يبدو رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية أحمدي نجاد كأولئك القادة الثوريين الذين انتجتهم الماكينة الاشتراكية بكل ما فيها من زخم شعبي غازل أحلام وطموحات الطبقات الفقيرة وصعد على أكتافها الى سدة الحكم، ثم انتكست الرايات وجفت الصحف وحلّق طائر الشؤم في الفضاء السياسي، لتبدأ الجماهير في الملل والاستعداد لتحمّل تبعات سياسات قومية فاشلة وتنظيرات سياسية خائبة فتصرخ البطون قبل الحناجر وإن تم ربطها بحزم الصبر الطويل والتطلع الى الرفاهية، وكثيرا ما تحصد الشعوب في نهايات مطافاتها مثل هذا الحصاد الكارثي من الخيبات.


أحمدي نجاد إفراز للثورة الخمينية بكل ما فيها من مكونات الثورة الدينية والسلطة السياسية القابضة على الحكم بالسيف والنار، وقد فاجأ العالم به حينما تم انتخابه للرئاسة بقوة دفع مزدوجة من المؤسسة الدينية والقواعد الشعبية التي خرج منها ابنا لحداد في قرية أردان، غير أنه كان طالبا نابها مما مكّنه من مواصلة دراسته بنجاح حتى حصل على شهادة الدكتوراة في الهندسة المدنية من جامعة طهران للعلوم والتكنولوجيا حيث كان محاضرا.
وصعد نجمه السياسي بذات الدفع الشعبي وقدراته الخطابية الملهمة للبوليتاريا الإيرانية وساعده قربه من المقربين من الحرس الثوري ومؤسسة القضاء ومن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله خامنئي في تألق هذا النجم، وفي طريقه الى الرئاسة صدرت عنه قناعات تؤكد أنه لن يكون رئيسا ديكورا أو تحركه القوى الدينية التي تحيطه ويتبع لها، فهو قال بأنه يؤمن بأنه لا توجد ديمقراطية في الإسلام وأن ( الحكم الإسلامي النقي) الذي يتعهد بتأسيسه ليس له علاقة بالنظام الجماعي الغربي، فالسلطة بالنسبة له وسيلة لتحقيق الأهداف المثالية لثورة الخميني.


هذه القناعات مع سلوكه السياسي تجعلنا لا نندهش في نبشه لأفكار الثورة الإيرانية التي دفنتها السنوات في التوسع بها والتبشير بها كطوق نجاة ربما ليس للمسلمين وحسب وإنما البشرية، وذلك يعني توسيعا للدائرة الشيعية في العالم استقطابا ودعوة، خاصة في ظل الحراك السياسي لطهران شرقا وغربا في بلاد الله الواسعة، وذلك حلم إيراني قديم ربما رجع بنا الى الدولة الصفوية التي يعمل من أجلها نجاد بسياسة نفس طويل تبدأ باختراق دول الخليج واحتوائها والتأثير فيها من خلال المجموعات الشيعية بها التي تشكل كتلا ديموغرافية خطيرة إذا ما تم توجيهها عقديا من القبلة الإيرانية، ففي الواقع أن إيران تتخذ من التشيع أداة لتحقيق أحلامها التوسعية غير أنها لا تستطيع المجاهرة بذلك، ولكنها على استعداد كامل لتدمير دول الخليج بلا استثناءات إن اضطرت لذلك أو احتاجت في مرحلة ( سياسية ) معينة للعب بكرة الشيعة في أحشاء هذه الدول.


بإمكان إيران من خلال نجاد استثارة الروح القومية للفرس بصرف النظر عن الشعبوية البغيضة، وربما ارتدت الى فكرة الدولة الفارسية التي أزالها العرب المسلمون، فالقوة غالبا ما تشطح بخيارات الشعوب وتجعلها أكثر انغلاقا على ذواتها وردّة الى ماضيها وإنجازاتها، وقد فعل الألمان ذلك في عهد هتلر عندما اختاروا النازية التي نفخت فيهم بأوهام سيادة وسيطرة الجنس الآري على شعوب الدنيا، وإذا كان خطاب النازية مباشرا وموجها بحسب الظرف العالمي حينها، فإن خطاب إيران غير مباشر وتكتيكي وأيضا بحسب الظرف العالمي والإقليمي المتيقظ لمثل هذه الأوهام الأثنية والعقدية، مع أن الفارق بين الحالتين أن أداة إيران عقدية وهي التشيع الذي تستغله في بناء إمبراطورية فارسية تسيطر على الخليج ودوله وشعوبه ثم تتجه الى بقية العالم الإسلامي، والتجارة بالدين للأسف لم تعد بدعة سياسية في العالم الإسلامي أو شعارات جوفاء تستقطب الغوغاء، ولذلك فلا غرابة أن تستخدم إيران التشيع في أغراض لا علاقة لها به كمذهب ديني لقلة من المسلمين وتسعى الى نشره في أجواء رافضة له ولأتباعه، وهنا يكمن جوهر التناقض الإيراني في إزهاق الطاقة السياسية والدينية في مشاجرات أقل ما يمكن وصفها بالبلهاء والإلهاء عن المقاصد الحقيقية للتشيع الحقيقي في حب وموالاة آل البيت بدون رفض لعقائد الآخرين وسوء احترام لها.


لا يمكن أن تكبر إيران كدولة ومذهب بدون حد أدنى من القبول السياسي والديني والفكري لها في الأوساط الإسلامية، بل إن سلوكها السياسي ربما كان أحد أهم وأبرز عوامل تآكل التشيع وانقراضه على مر الزمن، لأن المذهب الذي يعج بالتناقض ورفض الآخر الأكثر نموا لا محالة سيتلاشى وتتلاشى معه الأحلام والأوهام على السواء، وربما كان نجاد أول نواقيس خطر اندحار التشيع بكشفه للمستور وراء التقية والنيات المبطنة والأفكار النفاقية التي لا يمكن أن تتطور الى ما هو أفضل في مناخات تستكره الشيعة، وتلك الحقيقة التي ينبغي ألا نتجاهلها، وهي أن هناك كره كامن في نفوس طائفتي المسلمين لبعضهما، ولما كان الشيعة هم الطرف الأضعف والأقل عددا فقد كشف نجاد نقاط الضعف وأزاح الستار عن الحقائق وأصبح اللعب على المكشوف أكثر من اللازم وهنا بداية نهاية معركة الاستقطاب الخاسرة.

سكينة المشيخص

الدمام