منذ أن أصبحت كردستان الرسمية/ العراق الكردي(حكومةً وبرلماناً)، والممثلة برئيسها الكاك مسعود البارزاني، quot;جارةًquot; quot;مرخصةًquot;، لتركيا، مذاك، والتصريحات التركية العدائية(من التركيَتين: تركيا العسكرية+تركيا المدنية)، ذات النكهة التهديدية والوعيدية، لهذا quot;الكيان الكرديquot;، الحديث، قائمةٌ على قدمٍ وساق.
فمرةً، توصف كردستان على لسان القادة الأتراك، بquot;الكيان الغريبquot;، وثانيةً بquot;الدولة الممنوعة من الصرف، تركياًquot;، وأخرى بquot;الكيان الخطير، والكيان الخنجر في الخاصرة الجنوبية الشرقية لتركياquot;، والذي من الواجب التركي quot;المقدسquot;، منعه، والوقوف بالضد من حدوثه، في كل المكان وكل الزمانquot;.

ليس لquot;كردستانquot;، أو quot;بلاد الأكرادquot;، في القاموس التركي(القديم والحديث)، أي محلٍّ يُذكر، من الإعراب.
quot;كردستانquot;، وفقاً لأدبيات تركيا العلمانية الأتاتوركية، وتركيا quot;الإسلامية الأربكانية، الأردوغانيةquot;، هي quot;البلاد النكرةquot;، أو المفترضة في أحسن الأحوال، حيث لا جغرافيا تحملها، ولا تاريخ قديمٍ أو حديثٍ، حسب المعلوم التركي، يحفظها.
هي، بحسب منطق quot;تركيا للأتراكquot;، ليست إلا quot;كياناً وهمياًquot;، لا وجود له، إلا في quot;الخيال الكردي المريضquot;.
أما الأكراد(حيث يتراوح تعدادهم في تركيا وحدها، حسب إحصائياتٍ معتمدة، غير رسمية، ما بين 18ـ20 مليون نسمة)، فلا يستحقون، وفق الإصطلاح التركي الشائع والمتداول، أكثر من كونهم quot;أتراكاً جبليينquot;، أو quot;أتراكاً رحل بدويينquot;.
والحال، فإنّ تركيا مستعدة(وفقاً لتصريحات قادتها وجنرالاتها، الجاهزة في كل المناسبات والإستعراضات quot;الأنتي كرديةquot;)، أن تطارد أي كيان كردي يتشكل، في أي مكان من هذا العالم.
كردستان، إذن، ممنوعة ومطاردة، تركياً(كما سورياً وإيرانياً)، مثلما منعها وطاردها دكتاتور العراق الأوحد صدام حسين، من قبل.

الإتفاق الذي أُبرِم الجمعة(28 سبتمبر/أيلول 2007) بين وزيري داخلية تركيا والعراق(بشير أطالاي وجواد البولاني) ، لوضع آليات لمطاردة عناصر العمال الكردستاني/التركي في عمق الأراضي العراقية، هو تتويج لما تم التوصل إليه الطرفان التركي والعراقي، بعد المحادثات التي أجراها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي مع المسؤولين الأتراك، في السابع من أغسطس/ آب الماضي. هو إتفاقٌ quot;كادquot; أن يذكرنا بquot;عراق الوراءquot;: العراق المتفق مع جيرانه على مطاردة الكرد وكردستانهم، من العمق إلى العمق. هو إتفاق جديد قديم، ومحاولة لإحياء(لا بل بعثٌ، أو تبعيثٌ) لذات الإتفاق العتيق، الذي كان يُبرم على الدوام، بين quot;عراق صدامquot; وتركيا، من أجل ذات المطاردة لذات كردستان وأكرادها المطارَدين أبداً.

