في خضم المحاولات الجارية في بغداد بين الكتل البرلمانية الرئيسية والأطراف السياسية، لترتيب البيت العراقي لاستيعاب جميع لمكونات القومية والحزبية والمذهبية مع ضمان العيش المشترك لجميع الأطياف المشاركة وفق افرازات العملية الديمقراطية، فإن المؤشرات الأولية التي تقرأ من الاجتماعات المتناوبة للأطراف المساهمة المشاورات الجارية، تشير الى حاجة المشاركين لآليات معينة، تسير في اتجاه إرساء مصالحة وطنية عامة لتطبيع الوضع السياسي وفق إطار تحقيق أكبر مشاركة مع الاحتفاظ بحق كل طرف بمساحته وفق إطار العملية الديمقراطية الجارية في العراق.


ومن خلال قراءة الرؤى المطروحة للأطراف المشاركة حسب التصريحات الصادرة من كل طرف، بخصوص المباحثات التي أجريت في السابق والتي ستجري في المستقبل القريب، لإيجاد صيغة عملية للإخراج من الأزمة، يبدو ان الاتفاق وإبداء الحرص الكامل من قبل كل جهة تسيطر على الآراء المطروحة، لإيجاد مدخل لحل مسألة الإدارة الحكومية بالمشاركة الجماعية وفق المشاركة السياسية، يشكلان عاملا حاسما ومؤشرا قويا على البدء بمرحلة جديدة من التنسيق والتعاون بين الكتل العراقية لإدارة الدولة والحكومة وفق نظام حكم جديد في ظل رئاسة جماعية، ومجلس نواب وحكومة ائتلافية، ولاشك أن هذا التنسيق يساعد على تقديم برنامج عمل جدي لخدمة العراقيين في عموم محافظات البلد وإقليم كوردستان، مع خطة مكثفة بالمشاريع والبرامج الخدمية لصالح المواطنين، وفي هذا الاتجاه ينتظر من الحكومة ان تكون فعالة وبعيدة عن المشاكل التي احتضنتها الفترات السابقة التي عانت عدم فعالية الكتل المشاركة فيها، مما أدى الى خلق مشاكل أدارية معقدة عانى منها بشدة المواطن العراقي.


وبالرغم من الإقرار بوجود مشاكل كثيرة وتواصل أزمات كبيرة، ألا ان ايجابيات كثيرة تحقق بفضل الحكومة الحالية خاصة في الجانب الأمني المتعلق بها ببغداد، إضافة الى استقرار الوضع السياسي بعض الشيء وازدهار التجارة وتنشيط الحركة الاقتصادية في البلد، وتحقيق مؤشرات جيدة في النمو الاقتصادي وزيادة القدرة الشرائية مقارنة بالوضع السائد قبل سقوط الصنم، ولكن بالرغم من تحقيق تلك الايجابيات الصغيرة، فإن الحاجة تبقى لإيجاد حلول جوهرية للأزمات والمشاكل الكبيرة التي يعاني منها الانسان في البلاد.


لهذا ولكي نكون على بينة من المشاكل التي اتسمت بها الحكومة الحالية والحكومات العراقية السابقة بمراحلها المختلفة بعد عام 2003، فإننا نجمل أهم الخطوات العملية لترتيب المصالحة العراقية وبالتالي تريب البيت العراقي للانطلاق منها نحو تحقيق واقع مغاير لما نعيشه في الحاضر في ظل العملية السياسية الجارية في بغداد، والخطوات أو المقترحات هي:
1.إيجاد تفاهم عملي متواصل بالحوار والتفاوض بين كافة الكتل البرلمانية داخل مجلس النواب العراقي لإيجاد أرضية أساسية للم الشمل وتحقيق أكبر مساحة للتفاهم متسمة بالثقة والشفافية بين الأطراف المعنية للعمل على دفع العملية السياسية نحو الأمام بخطوات ملموسة تساعد على ارتخاء الحالة السياسية المتشنجة في الواقع الراهن.


