قبل أيام حمل لي البريد الصباحي دعوة حضور حفل إستقبال مكتوبة باللغة الإنكليزية من السيد الملحق العسكري العراقي ndash;سفارة العراق بلندن- وترجمة نصها للغة العربية كالآتي ( بمناسبة يوم القوات المسلحة العراقية يسر الملحق العسكري لسفارة العراق في لندن العميد سامي عبالله الخالدي دعوتكم لحضور حفل الإستقبال وذلك في مساء يوم الخميس المصادف 10/1/2008 ndash; وبعد ذلك حددت الساعة ومكان الحفل-)
بداية أشكر من وجه الدعوة لي من العاملين الوطنيين في السفارة والملحقية بلندن وأشدد بأن ما سوف أكتبه الآن لا علاقة شخصية بأي منهم مباشرة وإنما هو جزء من الهم الوطني والمحنة التي نواجهها جميعا في ظل الإحتلال الأجنبي وهيمنة عملائه من الطائفيين الدينيين والعنصريين الشوفينيين (أبطال) المحاصصات الطائفية في العراق المنكوب..وبدون أن أحمل المسائل بأكثر ما هي مثقلة فيه فإن الكتاب كما يقال يقرأ أحيانا من عنوانه وهنا من نصه القصير المعبر الذي ثبته أعلاه ولدي حوله الملاحظات التالية:-
1-أستطيع التخمين بأن من صاغ النص بهذا الشكل هو ليس العاملين من العراقيين الوطنيين هنا بلندن وإنما يبدو أنها صيغة واردة من أعلى... من المركز ببغداد وتحديدا من وزارة الدفاع والخارجية ولربما رئاسة مجلس الوزراء كذلك، ولسبب بسيط هو أن هكذا نص لدعوة رسمية يجب أن يكون موحدا بين سفارات وممثليات العراق في الخارج،والمستغرب أن تعمم الدعوة باللغة الإنكليزية ولا مكان للغة العربية فيها!! وهي كما نعلم-العربية- لغة العراق الرسمية الأولى لحد الآن!!.وأن الجيش العراقي ومنذ ثلاثينات القرن الماضي كان له الفضل بالعمل الدؤوب عبر مترجميه كالعلامة المرحوم عبد المسيح وزير والمرحوم أنيس وزير في ترجمة كافة المصطلحات العسكرية وأسماء الأسلحة والمعدات الى اللغة العربية،وهي (التراجم) المستعملة بجيوش الدول العربية كافة..


2- أستطيع القول ومن خلال التجارب المريرة التي عشناها ونعيشها سواء من أيام الديكتاتورية الفردية لنظام الرئيس الراحل صدام حسين أو الديكتاتوريات العميلة التي خلقها ونصبها الإحتلال بعد إسقاطه للنظام السابق بأن الوضع الراهن بالعراق حاول تجنب ذكر التسمية الحقيقية لهذه الذكرى فبدلا من أن يقول مثلا ( بمناسبة الذكرى السابعة والثمانون ليوم الجيش العراقي التي تحل في السادس من كانون الثاني العام 2008.. )،أستبدلها بعبارة ( بمناسبة يوم القوات المسلحة العراقية..) والفرق واضح بين التعبيرين..وقد أعتمد يوم الخميس العاشر من الشهر الجاري موعدا للحفل ndash;كما جاء في الدعوة- والذي من المفترض الإحتفال فيه يوم الأحد السادس من كانون الثاني وقد يكون هذا لأسباب إدارية وفنية، ولكن قد يكون أيضا جزءا مكملا لصورة طمس المناسبة الحقيقية بعدم ذكرها أو حتى الإشارة لتاريخها الحقيقي!!.