فعلى الرغم من إصرار الجانب التركي، على ضرورة التوقيع على أهم بند في الإتفاق وهو quot;المطاردة الساخنة لعناصر حزب العمال الكردستاني في كردستان العراقquot;، إلا أن الأتراك فشلوا هذه المرة، بعد مفاوضات quot;شاقةquot;، دامت ثلاثة أيام في أنقرة، فشلوا مع الجانب العراقي، في الإتفاق على هذا البند الأساس، الذي تم تأجيل الحديث في شأنه، إلى محادثات أو لقاءات مشتركة أخرى، قادمة.
إشارة الجانبين واتفاقهما، مبدئياً، كحل وسط، على quot;تأجيل البت أو الإتفاق على هذا البند الأساسquot; يعني أنه سيكون هناك، في القادم من الزمان، صولات وجولات أخرى، لمواصلة المباحثات الثنائية، ومتابعة الإتفاق واستكمال بنوده الأخرى، كي يشمل حق تركيا في quot;مطاردة عناصر العمال الكردستاني، داخل أراضي كردستان العراقquot;.

الإتفاق، وقَّع بين الطرفين الجارين، تحت ذريعة quot;مكافحة الإرهابquot; أو quot;مطاردة عناصر حزب العمال الكردستاني ب ك ك، في عمق الأراضي العراقيةquot;، كان هذا هو الظاهر quot;الممكنquot;، من الإتفاق، إلا أنّ الباطن منه، يقول غير ذلك.

الباطن من الإتفاق، يُظهر أن أنقرة تريد أن تتفق مع بغداد الراهنة(كما بغداد الماضية)، على quot;ترخيص مشتركquot; لquot;مطاردة كردستانquot; وأمنها واستقرارها، لا لمطاردة quot;المتسللينquot; من الأكراد الشماليين المسلحين، كما قد يبدو من ظاهر الإتفاق الذي أُجِّل في بعضه، إلى quot;فرصةquot; أخرى. فquot;العمقquot; أوquot;الداخلquot; من الأراضي العراقية، المقصودان بهما في quot;البند الأساسquot;، الذي لم يتضمنه هذا الإتفاق، هو في الأساس، quot;عمق وداخل أراضي إقليم كردستان العراقquot;.

القادة الأكراد، يدركون بالطبع، خطورة تداعيات هكذا اتفاقات على أمن واستقرار كردستانهم. فقبل التوقيع على هذا الإتفاق quot;الناقصquot;، وفق الأجندة التركية، بساعات، صرح الناطق الرسمي بإسم حكومة إقليم كردستان جمال عبدالله، quot;أن أية إتفاقية بين العراق وأية دولة من دول الجوار لا بد أن تمر بجميع المؤسسات الدستورية في البلاد، ومن ضمنها المجلس التشريعي في إقليم كوردستانquot;.
وأضاف عبد الله في حديث مع راديو سوا quot;أن حكومة الإقليم لايمكن أن تكون أداة لتنفيذ أية اتفاقية لا تكون طرفا فيها أثناء مناقشتها أو إبرامهاquot;(بيامنير، 27.09.07).
حكومة الإقليم تعارض، للآن، هكذا اتفاقات تنص على quot;المطاردةquot; أو quot;الملاحقةquot; داخل أراضيها، وتصفها بquot;اللاجدوىquot;، لأنها quot;تزيد الأمور تعقيداً وتعرض أمن الإقليم للخطرquot;. ويجب القول أن في هذه quot;المعارضة الكردية الرسميةquot;، صوابٌ كبير، وعقلٌ كثير.

الإتفاق/التمهيد، هذا، والذي قد يتحول في مفاوضاتٍ لاحقة إلى quot;الإتفاق التهديدquot;، كما يقول تاريخ quot;الدول المطاردة لكردستانquot;، هو ليس الأول من نوعه، كما لن يكون الأخير. فالأكراد الشماليون(كسائر أكرادهم، في الجهات الأخرى)، كانوا ولايزالون مع كردستانهم مطاردون، منذ أن أصبح quot;التركي يساوي العالمquot;، ومنذ أن أصبحت تركيا الأتاتوركية، لأتراكها فقط، دون سواهم من مواطنيها.

