كثيرون من الناس هم من يحشرون أنوفهم فيما لا يعنيهم وفيما لا يهمهم ولا يخصهم، فتراهم يتدخلون فى مواضيع لم يدرسوها ولم يفقهوها ولم يحضروا لها تحضيرأ جيدا، ويبدون آراءأ فجة غير ناضجة تحتاج إلى المراجعة والتنقيح والتريث والمشورة قبل خروجها إلى حيز الوجود وقبل أن تصطدم بالواقع الأليم الذى لا يقبل الإعوجاج فتنهال عليهم الآراء النقدية والإتجاهات المعاكسة عن اليمين والشمال ومن أعلاهم ومن اسفل منهم حتى ينبطح صاحب الرأى أرضا، معلنأ خيبة أمله واستسلامه أمام الضربات المتتالية والموجعة من المعارضين الذين هم بالتأكيد ستكون فرصتهم أكبر كلما كان صاحب الرأى قليل العلم محدود الثقافة وذا براهين ضعيفة لا ترقى إلى مستوى فقههم أو علمهم فى الأمر المقصود من ذلك المتدخل بأنفه فارضا نفسه فى كل موقف ومحفل من أجل شهرة زائفة أو صيت زائل، مثل هذا الرأى يقول عنه الناس أنه كلام من فضة 00لماذا؟
لأن السكون والسكوت والصمت أفضل مئات المرات من إبداء رأى خائب يضر ولا ينفع ويؤخر ولا يقدم، ويفسد ولا يصلح، ويهدم ولا يبنى، وقديمأ قالوا إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب وذلك دعما لان يحكم الإنسان غريزته ويكبح جماح شهوته الكلامية فلا يتحدث فى شىء يجهله ولا يبدى رأيا فى موضوع لا يعقله ولقد جاء فى الذكر الحكيم قول الله تعالى:
( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولأ)
وهذه دعوة ربانية حكيمة لكل ذى لبّ ألا يتكلم فى موضوع قبل ان يدرسه جيدا ويراجعه ويتاكد من معلوماته فيه فإذا كان علمأ بحتا به تجارب وأبحاث ومعادلات وجب عليه مراجعة ذلك بدقة بالغة حتى يتسنى له عرض فكرته وشرح رأيه وتبيان وجهة نظره دون ان يتعرض للنقد والتقريع والإبطال والدحض من ذوى العلم والبحث والتجربةليس معنى ذلك حصر الرأى والكلام فى فئة معينة من الناس ولكن الباب ndash;باب العلم والبحث والتدبر --- مفتوح على مصراعيه لكل راغب ولكل محب للإطلاع والمعرفة أن يؤسس لنفسه بناءأ شامخا من العلوم والبيانات الفكرية والمعلومات التجريبية حتى يصبح جديرا بعرض رأيه فى مسألة ما دون أن يعانى نقصا فى معلوماته أو يوضع فى مأزق محرج بسبب عدم قدرته على توصيل فكرة ما أو شرح مسألة معينة بسبب قلة خبرته أو سوء فهمه للأمر من الأساس
وفى هذا المعنى كتب الشاعر هذه الأبيات الجميلة
يا ايها الرجل المعلم غيره
هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذى السقام وذى الضنا
كيما يصح به وأنت سقيم
لا تنه عن خلق وتأتى مثله
عار عليك إذا فعلت عظيم
وشخصية (أبو العريف) من الشخصيات الشهيرة فى مجتمعنا العربى وهو الشخص الذى يفهم فى كل الأمور، ويفتى فى كل المسائل، ويتحدث فى الطب كانه جراح بريطانى، وفى الفلك كانه عالم همام، وفى التاريخ كأنه الجبرتى، وفى الرياضيات كانه الخوارزمى، وفى الشعوذة كأكذب دجال، وفى الهرطقة عمال على بطال، ويتحدث فى أمور النساء والعادة الشهرية، وفى أمور الرجال والمسائل الشخصية، ويتكلم فى هندسة الراديو والتلفزيزن، ويقوم بإصلاح الغسالة والتليفون، ويدعبس فى الكمبيوتر، ويزرع الأرض ويفتى فى أجود انواع البذور، ويتكلم فى البقالة وأسرارها، والجزارة ومعجزاتها، كما يعمل فى النجارة، ويجرب حظه فى الحدادة، ويحاول التكلم بلغات أجنبية فيطعم كلامه بألفاظ إنجليزية حتى يوضح للسامع مدى ثقافته التوسعية وأحلامه العلمية وأطماعه الفنية وتوجهاته الأدبية، فهو غير محدد المعالم وغير واضح الملامح، ولا تفهم له وجهأ من قفا فمعلوماته فى جميع المواضيع ناقصة غير حقيقية، وكلامه فى معظم المسائل ليس له اهمية فمن المستحيل أن يكون هناك إنسان يفقه فى كل الأمور ويفتى فى الكبير والصغير، ويتكلم فى الشعر
كأنه أديب كلامأ عجيبأ مريبأ غريبأ، فتراه فى الصباح مدرسأ وفى الظهيرة مهندسأ وفى الأصيل موسوسأ وفى الليل طبيبأ وفى اليوم التالى يتقمص أدوارأ أخرى ويقوم بتشخيصات جديدة وقصص عديدة فهو الذكى الألمعى الشديد الذكاء، وهو الوقور الطيب الصابر على البلاء يسير فى كل مأتم، ويأكل فى كل عرس ويحضر كل زفاف ويصفق لكل عروسين ويبكى فى كل جنازة، ويزغرد فى كل حفل ويرقص فى كل مولد وله ملابس لكل مناسبة فكأنه ألف إنسان بألف وجه بألف جسم بألف رأى بألف فكر بألف دين بألف إتجاه بألف سليقة بألف هدف بألف حلم بالأف امل
أنا شخصيأ تنتابنى نوبات حادة من الصداع عندما ألتقى بهذا النوع المسمى ابو العريف ولا أعرف يمينى من شمالى وكل همى يتركز على كيف أغادر المكان الذى حل فيه وكيف أهرب منه قبل ان افقد صوابى فهو راديو مفتوح على كل الإذاعات وتلفزيون مثبت على كل القنوات وموسوعة جرائد ولكن أوراقها ملخبطة ومتداخلة وقهوة كاملة بكل طاقتها من بشر وكراسى وتربيزات ومشروبات وشارع متحرك ملىء ببشر لا يتعبهم الكلام فىاى شىء وفى كل شىء دون أن يسألهم أحد او يستفسر منهم مخلوق، ليته يتوقف عن الكلام والإفتاء والرغى واللت والعجن، متى يتحقق لى هذاالأمل؟ وما الحل لو فوجئت به يركب جوارى فى القطار أو السيارة الأجرة او الباص؟ وماذا لو حكم علىّ الزمان وكان ابو العريف هو جارى فى المنزل أو زميلى فى العمل أو رئيسى فى العمل ومطلوب منى أن انافقه وابارك كل ارائه واشيد بكل كلماته؟؟
هل هو مريض نفسيأ ام معيب خلقيأ أم فاشل إجتماعيأ أم هارب من الأيام ام قليل المقام أم طافش من المدام؟؟
أرجو الا اكون قد أزعجتكم بهذا الكلام

حسن أحمد عمر
كاتب مصرى
http://abohamdy.blogspot.com
عاشق الحب والسلام