اصدرت منظمة الصحة العالمية منذ ايام قلائل بيانها الذي تناقلته وكالات الانباء والصحف العالمية وحذرت فيه من الخطر الداهم الذي باتت تشكله الامراض المعدية علي حياة البشرية،ومما يدعو للاسي ان هذا التحذير ليس جديدا،كما انه لايمس جوهر المشكلة فخطر الامراض المعدية لايقتصر علي سرعة انتشارها بل يشمل اسبابا اعمق واكثر خطورة من المناسب ان يحيط بها القارئ ولو احاطة عابرة عندما اكتشف فلمنج البنسلين قدم في يد البشرية سلاحا هاما لمحاربة الميكروب،لكن بعض سلالات البكتيريا سرعان ماطورت انزيمات دفاعية ضد مفعول البنسلين واصبح لدينا الآن عددا كبيرا من البكتيريا المقاومة لمفعول البنسلين،كما ان ميكروب التيفود طور مقاومته الفاعلة ضد عقار الكلوامفنيكول،ولايقتصر الامر علي السلالات البكتيرية فطفيل الملاريا مثلا اصبح مقاوما لعقار الكلوركين،وقد كان الكلوركين مثلا هو العقار المثالي لعلاج الملاريا في الخمسينات لكنه لم يعد يشكل اهمية تذكر من جهة اخري،لايعتمد الانسان في مقاومة الامراض المعدية علي العقاقير فقط،بل يعتمد في مقاومة الامراض خاصة تلك الناتجة عن الفيروسات علي جهازه المناعي، وقد اثبتت الابحاث بمالايدع مجالا للشك بأن سوء التغذية يضعف من الجهاز المناعي.....ليس من المستبعد اذن خلال تلك المعركة الضارية بين الانسان والميكروب ان يطور الميكروب قدرات قد لاتخطر علي بال بشر.لقد عبر عن هذه الحقيقة بوضوح العالم الامريكي الشهير quot;هانز زنسرquot;حين قال منذ مايزيد علي النصف قرن (الحق ان الشواهد المستمدة من علم البكتيريا الحديث تنزع الي تأييد الرأي القائل ان الامراض المعدية دائمة التغير،وربما كانت سرعة تغيرها لاتكفي لتسبب الارتباك في تشخيص الامراض في فترة معينة ولكن من الواجب ان نضع هذا العامل موضع الاعتبار في دراسة الاوبئة....وممالاشك فيه
ان احدا لم يستطع ان يحول كائنا يعيش علي المواد العفنة الي كائن طفيلي،ولكن من السهل ان نسبب مرضا قاتلا بواسطة كائن ضعيف القدرة علي التطفل وذلك باضعاف مقاومة العائل)ولقد قلت في كتابي المنشور في سلسلة عالم المعرفة الكويتية تحت عنوان (امراض الفقر....المشكلات الصحية في العالم الثالث)ان الطبيعة قادرة علي منافسة احدث مختبرات الحرب الميكروبية لأن المختبر الذي تعمل من خلاله يضم بلايينا من البشر الضعفاء وبلايين البلايين من الميكروبات واذا امكنها ذات يوم ان تقدم للبشرية ميكروبا له تلك الفوعة والقدرة علي الانتشار الواسع كتلك التي كانت للطاعون او الجدري فان كارثة الايدز ستصبح حينئذ مجرد شرارة واهية بجانب
آتون من اللهب ولن يكون لهذا الجحيم من سبب غير عجز البلاد الفقيرة وبلادة الدول الغنية ولقد شهدنا خلال اقل من حمسة عشر عاما علي صدور هذا الكتاب بجانب وباء الايدز اوبئة السارز وانفلونزا الطيور،ومن يدري ما يخبئه لنا القدر