لأغراض التدفئة للسكان فهي تولد سعرات حرارية أضافية تطلق في جو الأرض.
4- وفي نفس الوقت هناك ما يمكن اعتبارها مجموعة معادلات ثابتة سوف تسير الأرض نحو التسخين و لتوضيح ذلك نقول أولى هذه المعادلات هي السكان، و لو نأخذ مثلا بداية القرن العشرين كم كانت سكان الأرض 1-2 مليار، أما الآن فهي ستة مليارات موزعة على نفس المساحة الثابتة، و المعادلة الثانية هي نشاط هؤلاء السكان و في هذا المجال نقارن عدد من الأنشطة بين الحالتين، فمثلا كم كانت حصة الفرد من الطاقة المستهلكة للأغراض العامة مثل التدفئة و التبريد و التنقل و تصنيع السلع و الخدمات الخ(هنا المقصود ليس الطاقة الحيوية المكتسبة أو المفقودة داخل جسم الإنسان الفرد)، و النشاط الثاني الحركة و التنقل، و النشاط الثالث توليد الفضلات بمعنى النفايات و العوامل الملوثة و المدمرة للبيئة و ليس المقصود الفضلات الحيوية لجسم الإنسان، و هناك عشرات أوجه مقارنة أخرى مثل متطلبات التربية و التعليم و التقدم الصحي و تكون التجمعات السكانية الكبيرة و زيادة العمران و العمر و النزعة الاستهلاكية الخ، و لا شك أن أي ذي لب سيقتنع بأن أنشطة السكان ذي مليارين في بداية القرن العشرين كانت لا تتعدى 5%-10% بتقدير مبالغ فيه بمقارنة لأنشطة 6 مليارات من السكان في مطلع القرن الواحد و العشرين، و المعادلة الثالثة الثابتة هي التقدم العلمي فهو المارد الذي لا يمكن السيطرة عليه بالحجز أو التوقيف أو المنع أو الأرجاء الخ، و هو مثل التفاعل النووي المتسلسل حلقة تولد أخرى لتستمر بدون حدود أو قيود.و المعادلة الرابعة هي توزع المؤثرات السلبية على الأرض، فمثلا في بداية القرن العشرين كانت ما تتأثر بالمؤثرات السلبية من المساحة الكلية للأرض بما فيها المسطحات المائية من البحار و المحيطات و كذلك اليابسة بما فيها قمم الجبال و الغطاء الثلجي كانت لا تصلها المؤثرات السلبية إلا بنسبة لا تتعدى 5% من المساحة الكلية للأرض، بينما هذه المؤثرات الآن قد وصلت إلى نسب قد تقارب 100%.
خلال بضع أسابيع الماضية و لا زال هناك نشاط غير اعتيادي لدول و قوى كبرى نحو القطبين الشمالي و الجنوبي من الكرة الأرضية، فقد أعلنت بعثة روسية نصب العلم الروسي(المعدني) في عمق 4200 متر تحت قاع المتجمد لبحر الشمال، بينما زار رئيس وزراء الكندي مناطق قطب الشمالي و قال بان ملكيتها تعود لكندا، و زارت مستشارة ألمانية ميركل جزيرة كرين لاند، بينما أعلنت الصين تجديد منشاتها الخاصة بالأبحاث القطبية في القطب الجنوبي و عاد ت أحاديث و التجاذب بين عدد من دول حول أحقيتها بالمناطق القطبية وهكذا دواليك، و هناك نشاط محموم لدول و قوى كبرى نحو القطبين الشمالي و الجنوبي، و قد تحدثت عدد من التقارير والمقالات و التحقيقات الصحفية عن احتمال قيام (حرب القطب البارد)، و ما يلفت النظر بأن هذه الأنشطة المحمومة للدول و القوى الكبرى تأتي في أعقاب تقارير تواردت عن أبحاث علمية خلال السنوات القليلة الماضية و بالذات خلال الشهور القليلة الماضية، تتحدث هذه التقارير بما يمكن تسميتها أو تصورها مجازا بأنها كرة نار هائلة تتقدم من الفضاء باتجاه الأرض، و سكان الأرض يتابعون تقدمها و بين صراخ و فزع و رجاء تتقدم الكرة النارية باتجاه الأرض، و قد زال الآن تقريبا كل شك بأنها لا محالة ستصطدم هذه الكرة بالأرض و ستحرق جزءا كبيرا منها، ولكن في هذه الأثناء فأن الوقت يسير بأسرع مما كان يظن، فهذه الكرة النارية تزداد سرعة كلما تقدم نحو الأرض، فوقت الصدام يقترب يوم بعد أخر، وما ورد من نقاط أعلاه توضح بأن التحدث عن تبريد الأرض ضرب من الخيال إلا في حالتين فقط:الأولى أن يغادر سكان الأرض الستة مليارات الكوكب الأزرق( الأرض) الآن و بدون رجعة إلى أينما يشاءون، و في هذه الحالة تحتاج الأرض بضعة عقود إذا لم نقل قرون لتعود لتبرد و ترجع إلى سابق عهدها، و الحالة الثانية أن يتخلى سكان الأرض فورا عن كل التي بأيديهم و يعودوا يمارسوا الحياة كما كان يمارسها أجدادهم في ألأزمنة الغابرة ربما قبل الميلاد أو حتى قبل ذلك، و بالطبع فأن تطبيق أي من الحالتين فهو المستحيل فإذا تبريد الأرض هو المستحيل بعينه.
