-1-
القرار اليوم غير ملزم.. بروفة يعني، من يشتري يشتري..من لا يريد الشراء، يجرب الثوب قبالة المرآة فيرى إن كان يناسبه لونه وحجمه وشكله، يشتريه وإن لم يكن مناسبا، يتركه لفرصة أخرى يكون فيها قادرا على دفع الثمن لإقتناءه والخروج به مزهوا إلى الشارع، المرقص، المسجد أو سرير الزوجية.
بغير ما تجريب أمام المرآة، هتف الأحبة الأكراد أنهم موافقون...!
بغير ما تساؤل عن الثمن، الحجم، الضرورة، الآفاق المستقبلية، النتائج، الجدوى العملية، نوعية القماش، إمكانية أن يكون دافئا، قادرا على الحماية من المطر والريح والأنواء...!
بغير ما إعتراض، هتف الأحبة الأكراد بالموافقة، وفسروا الأمر على أن هذا التقسيم هو الفيدرالية المرجوة..!


نعم هذه هي الفيدرالية في عرفهم...هذه هي الفيدرالية التي جعلتهم يعودون للإلتصاق بالعراق عقب سقوط النظام، لينتزعوا على عجل كل ما يمكن إنتزاعه من البيدر العراقي قبل أن يخرج الأمريكان.
بغير ما تردد، اعلن الأكراد ترحيبهم وسعادتهم بالقرار ( البروفة ).
وليس لهم إلا أن يفعلوا، لأنهم مدركون أن الطرف الآخر ( الموالي لإيران ) لا يقل عنهم حماسا وإن على استحياء.


وكلاهما خاسران.. الأكراد وعملاء إيران..!
كلاهما خاسران وإن على المدى البعيد، لأن ما يؤخذ بالإبتزاز والعمالة، لا يمكن أن يدوم أو يثمر.
إذ.. دولة الباطل ساعة، ودولة الحق حتى قيام الساعة..!

-2-
الآخر لا يقل ترحيبا بالقرار ( الفضيحة ) عن زعماء الإقطاع الكوردي..!
بعثي سابق وشيوعي في وقت لاحق وإسلاموي ( من اتباع آل البيت ) في عصر ظهور الحجة ( عج)، هتف البارحة بحبور ( هذا القرار هو الفيدرالية بعينها، وهذا ذاته ما كان عليه العراق ايام العثمانيين ).
ولم ينس فخامته أن يفتعل مقاربة خبيثة بائسة هدف من وراءها إلى إرشاء العرب وخداع العراقيين، إذ قال ( أن هذا هو ذاته القائم في دولة الإمارات العربية المتحدة )..!
فات الرجل الهمام أن الإماراتيين لم يقسموا بلدا موحدا، كما يزمع هو، بل وحدوا ما كان مقسما متناحرا اصلا..!


ثم..هم إتحدوا بإرادة ذاتية لا بقرار من الكونغرس الأمريكي، بينما التقسيم المراد للعراق، تقسيم عدواني إستغلالي اجنبي، لم يختره من العراقيين إلا القلّة ممن ليسوا من اهل العراق اصلا، وممن يحنّون منذ دهر طويل للعودة إلى الوعاء الأم، حاملين غنائم هذا البلد البائس.
ونظنّك عارفٌ بهوية هؤلاء جيدا يا فخامة نائب الرئيس!!


وأخيرا..ما فعله الإماراتيون وبسنوات قليلة عقب التوحيد، يشهد بجدوى خيارهم الوطني، إذ في بحر بضعة اعوام خلق هؤلاء معجزة إقتصادية اثارت إعجاب وإحترام القاصي والداني، وكانت خيرا ونعمة على العرب والعالم كله، بينما فخامتكم تقودون تيارا ماضويا يعتمد الخرافة والوهم ويعتاش على اللطم والمظلومية والنواح والنفاق واللصوصية، وقد لمس العالم كله حجم الخراب الذي سببتموه لإقليمكم الطائفي ذاته حتى قبل أن يتحول القرار ( البروفة ) إلى قرار ملزم، فأين فيدراليتكم من فيدرالية الإمارات، وماذا تراكم فاعلين حين يغدوا قرار الأمريكان ( لا بارك الله بهم ) مُلزما؟

-3-
لا نشك في أنه سيغدو ملزما في القريب، بل وسيتوسع ليشمل بقية الشرق كله.
هذا هو ما اراده الأمريكان لنا، هذا هو الشرق الجديد الذي وعدونا به.
شرق ممزق تتناحر اطرافه مع بعضها البعض، بينما البترول يصب في فم الماكنة الصناعية الأمريكية ليعود لنا سلاحا نقتتل به مع بعضنا.


رفاهٌ في الغرب وخراب في الشرق، وذلك هو الجزاء الوفاق لتخلفنا وعدوانيتنا وعنجهيتنا التي نشرت الدمار في العالم كله تحت وهم الجهاد والإيمان وتطويع الأمم والحضارات لأفكارنا الظلامية الرعناء.
هذا هو ثمن غزوة بن لادن وسفاهات الإسلامويين القتلة.
الذين صفقوا لغزو العراق، سيبكون قريبا لا على بغداد المضاعة، بل على عواصم بلدانهم التي سيغزوها الجراد الأمريكي والإيراني.


اما من هزجوا طربا لمشهد إعدام صدام، ورقصوا بحبور حول جثته، فها هي لعنته تصيبهم، وها هم يرقصون نشوة حول جثث ابنائهم وأخوتهم وأبناء طوائفهم الذين يقتلون بأيديهم ذاتها.
وقريبا..قريبا سيعلقون زعمائهم ذاتهم على اعواد المشانق، وسيرقصون حول جثثهم، كما رقصوا حول جثة المغدورين فيصل الثاني وصدام حسين ( مع الفرق الكبير بين هذا وذاك )..!
من شبّ على شيء شاب عليه.. ومن إعتاد فعلا، سهُل عليه تكراره مرات ومرات و..مرات.

كامل السعدون