كردستان العراق/ كردستان الكيان، هي المرمى الذي تريده تركيا، لتسجيل أكثر من هدف فيه. وما يكذّب quot;الإتفاق المحتملquot;، وquot;المؤمّلquot;، بإعتباره اتفاقاً quot;أمنياً حدودياًquot; فحسب، لمطاردة عناصر الquot;ب ك كquot; في عمق quot;العراق الكرديquot;، بحجة استخدام هؤلاء لquot;أراضي الإقليم كقواعد لشن هجمات على الأراضي التركيةquot;، هو quot;تاريخ الفشلquot;، التركي، بإمتياز، في القضاء على ثورة quot;الغضب الكرديquot;، إنطلاقاً من quot;الخارج الكردي المتسللquot;، إلى الداخل التركي.

قبيل الإنتخابات البرلمانية التركية الأخيرة(22.07.07)، خطب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، في إطار حملة حزبه الإنتخابية، بquot;أكرادهquot; الدياربكريين، قائلاً: 500 إرهابي (والمقصود بهم هنا، هم مقاتلوا العمال الكردستاني) في الخارج وأضعاف مضاعفة منهم(5000) في الداخل... هل قمنا بحل مشاكلنا وإياهم في الداخل، كي نتوجه إلى الخارج؟
أردوغان، كان هنا، في غمرة حميته الإنتخابية، واضحاً، لدى طرحه لمشاكل quot;أكرادهquot; في الداخل. فهو يريد أن يقول، بأن حل مشكلة الأكراد في تركيا، تمر من quot;دياربكر وأنقرةquot;، لا من quot;هولير وبغدادquot;. بالتالي، لا يمكن لتركيا حل مشاكلها مع أكرادها الشماليين والعمال الكردستاني، من خلال سياسة quot;النعامةquot;، وذلك بالهروب من الداخل الدار إلى الخارج الجار.

بالرغم من أن أردوغان قد امتطى، إبان حملة الإنتخابات البرلمانية، ظهر عباراتٍ تعبوية، دعائية، كهذه، لكسب أصوات الأكراد في معركته الإنتخابية، إلا أن المستنتَج من هكذا تصريحاتٍ، وسواها الكثير، هو أن بعض القادة الأتراك، قد أدركوا(ضمنياً) تمام الإدراك، استحالة إمكانية حل مشاكل الداخل التركي المستفحَل، كردياً، عبر ملاحقة أو مطاردة ما يُسمى بquot;الخارج الكردي المتسللquot;، إلى داخل تركيا. فاللعب السياسي على حبل quot;الخارج الكردي الخطرquot;، هو لعب تركي قديم جديد، يتقن القادة الأتراك فنونه، منذ زمنٍ بعيد.

والحال، فإن الثابت في الأجندة النائمة، من وراء الفوز التركي quot;المحتملquot; بهذا الإتفاق quot;المؤمل فيهquot;، هو مطاردة كردستان في العراق، ومطاردة كركوك، من ثم، في كردستان، قبل مطاردة العمال الكردستاني، الذي تتخذه تركيا، كquot;قميص عثمانquot;، لمواجهة أي quot;خطر كرديquot;، خارجي، قادم أو محتمل.
الثابت، هو صرف الأنظار عن داخلها الكردي الملتهب، من خلال التهويل بخطر quot;الخارج الكرديquot;، الذي لا يزال يوصف في أوساط النخب التركية الحاكمة بquot;الخط الأحمرquot; حيناً، وquot;الخطر الأحمرquot; أحياناً أخرى.
والثابت أيضاً، هو أن المشكلة الكردية في تركيا، هي أكبر من قضية quot;إتفاق أمنيquot; مع الجيران، أو quot;تسلل خارجيquot; ، أو quot;تمشيط حدوديquot;، أو quot;حملة مطاردةquot;، صيفية أم شتوية، ربيعية أم خريفية، لمقاتلي العمال الكردستاني.
المشكلة الكردية، تركياً، هي قضية quot;داخل قائم وواقعquot;، أكثر من أن تكون قضية quot;بعبع خارجيquot; متوقع وممكن.
المشكلة الكردية، إذن، لن تحل من خلال الهروب إلى quot;إتفاقات أمنية حدوديةquot;، أو إلى حملات لquot;مطاردة الخارج الكردي العابر للحدودquot;، طالما هي في الداخل التركي، مشكلة حوالي 20 مليون كردي، محروم من حقه المشروع، والمنصوص عليه في المواثيق الدولية، في تقرير مصيره بنفسه.

[email protected]