حتى البارحة كان وزير خارجية مصر أحمد أبو الغيط يعلن تشاؤمه من الوضع القائم في لبنان إذ أعلن عن تخوفه منquot;انفجار بلد عربي شقيق يشكل نموذجاً مهماً في التعايش بين الطوائف والأديان في المنطقةquot;. وحتى البارحة كان يسود الأجواء اللبنانية اعتقاد أن الازمة المستفحلة والناجمة عن تعطيل كل المؤسسات الدستورية على مستوى الحكم هي ناجمة عن الفراغ في رئاسة الجمهورية. وبعد صدور البيان الختامي لإجتماع وزراء الخارجية العرب الذي انعقد في القاهرة، لايجاد حل يخرج الازمة اللبنانية،انشرحت صدور اللبنانيين لاحتمال دنو مرحلة الفرج.
وهلل فريق فريق 14 أذآر للبيان الختامي ومحتواه فيما تحفطت كافة أطراف المعارضة، على أساس أن البيان لم يأتي بشىء جديد، وأنه لابد من انتظار توضيحات عمر موسى للاطلاع على التفاصيل، للتقييم وأخذ الموقف،كون الشيطان كما درجت وسائل الاعلام على قوله في اليومين الماضيين، موجود في التفاصيل. وفي السياق ذاته لم تخفي المصادر السورية تحفظها عن البيان الختامي، خاصة وأنه لم تتضح بعد حصة المعارضة اللبنانية الموالية لها في تركيبة الحكومة المقترحة، بالرغم من ارتياحها لوصول العماد سليمان إلى سدة الرئاسة، كونها هي التي عينته في قيادة الجيش أيام وصايتها على لبنان، ومدته بالسلاح والذخيرة في حربه الأخيرة ضد فتح الاسلام في نهر البارد، وكونه يتمتع بعلاقات جيدة بالرئيس بشار الأسد، ولا يشكل قلقاً لفريق 8 أذآر، ولا لحزب الله من ناحية سلاحه، فهم يثقون به ويثنون عليه على الدوام، لصدقه في التعامل معهم منذ 1998.
ولكن وبالرغم من موافقتها الضمنية على العماد سليمان، كانت المعارضة في المرحلة السابقة وعلى لسان الناطق باسمها وحامل سلتها العماد عون، تتطالب باسترداد صلاحيات رئاسة الجمهورية والتي قضمها اتفاق الطائف حسب رأيه، كما بالثلث الضامن في تشكيلة أي حكومة مقبلة، كشرط أساسي يسبق مشاركتها في الانتخابات.. وجاءت مقررات وزراء الخارجية العرب لتتناغم مع هذين المطلبين من ناحية إقتراح اعطاء الرئيس المنتخب quot;الثلث الوازنquot; حتى تستحيل السيطرة الكاملة لأحد فريقي النزاع داخل الحكومة، فلا يكون لاحدهما امكانية الاسقاط أو التعطيل. أما الاقتراحات المتداولة حالياً حول توزيع الحقائب الوزارية، فهي إما 01،6، 14أو 11،5،14 أو اقتراح الثلاثة عشرات. فيكون الفارق في المعادلتين الاولتين وزير واحد سمي سابقاً الوزير الملك يكون إما لمصلحة رئيس الجمهورية أو لمصلحة المعارضة. أما بالنسبة للثلاث عشرات فهو اقتراح للمعارضة تطرحه حالياً للمناورة،أو المزايدة حتى تفوز بالوزير الملك.


