ما الأسباب الحقيقية لظاهرة ثقافة الصمت الاجتماعي السلبي القاتل، وما هي الحلول؟

الصمت والمجتمع
الصمت السلبي: تعبير يلجأ إليه بعض الضحايا لشعورهم بالخوف والرعب الناتج عن فقدان الامان، وعدم الثقة بالنفس، والضعف وعدم القدرة على البوح والشكوى، وغياب الاستعداد النفسي لمواجهة النتائج المترتبة على الشكوى والبوح، وهناك من يلجأ للصمت السلبي لتحقيق مصالح خاصة.

المجتمع العربي بشكل عام مجتمع قائم على العادات والتقاليد الاجتماعية الموروثة، مجتمع يؤمن بالقبلية، والعائلة الكبيرة، وبمكانة الشيخ أو الرئيس أو كبير العائلة ودور الوالد، وان الشيخ أبخص وأعرف، وعلى الصغير احترام الكبير، وعدم الكلام والنقاش والانتقاد والمطالبة في حضور الكبير؛ مجتمع تسيطر عليه العقلية الذكورية ؛ كما أن أفراد المجتمع من الجنسين يتميزون بالتواضع والبساطة إلى درجة السذاجة والثقة في الآخرين، وحب الاستقرار والهدوء، والكرم، كما تنتشر في أوساط المجتمع حالة المجاملة في التعامل وعدم الصراحة والشفافية، والازدواجية في الشخصية داخل المنزل وخارجه، وداخل الوطن وخارجه!!.

تخلف المجتمع
الصمت السلبي القاتل، يعتبر احد أسباب تخلف أي مجتمع علميا وفكريا واقتصاديا، وعدم بناء دولة قوية قائمة على أصول ديمقراطية مؤسساتية؛ وما الفساد الإداري والفقر، والتشدد الديني والفكري والعصبية والمذهبية والقبلية، وضياع الحقوق، وشيوع حالات السرقات والاعتداءات والاغتصاب، وعدم احترام القوانين، وزيادة معدلات الانتحار.. إلا نتائج لهذا الصمت الاجتماعي القاتل.

أسباب الصمت
أسباب انتشار ظاهرة الصمت السلبي تعود إلى: العادات التربوية داخل الأسرة والمجتمع quot;السعوديquot; القائمة على عدم السماح للأبناء والبنات منذ فترة الطفولة بالنقاش والجدال والتفكير؛ ومنع النقد والانتقاد، وتحريم الفلسفة، والتركيز على تجنب ثالوث المحرمات ـ الدين والسياسة والجنس ـ، وإشاعة إن للجدران أذان, وان الشيخ أو المسؤول أبخص، وكذلك نقص الوعي بالمجال الحقوقي، والجهل بالأنظمة والقوانين، وغياب الثقة بالنفس، وضعف الشعور الوطني بضرورة محاربة الفساد وفضح كل من يستغل موقعه ويتجاوز حدوده ويعتدي على حقوق الآخرين، وعدم الشعور بأهمية إيصال الصوت والشكوى إلى كبار المسؤولين، وعدم تفاعل الجهات الرسمية بالتجاوب مع الشكاوي، بالإضافة إلى غياب الدعم الإعلامي لتلك المطالب والنداءات، وشيوع حالة الانهزام والاستسلام، بالإضافة إلى عوامل أخرى.

علاج الصمت القاتل
الصمت السلبي مرض خطير على الفرد والمجتمع والأمة، يحتاج إلى الكثير من الجهد والعمل للقضاء عليه.. والعلاج مسؤولية مشتركة بين الحكومة والمواطنين، يبدأ أولا بمعالجة الأسباب المذكورة سابقا quot;أسباب الصمتquot; التي ساهمت في نشوء ثقافة الصمت السلبي؛ انطلاقا من المنزل والمجتمع والمدرسة بكسر حاجز الخوف والرهبة، وتنمية روح الثقة والمطالبة والمشاركة والصراحة والشفافية والمبادرة، وتعميم حالة المساواة والعدالة والأمان، والتعددية المذهبية والفكرية، والتعامل مع المواطن بناءا على المواطنة لا المناطقية والقبلية والمذهبية، والوعي بالحقوق الوطنية، وتقنين عادات العيب غير الصحيحة والسليمة, وتحطيم روح الاستسلام والانهزام والسكوت عن الظلم، وتفعيل ممارسة الديمقراطية الحقيقية من خلال مؤسسات المجتمع المدني، ومنها لجان حقوق الإنسان الأهلية، وتطبيق العمليات الانتخابية، والحريات الإعلامية، والمحاسبة من خلال مجلس نواب له صلاحيات واسعة، ومن المهم جدا اعطاء فئة الشباب من الجنسين مساحة واسعة من التعبير والمشاركة والنقد فهم مستقبل أي امة، وذلك بعد إعطاء المرأة السعودية حقها من المشاركة الوطنية الحقيقية.

