يطل علينا عام 2008 ليصبح الحاضر بعد سنة 2007 التي إنتهت وأصبحت حوادثها برغم كل شيء تاريخا وإن إستمرت آثارها تتواصل مع الحاضر لتعيد مقولة العديد من المؤرخين والصحفيين بأن التاريخ يعيد نفسه..كلاهما غافل أو متغافل عن أهم ما أنجزه الإنسان في القرن الحادي والعشرين.. وهو القفزة التكنولوجيه التي ربطت العالم كلة بالمعرفه.. معرفة وجود آخر مختلف عنا ثقافيا وحضاريا في أي بقعة في العالم وإن كانت نائيه.. التقدم العملي في جميع نواحي الحياة.. هذا التقدم أخضع كل الظواهر الطبيعيه التي عبدها الإنسان في السابق.. البرق.. الرعد.. المطر.. إلى التحليل العلمي بدل الإرتكاز على تحليلات غيبية إستندت إلى التاريخ.. ومجموعها معلومات قيمة لم تكن معروفه في التاريخ سوى عن طريق حكايات قد تصدق وقد لا تصدق.. ولكن تاريخنا الآن ومنذ بداية هذه القفزة العمليه والتكنولوجية أصبح امرا واقعيا تشهده العين وبالتالي تكتسب المعلومة مصداقيه مجرده من أي تفسيرات أو تأويلات غيبية.. هذه القفزة التي فتحت بابا جديدا على المعرفة وعلى سرعة الإنتقال.. وعلى سرعة ربط جميع أنحاء العالم ببعضها البعض من خلال الشاشات الفضية وأيضا من خلال الإنترنت والتلفون..بحيث خلقت من مفهوم العولمة أمر واقع لا يمكن تفادية سواء بايجابياته أم بسلبياته.. فلا يكاد يمر يوم بدون أن تعكس شاشات التلفزيونات الأثر السلبي والإيجابي للعولمة بكل أبعادها الثقافية والإعلامية والجغرافيه ففي كل يوم جديد نرى كارثه طبيعيه في جزء من العالم.. أو تمرد وعصيان شعبي على حكومة معينه..وأحداث داميه لصراع مزمن بين شعوب تاركا أثارا تدميريه نفسيه وشعبيه.. تصل بآثارها السلبية مناطق أخرى من العالم.. البعيده جغرافيا.. ولكنها لم تعد بعيدة حقيقيا.. نتيجة لسرعة الإتصالات..


السؤال هو إلى متى يستمر العالم في ربط الماضي بالحاضر لتثبيته برغم آثارة السلبيه.. إلى متى يستمر التفكير التقليدي في التشبث بثوابت تضيع على الإنسان في عصر العولمة فرصة الخروج من أزمة الماضي.. بحيث لا نخرج منه.. ولكن أيضا نحدد مسار المستقبل.. بينما تزداد الحاجه إلى تفسيرات منطقيه وتغييرات مجتمعيه جذرية لتنقل الجميع إلى عالم العولمة الذي أصبح واقعا..لقد أضعنا الكثير من الوقت في التنصل من المسؤولية المشتركه لنا جميعا للخروج من عالم الماضي.. بحيث أصبح لزاما علينا تحمل هذه المسؤولية مشتركين في مواجهة الأخطار المشتركة...
إن العجز الواضح في سياسات الولايات المتحده وتخبطها.. وعجز الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي.. في إيجاد حلول للمشاكل المشتركه لا يعفي أي من الحكومات أو مجتمعات العمل المدني في العالم أجمع من المسؤولية لمحاولة أيجاد حلول وبدائل لإخراج المجتمعات والشعوب من أزمة تحكم الماضي في المستقبل للتحدي مجتمعين لأخطار تواجهنا جميعا في عالم العولمة.. وبالتالي تتطلب تنسيقا وإهتمام دوليا مشتركا لإيجاد حلول بأسرع وقت ممكن..


الحاجه ماسه الآن إلى تفكير جديد خلآق لتبني أيدلوجية جديده تبتعد عن حدود الدول لتربطها بآفاق إنسانية أوسع من الحدود..تبنى منهجا جديدا وخلاّقا لإيجاد حلول تتناسب مع عولمية القضايا وعولمية الحقوق.. عولمية المصالح المشتركه بين البشر...قيادة عالمية تتبنى أيدلوجية جديده منبثقه من عالمية الأخطار المحدقه بالجميع.. وتعمل لمصلحة الإنسان في كل مكان.. وليس لمصلحة أحد من الدول الكبرى على حساب بؤس الدول الصغرى أو الدول الفقيرة..إن كيفية مواجهة هذه التحديات السياسيه والإقتصادية والإجتماعيه المشتركة هي التي ستشكّل مسار المستقبل العالمي الجديد في عام 2008 الذي أصبح الحاضر.. وإلا فإن عام 2009 ومايليه سيصبح مستقبلآ أظلم بكثير من التاريخ الذي مضى نظرآ لأن ما يمتلكه العالم من قوة عسكرية ونووية أكبر بكثير مما إمتلكه على مر كل التاريخ الماضي..قوة قادرة على محو هذا العالم بسرعة تفوق سرعة الإنجازات..
التالي جزء من لأهم هذه الأخطار المحدقة بنا جميعا...


