فى طريقى الى احدى المدن الساحلية هربا من الحر والرطوبة العالية.استوقفنى اولادى لشراء بعض الاشياء من أحد المراكز التجارية المشهورة على الطريق الصحراوى المصرى.
وخلال وقفتى فى ساحة المركز التجارى إلتقطت أذناى حديثا للحق شيقا مع انه معادا.. كان عالى النبرة ومتداخل الى حد ما مما اثار انتباهى.
وقف الرجل مستاءا یقول لزوجته لقد اساءوا لنا من جديد ولکن هذه المرة فى السوید قد ظهرت الرسومات المسيئة للرسول الكريم.. لالا.. اعتقد فى بريطانيا يا ام حمد فقد انعمت الملكة على كاتب لا اتذكر اسمه بنيشان او ما شابه ذلك..
نظرت زوجته من تحت النقاب بصعوبة متلفتة حولها وهى تقول لا حول ولا قوة الا بالله .. ابادهم الله اولاد الخنازير.. هى المقاطعة يا ابو حمد. المقاطعة والله..
وافقها الرجل وهو يمشط لحیته بأصابعه المنسدلة على صدره .. فعلا .. لابد من مقاطعة البضائع الدنماركية والسويدية والامريكية والفرنسية والنرويجية وكل من يساعدهم على الاساءة لنا.
وقبل ان يكمل القائمة السوداء للدول الممنوعة من الصرف لدينا.. ووسط دهشتى.. نظر الشاب لوالده فى استغراب ضاحكا وماذا سنأكل يا والدى بعد ذلك؟ وكأنما نطق هذا الشاب بما فى نفسى.
نهره الاب فى ضيق وهو يقول له مش لازم تاكل يا سيدى هامبورجر وبيتزا وماكدونالدز..
اخذت بيد الشاب.. اعتقد اخته الاصغر وهى تهمهم له .. شوية ويغير رأيه اسكت انت الحين.
تبسمت من نضوج الصغيرة التى اعتقد لم يتجاوز عمرها الخامسة عشرة ربيعا.
هالنى بعد ذلك ان الرجل كان يداعب بطرف عينه البضائع الاجنبية فى غفلة من اسرته ويتصفح سعرها .ولكن ما اضحكنى فعلا وجعل صوتى يعلو بالضحك عندما جاءت الزوجة مسرعة تقول له هناك عرض كويس جدا يا ابو حمد ومخفض جدا لدرجة لا تتصورها ومحتاجينه فى البيت.. التفت اليها وهو يقول لها طيب اشتريه وتسألينى ليه هو انا ست البيت يا ام حمد.؟؟!!
العرض ببساطة كان لبعض المنتجات الامريكية بسعر مخفض جدا . نسى الرجل كل ما جاء فى محاضرته لولده وزوجته من لحظات امام العرض الامريكى السخى تخيلت ان الرجل سينهرها او يرفض الشراء او يطلب من المحاسب إلغاء الطلب عند الدفع . لكن ما حدث انه اخذ الاشياء ووضعها فى السيارة وهو يبتسم لزوجته قائلا (طول عمرك مدبرة يا ام حمد).
سألنى اولادى عن سبب ضحكى..
قلت ضاحكة فى مرارة.. ببساطة ضاعت الانتفاضة..
ابتسموا اولادى.. انتفاضة فلسطين.. تقصدين!!! اوووه.. يا ماما ضاعت من زمان..
ومتحسرة .قلت فعلا على رأيكم.. ضاعت وضاع غيرها و(ضعنا) من زمان.
لا يعلم هذا الرجل وامثاله من نشطاء المقاطعة (عمال على بطال )كما يقول المثل المصرى. ان هناك ما هو اخطر من العطور والثياب والاطعمة ووووو.هناك الافكار المستوردة والسياسة والاخلاق والطائفية وو gt;gt;كل هذه اشياء نستوردها الان رغما عنا وممنوع علينا النقد او التساؤل.
للأسف لا يشغل بال المواطن العادى الا لقمة العيش التى يبحث عنها نهارا لينام آمنا ليلا.. لا يشغله كتاب جديد او فكر جديد ولا قرار حكومى جديد..
بل يشغله فتوى تبيح له بعض المحظور وتحرم الحلال لشيخ فضائى جديد ، اواعرف برجك وافتح حظك، وفسر حلمك. وحلمك يا سى علام!!
الشعوب اصبحت تأكل الهمبورجر وشبابها يرقص على انغام الروك ويمكن سعد الصغير وبحبك يا حمار.. والشيوخ يحلمون بهيفاء والازواج يفكرون فى الطلوع الى الروف مع الست بوسى.. و النساء مكبلات الى الفضائيات والامبيسهات بقنواتها الاربعة. يفكرن فى الشد والنفخ والتركيب والوشم.. وووو. وبناتها عاريات الخصر وان تحجبن فالحجاب حجاب دولى يصلح لكل الجنسيات فى رداء واحد وهذا يفرد له مقال خاص به.
هذا هو حال الامة باختصار امة تتهاوى فكريا واخلاقيا ومكبلة سياسيا وفى هذا يطول الحديث.. فهل نبدأ المقاطعة الفكرية ام المقاطعة التجارية والغذائية.ايهما اجدى يا قوم؟؟!! أفيقوا يا عرب.. أفيقوا.. .. .. .رعاكم الله.. واعلموا ان الغرب اصبحت لا تفرق معه لعبة المقاطعة هذه .
وانا لا الوم هذا الرجل الذى تاه منه الطريق والمبدأ فى لحظات ولكن من الواجب تحسس نقاط الضعف ومواطىء الجرح فى مجتمعنا .
المقاطعة شىء رائع لاشك فى ذلك ولكن نقاطع من؟؟ونقاطع ماذا؟؟ وهل لدينا البديل المحلى؟؟ اشك فى ذلك بل يكاد يكون مستحيلاً..
هو حلم لاشك ان نقاطع كل ما هو اجنبى الصنع .. ولكن ماذا نفعل مع اتفاقيات الجات؟؟ ومع غيرها من اشياء تكبلنا وتقدم مستقبلنا للطرف الأجنبى على طبق من فضة؟

فكروا بالتنمية الفكرية والانتاجية.. وايجاد الطرق المناسبة للإعتماد على أنفسنا بدلا من مد اليد لأستيراد القمح السلعة الاستراتيجية. وما اكثر ما نستورده من منتجات نحتاجها ولا نحتاجها..
فكروا فى البناء وزيادة الانتاج من اهم محصول وهو القمح الركن الهام وحصن الامان للشعوب العربية والسبيل الوحيد للفرار من التبعية الامريكية والغربية عموما وذلك قبل التفكير بالمقاطعة..

.. تعلموا من النمور الاسيوية وخذوا منهم الدرس وقد اصبحوا الان قوة عالمية تجتاح كل الاسواق الاوربية قوة لا يستهان بها بعد ان كانت دول مسحولة ومحتلة.
أفيقوا .. .. .. .. .
وتحيتى

[email protected]