المرأة الواعية والأمة الحية
إن تغييب أو غياب المرأة عن المشهد الاجتماعي والعملي quot;الوطنيquot;، (وعدم حصولها على حقوقها،.. بالشكل المطلوب الذي يضمنه دينها ويناسب عصرها)، وتراجع مكانتها ودورها ـ بعدما كانت شريكة للرجل في تحمل المسؤولية الحقيقية قبل الطفرة النفطية ـ ، من خلال مصادرة دورها الطبيعي في المشاركة التعليمية والاجتماعية والعملية والوطنية، والتعامل معها بأنها كائن ناقص، لابد من الوصاية عليها، حيث أصيبت بمرض الصمت القاتل..، طوال الفترة الزمنية السابقة أي منذ ما يسمى بالصحوة من خلال مبررات؛ تارة باسم الدين، وتارة باسم العادات والتقاليد.
أدى ذلك إلى خسارة تربوية وعلمية وعملية واجتماعية، وخسارة وطنية فادحة، حيث تركزت ثقافة الصمت الاجتماعي السلبي في أبناء المجتمع، وبروز ظواهر سلبية في المجتمع مثل: الفساد والفقر والسرقات والاعتداءات والانتحار. لان المرأة هي أم المجتمع، وإذا كانت الأم مصابة بمرض عضال خطير(الصمت السلبي) فمن الطبيعي أن ينتقل إلى الأبناء، من خلال الوارثة والتربية. والمرأة الواعية التي تطالب بحقها وبحقوق أبنائها.. أم قادرة على صناعة مجتمع واعي قادر على مواجهة التحديات والصعوبات وصناعة أمة حية...، واهم وسيلة لعلاج مرض الصمت الاجتماعي القاتل تتم عبر توعية المرأة وتشجيعها على المطالبة بحقوقها، وثم تربية الأبناء على روح المطالبة وعدم السكوت على الظلم.

ثقافة المحاسبة
لو كانت ثقافة المطالبة والشكوى والمحاسبة سائدة، ولجان الدفاع عن حقوق الإنسان الأهلية موجودة، وهناك جهات تتجاوب مع أصوات ومطالب المتضررين والمظلومين بشكل فعال، ويتم إنزال اشد العقوبات الرادعة على المجرمين والمعتدين.. لما تجرأ المعتدي على الاعتداء والاستمرار فيه مهما كان منصبه،.. وتم القضاء على الصمت السلبي.

كسر حاجز الصمت
ولا بد من خلال هذه السطور تقديم تحية وتقدير لكل من لم يسكت ويصمت عن التجاوزات والاعتداءات التي تقع عليه، ولم يصمت عن كل ظالم ومعتدي على حقه الشخصي والوطني والإنساني والديني مهما كان المعتدي... فشكر خاص لمن كسرت قاعدة الصمت الاجتماعي السلبي في السعودية، ورفعت صوتها لكي يسمعها كل من يحترم حقوق الإنسان في العالم، وتجعل من قضيتها قضية رأي على مستوى العالم، تحية إلى quot;فتاة القطيفquot; الضحية التي لم تستسلم للخوف والتهديد، وصور الوحوش الغاصبة المفترسة، وللعادات والتقاليد الصامتة التي لم ينزل الله بها من سلطان، ولم تستسلم للأحكام التعسفية.. المرأة التي هزت الرأي العالمي، وأعطت درسا في دروب المطالبة والدفاع عن الحق ومواجهة السلطات، وكسر جدار الصمت القاتل في السعودية، لتكون نموذجا وطنيا لجميع السعوديين من الرجال والنساء، أنها تستحق بكل جدارة أن تكون الشخصية السعودية الأبرز.

حقيقة مؤلمة
والحقيقة التي لا بد من الإشارة إليها هي إن صمت الضحايا أصحاب الحق عن التجاوزات والاعتداءات التي تقع عليهم، هو مساهمة ومشاركة مبطنة في وقوع تلك الجرائم واتساع رقعة انتشارها.

هل نغير تلك الثقافة (الصمت السلبي) أم إن المثل المشهور الذي يقول:( إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب)؛ و(إن الصمت ابلغ اللغات)؛ و(إن الستر زين)؛ و(الشيخ أبخص).. سيبقى هو القاعدة السائدة التي لا تتغير!؟

علي ال غراش