والجدير بالذكر هو أن عدم التوصل إلى انتخاب رئيس جديد ليس هو المسبب الاول للتردي الحاصل،على المستويات كافة. بل هو عائد إلى هذا الشرخ القائم بين فريقي 8 و14 أذآر والذي يترجم تباعداً متفاقماً ومتزايداً يوماً بعد يوم بين مختلف الشرائح الشعبية وتبعاً لانتمأتها. وصولاً إلى قناعة باتت تطفو إلى الواجهة اليوم، وهي في عدم قدرة اللبنانيين على التلاقي من جديد، ضمن مؤسسات واحدة تجمع بين هذين الفريقين المتنافرين. وما العوائق التي تظهر تباعاًً، وتوضع بوجه وأمام كل المبادرات والمساعي التوفيقية سوى ترجمة لهذا العجز عن التوصل ألى قواسم مشتركة.
وقبل توزيع الاتهامات والمسؤوليات عن هذا التردي الحاصل والذي سوف يؤدي حكماً إلى الانفجار والتفتت، لا بد من تحميل هذا النموذج الذي يتغنى به اللبنانيون جزأً من المسؤولية. إن دستور الطائف والذي شكل الدستور الجديد لمرحلة ما بعد الحرب اللبنانية خفض من صلاحيات رئيس الجمهورية لمصلحة الحكومة، وأصبحت هذه الأخيرة تمسك بكل مقاليد الحكم الفعلية في النظام. وهو أمر ولد صراع على السلطة مستمر بين مختلف الطوائف والعائلات السياسية من أجل تقاسم الحقائب الوزارية. ودستور الطائف أعطى الاكثرية المتمثلة بمجلس النواب حق التمثيل الاكثري في مجلس الوزراء، وهو أمر باتت ترفضه الاقلية على مستوى مجلس الوزراء، إذ تعتبر هذا التصرف مناقض للفقرة quot;هquot; الواردة في مقدمة الدستور، والتي تقول بعدم دستورية أي سلطة تناقض العيش المشترك،أي النظام التوافقي في توزيع السلطة بين الطوائف. بتعبير آخر يشكو دستور الطائف المعتمد من تناقض خطير يكبل وسوف يعيق الخروج من عنق الزجاجة، لانه اقر القاعدة العددية لإصدار مقررات مجلس النواب، وناقضه على مستوى تشكيل السلطة التنفيذبة أي على مستوى الحكومة حيث فرضت الديمقراطية التوافقية بشكل عرفي. إذاً المسألة ليست عائدة إلى عدم قدرة اللبنانيين على الخروج من الازمة لوحدهم، بل هي عائدة إلى التكبيل الحاصل نتيجة التناقض في النصوص الدستورية.


وحتى في حال تم الاتفاق وقامت حكومة كما كان يحصل سابقاً، فأي حكومة لا يمكنها أن تكون فاعلة في ظل وجود فئة متحفظة عن التضامن، بحجة المحافظة على حقوق الطائفة، وخير مثل على ذلك كان اعتكاف وزراء أمل وحزب الله عن المشاركة في العمل الحكومي لاسباب وذرائع تخص موقف ومصالح الطائفة وليس لها علاقة بالمصلحة العامة. وبالتالي لا يمكن تصور حكم يقوم على مشادات وصراعات دائمة في داخله، ولا يمكن لأي حكومة أن تؤدي مهماتها وفي داخلها فئة تهدد دائماً بالمعارضة إن لم يكن بالتعطيل أو بالانكفاء. فالحكم أياً كان نوعه حتى يكون فاعلاً ومنتجاً يجب أن يكون أولاً متناسقاً مع ذاته أي منسجماً مع كل تلاوينه، على أن تكون المعارضة من خارجه، وليس من الداخل أي من التركيبة القائمة. وهذا الخلل في الدستور عمل على شلل الحكومة القائمة، وسوف يظل على المنوال ذاته بالنسبة لأي حكومة مقبلة. دون أن ننسى أن الانقسام الداخلي بين الطوائف المتواجدة في الحكم، تغذيه وتدعمه أطراف قد تكون اقليمية أو غربية، لمصالحها الذاتية، وهذا ما يعمق أكثر الشرخ القائم، ولا يساعد على الالتحام والتنسيق.


مهى عون
e.mail:[email protected]