منذ زمن بعيد يسود اعتقاد أو نظرة أو نظرية في علوم الجغرافيا و الجيولوجيا و دراسات المناخ وقد عززتها الدراسات الحديثة للجغرافيا وجيولوجيا و المناخ في الفضاء، بأن المناخ قابل للتحول في جزء من الكوكب أو النجم، بمعنى قد تكون هناك في كوكب معين في فترة زمنية محددة منطقة معينة جليدية أو صحراوية أو مغطى بالمياه، غير إنها في فترة أخرى قد تتغير إلى العكس فمثلا المنطقة الصحراوية قد تتحول إلى منطقة جليدية والعكس بالعكس، و هناك عشرات الشواهد عن حدوث هذه التغيرات عبر تاريخ العصور الجيولوجية للأرض، هذه التفاعلات تعتمد على ما يحدث في أجزاء أخرى على نفس الكوكب أو النجم، و في حالة الأرض و ضمن موضوع قيد المناقشة و الجدل أي تسخين الأرض فأن تأثيرات تسخين الأرض تمتد إلى كل أجزاء الكرة الأرضية، ولكن ما هو واضح من هذه الـتأثيرات ما قد حدث أو يحدث في القطبين الشمالي و الجنوبي للكرة الأرضية، لأن العامل الذي تغير على الكرة الأرضية هو عامل الحرارة و هو مضاد للعامل الموجود في القطبين الشمالي و الجنوبي، ولكن عندما يغير عامل الحرارة المناخ في القطبين الشمالي و الجنوبي و أيضا المناطق المدارية الباردة و تذوب كميات هائلة من الجليد تجمعت خلال عصور و تتدفق مياه أضافية إلى بحار العالم، وفي نفس الوقت تستمر درجات الحرارة بالارتفاع مما يعني مزيدا من تبخر المياه و الأمطار و مزيد من اختلال الكتل الهوائية ليخلق مزيدا من العواصف و الإعصار، و عند هذه ستسود فوضى بمعنى لا يمكن التنبؤ في هذه الحالة ما سيحدث، ولكن بالعودة إلى النظرية السابقة الذكر، يمكن التوصل إلى استنتاج تقريبي وهو إن ما يعرف ألان بأنها مناطق حارة و دافئة و شبه باردة في الكرة الأرضية و المسكونة حاليا بمعظم سكان العالم قد تتحول هذه المناطق إلى أما مناطق حارة أو حارة جدا بمعنى أنه لا يستبعد مطلقا في المستقبل إن تتكون مناطق على الكرة الأرضية تقاس درجات حرارتها بدرجات غير مألوفة على كوكب الأرض مثلا 80-200 درجة مئوية فتجري الأنهار في هذه المناطق وهي تغلي، و يمكن تشبيه تكون مثل هذه المناطق بما يحدث الآن حيث تكونت بقع في سواحل عدد من المحيطات و البحار و الأنهار تسمى (السواحل الميتة) و ذلك نتيجة للتلوث، أوقد تتحول بعض المناطق على الكرة الأرضية و خاصة المناطق المدارية إلى مناطق باردة جدا بحيث يصعب السكن فيها أو حتى يستحيل، بمعنى قد تتحول أفريقيا إلى منطقة متجمدة، ربما قائل يستبعد هذا السيناريو معترضا بأن مثل هذه التحولات قد استغرقت عصورا جيولوجية على الأرض تقدر بمئات ألاف أو بملايين السنين، ولكن هذا الاعتراض مردود، لأن تلك التحولات كانت تحدث و الأرض تدار أمرها بعواملها الداخلية المناخية من الحرارة و البرودة و غيرها، بينما الآن هذه العوامل تأتيها من خارج نظامها الداخلي من قبل البشر و خاصة الحرارة، و بصورة أوضح هات قطعة حديد وزنها كيلو غرام واحد و سخنها بمصدر حرارة يبلغ مثلا قدرة 500 سعره حرارية راقب ماذا يحدث، زيد الحرارة إلى ألف سعره ثم إلفين ثم خمسة ألاف راقب ماذا يحدث المثال واضح و بسيط، من