3-وإذا ما لاحظنا ما يجري منذ بداية الإحتلال المشؤوم ومستمر فإن جزءا كبيرا من مخططات تثبيت الإحتلال وتأبيده يتمحور على محاولة إلغاء الذاكرة الوطنية العراقية تحت شتى البدع والتسميات ولوي الحقائق لما يصب في مصلحة الإحتلال وعملائه من الخونة الحاكمين في العراق..وحينما أمتدت يد الحاكم الأمريكي (بول بريمر) الأثيمة ووقعت في 24/5/2003 على قرار حل الجيش العراقي كان ذلك من أكثر القرارات إجراما بحق الدولة العراقية وبإتجاه تهديم العراق وتفتيته،وعلينا ألا ننسى بأن أكثر من جهة وقفت وتقف الى جانب الإحتلال ممن مهدت وساندت بالتالي هذه الخطوات ويأتي على رأسها وفي مقدمتها العدو الصهيوني وعملائه من (العراقيين المتصهينيين) وقيادات الفصل العنصري الشوفيني والطائفية السياسية الحاقدة العميلة والمرتبطة بآجندة إقليمية..وليس بغائب عن ذاكرتنا حينما وقف محمد بحر العلوم في حضرة (بول بريمر) وفي أول اجتماع لما أسموه الأمريكان (مجلس الحكم ) في 13/7/2003 وطالب بأن يكون يوم احتلال بغداد من قبل الأمريكان وسقوط النظام هو يوم العيد الوطني الجديد للعراق، وفعلا أعتمد المجلس ذلك كأول قرار له!!...مما جعلني أرد عليه بمقالة كتبتها ونشرتها تحت عنوان (عيد وطني) في صحيفة (الزمان) العدد 1563 التاريخ 22/7/2003 شبهت فيه ذلك القرار ndash;تهكما- بالبيان الأول لأي إنقلاب عسكري،وكانت تلك أول مقالة لي أستأنف فيها كتاباتي السياسية في هذا العهد (الزاهر!!)..


4- إن عبارة (يوم القوات المسلحة العراقية ) لا تتطابق مع واقع الذكرى، فعدا يوم الجيش العراقي الذي تأسس في 6/كانزن الثاني/1921،هناك أيام أخرى خاصة لأفرع القوات المسلحة العراقية وعلى سبيل المثال لا الحصر، حيث يوم القوة الجوية العراقية هو الثاني والعشرون من شهر نيسان (أبريل) ويوم القوة البحرية العراقية هو الثالث والعشرون من تشرين الثاني (نوفمبر) ويوم الشرطة العراقية هو الأول من نيسان (أبريل) وهذه كلها كان العراق يحتفل بها وبمنتسبيها وشهدائها كل عام..


5- ولا بد لي من أن أحيي ذكرى السادس من كانون الثاني الخالد،ذكرى تأسيس الجيش العراقي الأبي جيش الكرامة والبطولات الوطنية والقومية،الجيش الذي هو العماد لدولة العراق الوطنية المستقلة الموحدة،حيث كان هو الهدف الأول للمؤامرة العالمية لتحطيم العراق وشعبه،وحينما أرجع اليوم لذكرى تشرفي وإنتسابي لهذا الجيش وتخرجي في مثل هذه الأيام من كانون الثاني العام 1966 من كلية الإحتياط ببغداد برتبة ملازم،عاملا بصفوفه أسترجع معها كلمات شاعر العراق والعرب الأكبر المرحوم محمد مهدي الجواهري وهو ينشد للجيش العراقي وتموز العام 1958 في قصيدته العصماء واسمها (جيش العراق) وبعض ما قال فيها
سدد خطاي لكي أقول فأحسنا فلقد بلغت بما يجل عن الثنا
جيش العراق ولم أزل بك مؤمنا وبأنك الأمل المرجى والمنى
جيش العراق إليك ألف تحية تستاف كالزهر الندي وتجتنى
حمل الفرات بها اليك نخيله ومشى بدجلة جرفها والمنحنى
.......
.......
رحم الله شهداء الجيش العراقي الباسل،جنودا وضباط صف وضباط وعاملين آخرين ممن ضحوا بأرواحهم وبذلوا دماءهم الزكية للدفاع عن الأهداف الوطنية والقومية والذود عن حياض العراق ورفعته واستقلاله،ومشاركاته البطولية في معارك الأمة العربية في فلسطين وغيرها،وتحية إعزاز وإكبار لضباطه من العسكريين الحقيقيين الذين ما خانوا ولا فرطوا بعهد الله والوطن وبقى العراق مضيئا في حدقات عيونهم، ومنهم من هو تحت طائلة الإعدام كالفريق الأول الركن سلطان هاشم أحمد وزير الدفاع السابق والفريق الركن حسين رشيد التكريتي والعشرات من هم خلف قضبان سجون الإحتلال وزبانيته،عارفين ومدركين بأن طريق تحرر العراق من رجس الإحتلال وأتباعه يمر عبر المقاومة الباسلة وبكل أشكالها ومعانيها وأن لا عودة للسيادة الوطنية والإستقلال العراقي إلا بعودة المؤسسة العسكرية العراقية وقلبها النابض الجيش العراقي الباسل ليحتل مكانه الطبيعي اللائق في جسد المجتمع والدولة العراقية..


اسماعيل القادري
E-mail:-
[email protected]