1-- خطر سباق التسلح والتنافس لإمتلاك القوة النووية وإنتشار أسلحة الدمار الشامل.. وخطر القنابل العنقودية بالتحديد.. وخطر الربط في إستعمال هذه الأسلحة كلها بالتطرف العقائدي..
2-- خطورة الإحتباس الحراري على البيئه.. والناتج كأثر سلبي لنمط الحياة المتقدم والإستهلاك المتزايد للطاقه في الدول المتقدمة حضاريا وصناعيا وتبديد الطاقه لعدم وجود ضوابط لترشيد الإستهلاك مما يؤدي إلى إذابة الثلوج وإختفاء الكتل الثلجية وإرتفاع في نسبة مياه الأنهار والمحيطات تصاحبها عواصف ضاريه أكثر عنفا وتهديدا للبيئه...
نتيجته معاناة الدول الأفريقية والفقيرة بنسب أكبر من الدول الغنية برغم عدم مسؤوليتها عنه..
3-- خطر تحول القوة الإقتصادية والمالية من الولايات المتحدة وأوروبا إلى آسيا ومدى قدرة الولايات المتحدة وأوروبا على التنسيق والتعامل معها وكبح جماح هذه القوة الصاعدة خاصة في الصين والعمل لصالح الجميع بدلا من مواجة هذا التغيير بالتنافس السلبي أو بالقوة او بالعودة إلى نظام الحماية كما في السابق..


4-- خطر الأثر السلبي للعولمة الإقتصادية والتي تمثلت بزيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء خاصة في الدول النامية.. ومسؤولية الدول الغنية المتقدمة لمساعدة الدول النامية لتحسين إقتصادها وتحسين اداء أنظمتها السياسية للحد من الفساد والحد من هذه الفجوة.. إلى جانب العمل على إفادة هذه الدول من معرفتها العلمية خاصة في مجال الطب لمساعدتها في التخلص من الأمراض المعدية والمزمنه لأن خطر إنتقالها أصبح أكبر بكثير مما كان عليه سابقا..


5--الإعتراف بخطر الصراعات المسلحه والنزاعات التي بقيت سنوات عديده بدون حلول معقوله وعادلة لخروج مجتمعاتها من المأزق النفسي ومن المآسي الإنسانية المصاحبة له.. كما في العراق.. وأفغانستان ودارفور وجنوب تركيا والصومال والصحراء الغربية.. أضف إلى ذلك خطر النزاعات على الأراضي كما في النزاع العربي -الإسرائيلي والنزاع الصيني - التايواني والهند وباكستان.. خاصة مع إرتباط هذه النزاعات بعقيدة دينية تجعل من الصعب إخمادها.. وتحمل في طياتها آثار نفسية تدميرية بعيدة الأجل ولن يستطيع أحد كبح جماعها وآثارها على بقية اجزاء العالم..


6- خطر تخبط سياسة الولايات المتحدة كمركز ثقل تتمتع بديمقراطية ناضجه وموزونه وتمتلك تأثيرا هاما على دول عديده والإنحياز عن هذا التوازن في محاولة للسيطرة والهيمنه على العالم بدلآ من قيادته بما عرف عن قوانينها ودستورها في السابق والإنتقال المحتوم لهذا النظام إلى مناطق جديده في العالم ودول لم تنضج ديمقراطياتها بعد.. وخطورة تصاعد الإحساس القومي بدون نضج أو وعي عالمي كما في الصين وروسيا وإيران وفنزويلا..
7- خطر تزايد الهجرة والنتائج المترتبة عليها سواء على البلد المهاجر منه الذي وبالتأكيد سيفقد أفضل شريحة مؤهله علميا وثقافيا من شعبه.. ولكن وفي المقابل خطر إختلاف ثقافاتها على المجتمع الجديد المهاجره إلية وعدم إنخراطها فية.. وما يترتب على إنعزالها في المجتمع الجديد من نتائج سياسية وإجتماعية وثقافية سلبية على المدى البعيد.


8- خطر تطرف الأديان والصراع المحتد بين الحقيقة الواقعية في القرن الحالي وبين العقيدة التي ترسخت على مدى سنوات طويله من التاريخ.. وإن كان العنف المصاحب للتطرف الإسلامي هو الأبرز اكثر من بقية الأديان الأخرى.. خاصة حين يحمل هذا التطرف عقيدة أنه الأفضل والأنسب للعالم أجمع ناسيا ومتناسيا تغير الزمان والمكان وخطر تصاعد الهوية السياسية الإسلامية التي لا تعترف بالديمقراطية بمفهومها الحديث كنظام سياسي للخروج من شمولية الأحكام المنبثقه من الشريعه وعدم مناسبتها للعصر..


9- خطر عدم التوازن مابين الزيادة السكانية خاصة في الدول الفقيرة والنامية وبين موارد هذه الدول مما يحكمها بأن تبقى في دائرة الفقر بلا نهاية.. والتي قد تترافق مع خطر عدوان بعض من هذه الدول على بعضها من اجل الإستيلاء على مواردها برغم قلّتها.. يضاف إليه خطورة المهاجرين من هذه الدول على الدول الغنية والمحكومة بقوانين سيادية إعتاد المواطن على الخضوع لها وإحترامها..


هذه بعض من الأخطار المحدقة بنا جميعا.. والتي ستطول الدول العربية والإسلاميه على السواء.. سواء اردنا أم لا.. لأنه أصبح عالم واحد.. للأسف نحن فيه متخلفون.. ونسير في إتجاه مخالف لإتجاه العالم.. نتكلم بلغة جديده غير مفهومة قوامها العنف والتصلب والتحريض.. ونريد الإنغلاق في عالم لا نستطيع فيه الحياة بدون الآخر.. فهل نفتح عقولنا وقلوبنا للتضامن مع الآخر من أجل منفعتنا ومنفعة العالم كلة ؟؟


أحلام أكرم

باحثة وناشطة في حقوق الإنسان

لندن