المثال أعلاه نستطيع أن نختصر الوقت بأن نسخن قطعة الحديد بدرجة خمسة ألاف سعره مباشرة دون المرور في المراحل السابقة، بمعنى أوضح بكثير ما يؤكده العلماء و الخبراء و المختصين يوميا تقريبا بأن حرارة الأرض في طريقها مستمر في الارتفاع و ترتفع في عقد من الزمن الآن بما كان يعادل و يزيد بما كان ترتفع في قرن سابقا، و هذه الأرقام ليست صحيحة تماما لأنها مرتبطة بتاريخ تسجيل درجة الحرارة على الأرض و الأصح أن درجة حرارة الأرض لم تتغير منذ عصور، و ربما بدأت تتغير فقط مع بدأ نشاط الصناعي و المدني الحديث، فإذا احتمال السيناريو أعلاه وارد جدا، أي أن تتحول الأقطاب و المدارات عل الكرة الأرضية و خلال وقت قصير جد عقد أو عقدين أو ثلاثة أمر وارد جدا.
ربما أكثر التنبؤات و التوقعات الشائعة حول نوايا القوى الكبرى تركز اهتمامها على مطامع هذه القوى و الدول بالثروات الطبيعية المكتشفة و المفترضة في أراضي و مياه المتجمدة في القطبين الشمالي و الجنوبي و بصورة خاصة النفط والغاز، فهما المثالان القريبان لتفسير التهافت المفاجئ للقوى الكبرى وخاصة في الظروف الراهنة حيث ترتفع أسعار الطاقة بشكل يومي مستمر و تزداد الطلب عليها تهافتا، وقد تكون هذه التنبؤات و التوقعات صائبة في تناول جانب واحد من الموضوع، ولكن للموضوع جانب أخر غير منظور وهو جانب الفتح الجغرافي، و ربما قد تشبه هذه العملية الفتوحات الجغرافية في القرون الماضية مثل اكتشاف أمريكا و سبر غور مجاهل إفريقيا و غزو أجزاء كبيرة من أسيا، و العوامل هي نفسها في الحالتين القديمة و الراهنة أي البحث عن الثروات و توسيع الرقعة الجغرافية لزيادة الكبيرة في السكان و يضاف إلى كل ذلك العامل الجديد الذي شرح أعلاه بمعنى قد يأتي يوم و ربما هذا اليوم ليس ببعيد لا يمكن السكن في المناطق المدارية و الشبه المدارية لارتفاع درجات الحرارة فيها إلى درجات أعلى من درجات تحمل البشر و الأحياء، ولا يمكن السكن في المناطق الاستوائية و شبه الاستوائية لانخفاض درجات الحرارة فيها أدني بكثير من طاقة تحمل البشر و الأحياء، بينما تتحول المناطق القطبية إلى مناطق معتدلة المناخ، ويتحول العالم الغني بمجموعة دولها المحدودة و التي فرهدت لها مسبقا مناطق جغرافية في القطبين الشمالي أو الجنوبي أو كليهما , بينما يتوزع الباقين من الفقراء بين جحيم و زمهرير الأرض بحسب رغبتهم و إمكاناتهم.

* الفرهود كلمة عراقية دارجة و يقصد بها عمليات السلب و النهب و الاغتصاب و السرقة و الاستيلاء على الممتلكات العامة و الخاصة و بصورة خاصة في الفترات الانتقالية عندما تسقط سلطة قوية قائمة و لم ترسخ السلطة الجديدة مكانتها بعد، و أيضا عمليات الفرهود تحدث في أعقاب الحروب بعد هزيمة أحد طرفي الحرب و بالطبع أخر فرهود حدث في العراق عقب غزو الأمريكي و سقوط نظام صدام حسين في نيسان 2003، و يقال في الشارع العراقي بأن الفرهود القادم سيحدث بعد هزيمة القوات الأمريكية في العراق و انسحابها على عجل، و يقال أيضا إن هناك مجموعات تهيأ نفسها لهذه العمليات في المستقبل.

كاتب عراقي
بغداد-العراق