2.البدء بين بإيجاد تفاهمات جادة بين الحكومة والكتل البرلمانية والنظر في الطلبات والمقترحات المقدمة من قبل تلك الجهات للنظر بجدية وحيوية ومصداقية في المشاكل والأزمات التي يعاني منها الواقع العراقي.
3.فتح المجال وبدء الحوار مع جميع الجهات العراقية التي تحمل لواء المعارضة وفتح باب الدخول بشفافية لجميع الأطراف المعنية بالمصالحة الوطنية، للخروج بقناعة لتوجيه الأهداف الرئيسية للأحزاب والكتل والتيارات السياسية نحو خدمة العراق وإخراجه من أزماته ومشاكله التي يعاني منها المواطن في البلاد، وإبداء الحرص الوطني العراقي بقناعة تامة وكاملة والانطلاق منه بروحية صادقة نابعة من الانتماء الحقيقي لبلاد وادي الرافدين.
4.إعادة النظر في تشكيلة الحكومة العراقية الحالية وزيادة المساحة للمشاركة الجماعية الفعالة للأحزاب والتيارات غير الداخلة في البرلمان، وإدخال الأطراف .
5.العمل على فصل العمل الحزبي للأحزاب عن إدارة الدولة والحكومة، بآليات معينة لابد من خلقها وتطويرها وتطبيقها لغرز ثقافة البناء المؤسساتي في الرئاسة والحكومة والوزارات والأجهزة والمديريات العامة والدوائر والأوساط الإدارية المرتبطة بهيكل الحكومة، والاعتماد على الصيغة المؤسساتية الحديثة اعتمادا على الأساليب الحديثة والخبرات الجديدة.
6.بالنظر لتحديد المناصب الوزارية بالشخصيات السياسية، مراعاة اختيار الدرجات العليا لإدارة الحكومة على أساس الكفاءة والقابلية والتخصص، وتقسيم هياكل الوزارات وفق منظور مؤسساتي جديد يلبي اهتمامات جميع القطاعات المرتبطة بالوزارة المعنية.
7.اعتماد منهج الكفاءة والتأهيل والتخصص والقابلية المهنية والخبرة المنتجة لاختيار المؤهلين للمواقع والمناصب المناسبة على صعيد المستويات الإدارية والخدمية والإنتاجية، وتوزيع المسؤوليات والصلاحيات وفق نهج مؤسساتي مدروس على الصعيد الحكومي والوزاري والمؤسسات المرتبطة بها.
8.تطبيق الشفافية الكاملة نهجا وعملا وسلوكا في جميع المسائل المتعلقة بالشؤون المالية على الصعيدين الحكومي وغير الحكومي وجميع القطاعات الإدارية والخدمية والإنتاجية المرتبطة بهما لإضفاء المصداقية بالسلوك المؤسساتي للنهج الجديد للحكومة، ومنح دور كامل لأجهزة الرقابة والتفتيش المالي للحفاظ على المال العام للدولة.
9.إرساء نظام إنتاجي وفق مؤشرات معينة لكل وزارة ومؤسسة ودائرة حسب طبيعة أعمالها وبرامجها ان كانت إدارية أو إنتاجية أو خدمية، وتطبيق تلك المؤشرات على جميع الأصعدة لخلق حالة من التنشيط الإنتاجي للحكومة ومؤسساتها عبر تحديث النظام المؤسساتي للحكومة.
بعد سرد هذه المقترحات العامة لترتيب البيت العراقي، فإن عملية دفع المصالحة الوطنية نحو الأمام ستكون حصيلة طبيعية لضمان استمرارية العملية السياسية في العراق وفق منهج سليم خالي من العوائق والمشاكل، وستسهل الأمور لتفعيل دور الحكومة لتلبية احتياجات المواطن العراقي، وستساعد أيضا على إرساء نظام خدمي كفوء لتحقيق الأهداف، وفق مؤشرات ومعايير محسوسة وملموسة تتسم بالشفافية الكاملة لخدمة الانسان العراقي من جميع الجوانب الحياتية والمعيشية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتنموية، ولا شك أن هذه الجوانب تعتبر الإطار الرئيسي الذي يقاس عليه الأمور لتحقيق أي تقدم أو تطور منشود في المجتمع، وفي حال تحقيق هذا الواقع الإيجابي فانه سيكون قادرا على إرساء مستقبل زاهر للعراق الاتحادي الديمقراطي، ضمانا لحاضره ولمستقبل أجياله القادمة.

د.جرجيس كوليزادة
[email protected]