أستغل لحظات الفراغ التي تتوفر لي بقراءة بعض الأخبار الفنية.. فالفضائيات والمجلات العربية وغيرها من وسائل الإعلام المرئية والمقروءة تفرض علينا صباحا ومساء قراءة أخبار الفنانين والفنانات في محاولة منها لفرض نجومياتهم علينا خصوصا لبعض الفنانات، التي قد يكون الترويج لهن بمثابة إعلانات مدفوعة الأجر مسبقا من ثري عربي؟!..

ورغم أننا لا نعرف من يقف وراء الترويج لتلك الفنانة أوالقائمين على الآلة الإعلامية التي تسعى لتسويقها كنجمة حتى لو كانت من بنات الشوارع، ولكن قدرنا المرسوم في هذا العصر الفضائي ( نسبة الى الفضائيات) هو أن نقرأ أخبارهن رغما عن أنوفنا وأذاننا لثلاث مرات في اليوم بإعتبارها وصفة طبية، فنستسلم رغما عنا لذلك الترويج الإعلامي ونساهم في خلق النجومية لتلك الفنانة أو غيرها..
وقد تفيد هذه الأخبار التي تكون عادة متعلقة بفستان سهرة الفنانة، أو بطلاقها وزواجها، ومرض قطتها أو كلبتها، في بعض الأحيان لمعالجة الصداع المزمن الذي نعاني منها نحن الساكنين في الشرق الأوسط بسبب السياسة حيث يتبارى فيه ساستنا على الكذب وخداع الجماهير وإيهامهم دائما بغد ومستقبل مشرق في ظل حكومات أغلبها دكتاتورية أو متوارثة، ولهذا ترى أن المتابعين لأخبار الفنانات بين المحيط والخليج هم أكثر عددا بمليون مرة عن المفلسين من أمثالي من الكتاب والمثقفين الباحثين بين ثنايا الأخبار السياسية عن الوعود الموهومة بالديمقراطية والتعددية والحريات الإنسانية، أو مثل بعض القومجية اللاهثين وراء وهم وحلم الوحدة العربية.

في قراءة لخبر متعلق بالفنانة سمية الخشاب والمنشور في إحدى نشرات ( إيلاف ) توصلت الى قناعة مؤكدة بأن أخبار الفن والفنانين تحتل المركز الأول من إهتمامات الجيل الحاضر، وتتفوق بأشواط بعيدة على أخبار السياسة ومصير الأمة العربية.
فقد وجدت أن الخبر الذي نشر بستة أسطر في موقع إيلاف يوم 25 ديسمبر/كانون الأول2007 عن طلاق الفنانة سمية الخشاب ودخولها في حب جديد بعد شهرين من الطلاق، جذب 34 تعليقا من مختلف البلدان العربية؟ّ!..
وفي نفس اليوم نشر خبران عن القضية الفلسطينية أسفل خبر الفنانة منه، تصريح لصائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين الذي أبرزت إيلاف تصريحه بمانشيت طويل وعريض تحت عنوان( عريقات: المفاوضات الإسرائلية الفلسطينية صعبة جدا) يتحدث فيه عن فشل مفاوضات السلام، وخبرا مماثلا عن القضية الفلسطينية كان تحت عنوان( الإستيطان يعيق تحقيق التقدم).
وفي خبر آخر تمت تغطية وصول وزير الخارجية الفرنسي كوشنر الى مصر وإجتماعه مع أبو الغيط وعمرو موسى لبحث أوضاع المنطقة.. الأخبار الثلاث المنشورة بنفس النشرة وفي نفس اليوم لم تجذب ولو تعليقا واحدا من أي قاريء بين المحيط والخليج بما فيهم أبناء مهجري عام 1948 الذين تستميت السلطة الفلسطينية لضمان عودتهم الى ديارهم؟؟!!..
وهذا يؤكد لنا أن المواطن العربي لم يعد مهتما بالسياسة بقدر إهتمامه بالعطر الذي تروجه أليسا، أو بالكعب العالي الذي تنتعله هيفاء وهبي، أو بشق الفستان الذي ترتديه الفنانة مروة؟!.
فلا القضية الفلسطينية ولا كوشنر ومعه أبو الغيط وعمرو موسى يثيرون إهتمام هذا المواطن الغارق حتى أذنيه في المغنى والطرب والهز يا وز؟!.

وقد يكون لبعض هؤءلاء الحق والعذر في خياراتهم وإبتعادهم عن السياسة التي يمارسها الحكام العرب بكل ما أوتوا من فنون الدجل والمكر والحيلة والخداع والكذب.
فأنا كمثقف أصبحت أنفر من كل التصريحات التي يطلقها القادة والمسؤولون العرب حول مستقبل المنطقة، ولا أدري لماذا يتملكني الضحك كلما رأيت عمرو موسى أمين عام الجامعة العربية مطلا على الفضائيات وجمهرة من الصحفيين يحلقون حوله للحصول منه على تصريح حول قضية ما، فأنا لا أعرف ما الفائدة التي جناها العرب من وجود هذه المؤسسة التي تسمى بالجامعة العربية.


فالقضية الفلسطينية وهي قضية العرب المركزية منذ أكثر من ستين سنة يحاول الفلسطينيون بعد يأس من العرب ومن جامعتهم أن يحلوها بتقديم عشرات التنازلات المشينة لإسرائيل، فهذه القضية لم ولن تحل من دون إستعداد إسرائيل للموافقة حتى بالدخول في مفاوضات مباشرة مع الفلسطينيين،فلم تستطع هذه الجامعة رغم وجود ما تسمى بمعاهدة الدفاع المشترك أن تتحرك شبرا واحدا لإرغام إسرائيل على رفع الحصار عن غزة، فكيف تستطيع أن ترغمها على الإنسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967 مقابل عدم رميها في البحر؟؟!!.
ماذا فعلت الجامعة العربية لحل الأزمة الحالية في لبنان غير زيارة يتيمة للأمين العام الى بيروت وإجتماعه بقادة الدولة من دون أن يتمكن ولو بجمع رؤوساء الأحزاب اللبنانية على التوافق لتحديد موعد لإنتخاب رئيس الجمهورية؟؟!!.
ماذا فعلت الجامعة العربية للعراق الذي كان يغرق في دماء أبنائه بسبب تدفق الآلاف من الإرهابيين القتلة من أبناء الدول الأعضاء في الجامعة العربية للقيام بقتل أبناء العراق وهو عضو مؤسس للجامعة العربية؟؟!!.


أعتقد أن المبالغ المرصودة لرواتب الأمانة العامة والموظفين ومكاتب الجامعة المنتشرة في كل حدب وصوب ما بين المحيط والخليج لو صرفت على إفتتاح المدارس والجامعات العلمية، أو كرست لأجل التربية والتعليم أو دعم البحوث والدراسات الأكاديمية لكان الناتج أفضل وأفيد للأمة العربية من جامعة لا تجمع، ومن أمين عام لا تحرك تصريحاته المشفوعة دائما بإبتسامة خبيثة الشارع العربي بقدر هزة من وسط إحدى الراقصات الأوكرانيات اللائي يملآن الساحة العربية هذه الأيام وأصبحت لهن برامج خاصة في الفضائيات العربية يعرضن خلالها اللحم الأبيض أمام المواطن العربي؟؟!!!...

فالى أمام يا أمة ضحكت لجهلها الأمم..

شيرزاد شيخاني

[email protected]