عرفتك قبل خمسة وثلاثين عاما عندما رأيتك قبالتي وأنا ألقي قصيدة للطفولة في احتفال سنوي للهلال الأحمر الذي كان في السبعينات رمزا للوطنية الحرة تحت الاحتلال،و قبلة لكل مثقفي غزة..!!

وقابلتك قبل أكثر من ربع قرن هل تذكر؟!!

يومها منحتني من وقتك عشر دقائق،وسلمتني شيكا من الهلال الأحمر دعما لنشر مجموعتي الشعرية الأولى..!!

كنت مؤمنا بي شاعرا كما كنت مؤمنا بك قائدا..

لم ولن انس يا أستاذي العظيم د.حيدر هذه البداية في علاقتنا التي استمرت عبر تزاملنا في البوح الوطني و السياسي من خلال صحيفة القدس المحلية،وذات يوم فاجأتني عندما رشحتني بقوة للمشاركة معك في بناء جسم سياسي له دوره ولكن ومع احترامي الشديد لك ولفكرك النقي أحجمت من فرط صعلكتي التي تبتعد تلقائيا عن تجمع خليط مستعجل من الارستقراطيين والبرجوازيين والمتسلقين الجدد..!!

وبعد وقت قصير عرفنا جميعا إن أسباب فشل البناء لم تكن في روح الفكرة وإنما في المعاول التي لم تكن ببساطة معاول بناء فقد كانت معك ظاهرا ولكنها بأنانياتها وسيئاتها كانت عليك باطنا..!!

وأتذكر الآن محاولتي الرومانسية الساذجة..مع ظهور أعراض الفساد.. في الجمع بينك وبين فضاء وطني عائد قديم انحفر في وجداني مع تظاهرات أيام التلمذة فالتقيت بك من خلال رفيقك البار دائما quot;عبد العزيز أبو القراياquot; وبسهولة شديدة على مدى نصف ساعة بينما انتظرت ساعتين لألتقي بمناضل من طراز عبد الله الحوارني..!!

اكتشفت وبعد كآبة الصدمة إن أمنية رص الجهد الوطني ليست بالبساطة أو بالسذاجة التى أعتقد،وان المشارب والحسابات الخاصة ربما تلتقي على كل شيء الا الوطن..!!

حقا لاتدعنى الذكريات بتدافعها أكمل الكلمات..

عرفت عنك بعد اقتراب أخلاق الفرسان وحكمة الشيوخ وكنت أحس بمشاعرك المرة عندما كنت كما الزوج المخدوع على امتداد الطريق من مدريد الى اوسلو.. وقد حاول الزعيم الراحل ياسر عرفات على ذمة أحد المقربين ممن حضروا الواقعة إن يخفف عنك عندما شكوت له سوء حال أهل الضفة والقطاع اقتصاديا بعد همود الانتفاضة الأولي فقدم لك شيكا خاصا بمبلغ 100 ألف دولار تقديرا لخدماتك..فما كان منك الا أن رفضت قبول الشيك بلغتك المهذبة الواضحة فقد كنت تريد دعما لشعبك لا لنفسك مما دعا عرفات الى إن ينظر نظرة ذات معنى لكل من حوله ممن اشتراهم بتلك الطريقة وهمس quot; ياولاد ال....هذا رجل حقيقي يبعث على الاحترام..!! quot;

نعم لقد كنت يا سيدي طوال مسيرتك السياسية رجلا نظيف اليد مؤمنا بوطنك إيمانك بنفسك.. تحملت في سبيلنا مالم يتحمله بشر..استطعت أن تنهض بالهلال الأحمر من جديد بعد إن احرقه فاشيون صغار..!! وتواصل أداء رسالته حتى قبل وفاتك بدقائق،ولم تمنعك احباطات الحسم ولا سرطان القولون المتفشي في الرئة.!!،

واستطعت كذلك إن توصل الى العالم في مدريد ببراعة وأمانة رسالة شعب محتل يقاوم الموت بالصبر والحجر، فكسبنا بك وبالانتفاضة احتراما بعثره العابثون فيما بعد جريا وراء نزواتهم وتفاهاتهم وبطولاتهم المنفرة..!!

واستطعت كذلك إن تنأى بفكرك العميق عن تجاذبات الجبارين المتناحرين وتزهد فيما لهث عليه الفاسدون والحاقدون..!!

زهدت ذات يوم في كرسي التشريعي عندما شعرت انه ليس أكثر من صفة شرفية في موكب فساد رغم الراتب المغري والvip والسيارة الفاخرة والحراسة الخاصةوبدلات السفر والغربة في حين لازال يتمسك العاجزون المحاصرون بمقاعدهم البالية وطموحاتهم الخاوية على بحر من الدم والكراهية..!!

أبا خالد..

لقد رحلت عنا..كما يرحل كل شيء جميل

لقد فارقتنا..ولم يبق حولنا الا نعيق البوم والغربان

في الخرائب..!!

تركتنا..ونحن أحوج ما نكون اليك..!!

أبا خالد للأسف..

يذكرني رحيلك القاتم في هذه اللحظة نحن أحوج ما نكون فيها إليك برحيل سعد زغلول عندما همس لزوجته وهو يرى مصر تتمزق بين الأنياب والأحزاب..quot;يا صفية..مفيش فايده..شدي اللحافquot;

ابا خالد..

أهنأ بخلدك في موتنا..وأصعد الى العلياء في اندحارنا

فأنت أتيت للوطن بشارة في الزمن الخطأ وعشت في وجداننا تاريخا ورمزا لا يعلوه الصدأ وانسللت من بيننا كآخر الرجال المحترمين..!!

توفيق الحاج