زيارة الرئيس الأمريكي جورج بوش إلى الشرق الأوسط التي سيبدأها في 9 يناير 2008 تأتي في مرحلة مهمة من تاريخ الشرق الأوسط الحديث. فالإدارة الأمريكية تتابع العمل على تحقيق تقدم حقيقي على أرض الواقع المضطرب هناك. فمنطقة الشرق الأوسط لها أولوية على جدول أعمال الولايات المتحدة للسياسة الخارجية. والإدارة ليست معنيّة بدبلوماسية المصافحات والصور ولا تُغَرّر بها الحلول المؤقتة السريعة على حساب الاستحقاق السياسي للمنطقة.

تسببت الأولوية التي توليها إدارة بوش لاتخاذ قرارات سياسية تحقق خطوات فاعلة وملموسة في الشرق الأوسط على حساب دبلوماسية التنميق إلى انتقادات من أقطاب عدة ومن ضمنها الشرق الأوسط. ولكن في المحصلة الإنجازات هي ما تحدد ميزان الأعمال والتي تضمنت مواقف وتصريحات وقرارات غير مسبوقة مثل ما جاء في إعلان بوش - كأول رئيس أمريكي - عن الرؤيا القائلة بقيام الدولة الفلسطينية، التي هي حجر أساس في الطريق إلى سلام عادل وشامل ودائم. وقد أصبحت هذه الرؤيا أساسا للإستراتيجية الوطنية للسياسة الأمريكية الحالية تجاه الشرق الأوسط.

الإعلان برؤيا الدولة الفلسطينية كان سيكون رمزيا فقط لو لم يكن لإصرار الولايات المتحدة بأن تكون هذه الدولة الفلسطينية المرتقبة قابلة للحياة ومرتبطة جغرافيا ومزدهرة اقتصاديا لتوفر لشعبها أساسيات الحرية والعدل والمساواة، في ظل بيئة سياسية ديمقراطية، تعطي كل فلسطيني وفلسطينية فرصة للعيش الكريم. وفي النهاية لا يمكن أن تعيش هذه الدولة الفلسطينية دون تعايش أمني وتعاون سلمي مع جارتها إسرائيل، هذا التعايش يجب أن يكون متبادلا بين الدولتين. الولايات المتحدة تعتقد أن حدود الدولة الفلسطينية مهمة ولكنها ستُحَدد من خلال المحادثات الفلسطينية الإسرائيلية ndash; أي بين طرفي الصراع ndash; أما توفير مقومات دولة الشعب الفلسطيني فهي تعتمد على المجتمع الدولي الذي يثبت التزامه من خلال تحركاته السياسية ودعمه المادي لاسيما في أنابوليس وباريس مؤخرا برعاية أمريكية.

هذه الإدارة الأمريكية قامت بمساندة خطة فك الإرتباط الأحادي الجانب من قبل إسرائيل رغم الإعتراضات الدولية. لقد رأت الولايات المتحدة أن هذه الخطوة ذات أهمية خاصة لأنها توفر مساحة جغرافية وسياسية للوصول إلى اتفاق ثنائي للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. فالقضايا العالقة بين الطرفين شائكة وتتطلب منهما تقديم تنازلات كبيرة وصعبة لتحقيق التسوية العادلة من أجل حل نهائي وشامل وعادل للشعبين.

التوجه الإيجابي لدى القيادة الفلسطينية في شخص الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء سلام فياض وما يقابله من تغيير في التوجه الإسرائيلي خاصة عندما أكد رئيس الوزراء أولميرت قبوله بتأسيس وطن فلسطيني على أساس الشرعية الدولة من خلال قرارات مجلس الأمن 242 و 338 وخطة خارطة الطريق. هذان التوجهان يمثلان حجر الزاوية لما سيصبح اتفاق سلام بين الغريمين. ومما يبعث على التفاؤل هو التسليم بأحقية الفلسطينيين على الحصول على وطن لهم أسوة بالمبدأ الذي يقول بأنه يجب أن يكون لليهود وطن في إسرائيل وعليه يكون قيام الدولة الفلسطينية النتيجة الحتمية المقبولة من الجميع. إن تحقيق مثل تلك الإنجازات الملموسة والمحسوسة كان نتيجة سياسة أمريكية ذات نفس طويل، فهي لم تتحقق بين يوم وليلة بل أتت كنتيجة لجهود حثيثة ومكثفة من أجل تأهيل الطرفين للوصول إلى هذه المرحلة وهي مرحلة ما بعد أنابوليس.

أهداف بوش من هذه الرحلة المطولة إلى الشرق الأوسط تتركز حول ثلاثة نقاط رئيسية وهي دفع المحادثات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي باتجاه قيام الدولة الفلسطينية. وثانيا حث الطرفين على تنفيذ جميع نقاط خارطة الطريق التي سلم بها الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي. الهدف من التأكيد على الإيفاء بالتزامات الطرفين يعود إلى الإصرار على تحقيق إنجازات عملية على أرض الواقع يستطيع الطرفان الإشارة إليها، بالإضافة إلى ذلك سوف تزداد الثقة في الطرفين بشكل تلقائي مما سيساهم في التحرك قدما باتجاه السلام. أما آخر النقاط الرئيسية فهي تأسيس مؤسسات البنية التحتية للدولة الفلسطينية المرتقبة لكي تتمتع بمقومات البقاء والإزدهار. هذه الأهداف الثلاث الأساسية لن تتحقق دون دعم دولي عام ومساندة إقليمية مباشرة. فالمشاركة المباشرة والفاعلة للدول العربية المعتدلة في دفع هذا الصراع باتجاه تحقيق السلام كان انجازا آخرا يعود الفضل فيه لقناعة المشاركين بأن حل قضايا الشرق الأوسط تتطلب مشاركة أهل المنطقة بشكل مباشر وفاعل وإيجابي.

الولايات المتحدة تستطيع تذليل الصعاب أمام العملية السلمية كما تستطيع تخطي العقبات اللوجستية بالإضافة إلى مقدرتها على مؤازرة الطرفين عند الحاجة ولكن الصراع هو صراع فلسطيني إسرائيلي ولن يحل الصراع إلا اتفاق بين الإثنين يحققانه بقناعة كاملة ومساندة شعبية عامة من قبل شعبيهما. التدخلات الخارجية واصرار قوى التخريب والدمار على العبث بمستقبل الشعب الفلسطيني يجب أن ترجح في نحرهم لأن إنهاء المعاناة هو الفجر الجديد الذي يريده الشعب الفلسطيني، يجب على الجميع أن يفعلوا خيرا أو ليكفوا أيديهم عن العبث بمستقبل شعب بأكمله، أما حماس والقوى المساندة لها فيجب عليهم إدراك أن سفينة السلام ستبحر بهم أو بدونهم فعليهم العودة إلى جادة الصواب إن كانوا صادقين في عملهم من أجل فلسطين والفلسطينيين.

وليد جواد
فريق التواصل الإلكتروني
وزارة الخارجية الأمريكية
[email protected]
http://usinfo.state.gov/ar