البحث عن الندرة، تعريف من بين تلک التعاريف التي وضعوها للإقتصاد، ومع إنه وجيز لکنه بليغ في تعبيره لماهية الموضوع المعرف عنه، هذا التعريف تذکرته و أنا أتتبع خطوط السياسات الدولية بشأن معالجة العديد من المشاکل و الازمات الدولية المتباينة، إذ أن السياسة الدوليةquot;بکل تشعباتها و تداخلاتها و تعقيداتها و مصالحها الضيقةquot;مع سعيها لإسباغ ظاهر براق على مراميه و مساعيه على الاصعدة المختلفة، إلا إنه يظل أسير الابعادquot;الخصوصيةquot;لخطوطه العامة و يبقى إنتقائيا في تعامله مع العديد من الملفات و الاجندة السياسية المتضاربة في إتجاهاتها و أهدافها.


و مع إنه لا مناص من الاقرار بأن للسياسة الدولية الفضل فيquot;نوعquot;من حلحلة بعض المشاکل و الازمات المستعصية في العالم الثالث بوجه خاص، بيد أن الطابع البراغماتي الذي غلب و يغلب على روح تلك المعالجات يظل هو المؤشر العام الذي يضع النقاط الاساسية على الحروف الحقيقية.


نظرة الى الطرق الوصولية في معالجة بعض الازمات السياسية في اسيا و افريقيا تبين تحديدا الطابع الانتقائي المشبوه لتصدي السياسة الدولية لها، وهنا لست أقصد تحديدا السياسة الامريکية مع الانتباه لتأثيراتها القوية على مجمل تلک الخطوط، و إنما أقصد أيضا الابعاد المنعکسة من دول الاتحاد الاوربي و روسيا و الصين، حيث تهيمن على سياسات هذه المجموعة طابع يغلب عليه تقنين المبادئ وفق التأثيرات الاقتصادية في علاقاتها الدولية المختلفة، ولو أخذنا روسيا نموذجا لوجدنا أن أبعد شئ عن هذه الدولة في کل تعاملاتها الاساسية مع السياسة الدولية هي المبدأية الحقة بل وأن المرء يجد أن روسيا في ظل النظام الشيوعي السابق کانت تسير وفق سياق مبدأي محدد في تعاطيها مع السياسة الدولية، لکنها اليوم مجرد تاجر يتعامل على کل الاصعدة بقوانين الربح و الخسارة، صحيح أن الدول الاخرى تتعامل بشکل أو بآخر وفق هذا المبدأ، لکنها تتحاشى في حالات عديدة براغماتيتهاquot;الضيقةquot;و تغلب عليها مصلحة دولية عامة تقتضيها ظروف معينة. أما السياسة الصينية فإنني عندما أجد مساراتها البراغماتية التي يغلب عليها الطابع الاقتصادي، أتذکر المقولة المشهورة لنابليون بونابرت عندما قالquot;لا توقظوا التنينquot;في إشارة الى الصين، والظاهر إن التنين ليس قد أوقظوه فقط و إنما بات يکوي بألسنة نيرانه الاقتصادية ظهور و جباه الدول الغربية سيما حين تتحداهم إقتصاديا في عقر دارهم و تفرض بأشکال متباينة طروحاتها و مراميها السياسية عليها، وهو أمر باتت هذه الدول تشعر بوطأتها الثقيلة عليها من دون أن تتمکن من کبح جماح التنين، والامر الذي يجب ملاحظته في السياسة الصينية هي إنها تسعى لإجبار الدول الغربية على التعاطي مع سياساتها على إنهاquot;خطوطاquot;أساسية لابد من أخذها بنظر الاعتبار عند إتخاذ القرارات السياسية ذات الطابع الحساس و المؤثر و هنا أيضا ليس بالامکان التغاضي عنquot;التململquot;الغربي منquot;العنطزةquot;الصينية و محاولات التهرب منها بطرق و وسائل متعددة، إلا أن کل ذلك لا يمنع من کون الصين تحظى بتأثير قوي في السياسة الدولية قد يسبق التأثير الروسي ببون کبير.


ولعل التمعن في الذي جرى في أنابوليس، يؤکد أن السياسة الدولية مع رغبتها في معالجة أزمة الشرق الاوسط، لکنها مازالت لا تملک الارضية المناسبة التي تجعلها تحظى بثقة الحکوماتquot;غير الديمقراطيةquot;في المنطقة هذا إن وضعنا جانبا الشعوب التي لا تثق أبدا بالسياسة الدولية و تشم منها دوما رائحةquot;المؤامرةquot;، إنهم يتخوفون هناquot;في الحالة الفلسطينيةquot; من تغليب الطابع الاقتصادي على السياسي کما هو الحال عند تعاملهم مع القضية الکوردية أو الامازيغية مثلا، إنهم يساومون بقضايا شعوب مظلومة و مظطهدة على حساب الحقائق التأريخية و المبدأية و يسدون بهذا ما يفرقون بذاك!

نزار جاف
[email protected]