تعتبر الطائفة المسيحية لأقباط مصر اكبر أقلية دينية في الشرق الأوسط. و لا غرو في ذلك فهم السكان الأصليون لمصر قبل دخول الإسلام إليها. و لقد عانوا لقرون طويلة من التنكيل ndash; بما فيه دفع الجزية ndash; التي تم الغاؤها في منتصف القرن 19 مع انفتاح مصر على الخارج اثر حملة نابليون. ثم استفاد الأقباط كغيرهم من المصريين من الجو الليبرالي الذي ساد مصر قبل سقوط الدولة بأكملها في مخالب حركة يوليو العسكرية عام 1952. إذ عملت هذه الأخيرة على تهميش الأقباط بإقصائهم من عديد الأنشطة و الوزارات السيادية و الجيش، كما ورد في تقرير منظمة العمل الدولية الذي صدر السنة الماضية. و زادت المضايقات التي تخص تطبيق الشعائر الدينية و في مقدمتها عدم القدرة على ترميم الكنائس و بناء كنائس جديدة. كما دخلت فتاوى التكفير التي تصدرها المؤسسات و الجماعات الإسلامية على الخط باستحلال أموال و أرواح الأقباط، و التي طالت حتى بناتهم القاصرات اختطافا و اغتصابا و اسلمة قسرية.
لعل ما يلفت الانتباه في تقرير منظمة quot;هيومن رايتس ووتشquot; الأخير عن انتهاكات المعتقدات الدينية في مصر تخصيص الفصل الخامس منه لقضية أساسية يعاني منها مسيحيو مصر - سواء الجدد منهم، أي القادمين من الإسلام -، أو الأقباط الذين اعتنقوا الإسلام في فترة سابقة و يودون العودة إلى المسيحية ( و يمكن الاطلاع على النص الكامل للتقرير على الرابط:
http://www.hrw.org/reports/2007/egypt1107/5.htm
جاء في مقدمة التقرير:
quot;يواجه المصريون المسلمون الذين يرغبون في اعتناق المسيحية مأزقا. فالدولة لا تعترف بذلك و لا تسمح للمواطنين بتغيير ديانتهم بصفة قانونية، أو استبدال اسم مسلم بآخر مسيحي على بطاقة الهوية. لذلك يواجه هؤلاء المواطنون مشاكل عندما يتعلق الأمر بقانون العائلة الذي يتم فيه الاحتكام للشريعة في حالات الزواج و الطلاق و الميراث. كما يصعب عليهم تربية أطفالهم على الدين الجديد الذي اعتنقوه. و يضطر بعضهم الحصول على وثائق مزورة، مما يعرضهم للوقوع تحت طائلة العقوبات التي يفرضها القانون.


الأساس لهذه المشاكل ناتج عن ضبابية القانون المصري. يقول التقرير:
quot; تقوم مصلحة الشهر العقاري بتسجيل و توثيق الديانة للمواطنين، بما فيه تغيير الديانة. و بالنسبة للذين يعتنقون الإسلام يتوجب عليهم أن يكون عمرهم فوق 16 سنة و يقدموا مطلبا في ذلك لمصلحة الأمن بوزارة الداخلية. ثم تنظم هذه الأخيرة لقاء لصاحب الطلب مع ممثل للديانة السابقة التي خرج عنها ليقدم له النصح بشان المخاطر من تبديل الديانة. و عند فشل المحاولة يحق للمواطن توثيق ديانته الجديدة ndash; الإسلام ndash; في بطاقة الهوية. و قد يبدو هذا معقولا، لكن العجب العجاب هو أمر وزارة الداخلية ndash; و القول لتقرير هيومن رايتس ووتش ndash; الصادر بعد مظاهرات المسيحيين في ديسمبر 2004 ضد ما اعتبروه اسلمة قسرية لزوجة قس مسيحي، و الذي يطالب الأزهر quot; بوضع مزيد من الصعوبات للذين يودون اعتناق الإسلام بهدف الحد من التناحر الطائفي quot;. و هذا أمر غريب لان المهمة الأساسية للأزهر هي الدعوة للإسلام، فكيف نطالبه بالعمل عكس ذلك !
لحسن الحظ يبدو التطبيق مخالفا. يقدم التقرير لمثال الفتاة غادة التي اعتنقت الإسلام عام 1996 و استطاعت وقتها تغيير أوراقها quot;في رمشة عينquot;، و حصلت على بطاقة ولادة مجانا، و هي quot;الوثيقة المجانية الوحيدة quot; التي تقدمها الإدارة المصرية، و فقط للذين يغيرون ديانتهم إلى الإسلام، كما صرح بذلك محامي لمنظمة هيومن رايتس.


أما بالنسبة للاتجاه الآخر ndash; أي الذين ينتقلون من الإسلام إلى المسيحية -، يقول التقرير: quot; يواجه هؤلاء و المقربون منهم احتمال التمييز ضدهم من الإدارة الحكومية و من المجتمع أيضا، بما فيه إلغاء الزواج للمتزوجين من مسلمات... كما قد يتعرضون لعقوبة السجن حسب الفصل 98 من القانون الجنائيquot;، الذي يعاقب على كل ما من شانه quot; تحقير الأديان السماوية أو تهديد الوحدة الوطنية و السلم الاجتماعية quot;. و من الواضح إن لهذه العبارات الأخيرة من المرونة في التفسير ما يجعل أي مواطن مهددا، خصوصا وان الفصل المذكور لم يحدد على أي أساس يمكن اعتبار اعتناق ديانة جديدة تهديدا للوحدة الوطنية و السلام الاجتماعية!


ربما لهذه الأسباب صرح المحامي ممدوح نخلة للمنظمة:quot; من غير الوارد مجرد التفكير في أن تصادق وزارة الداخلية على اعتناق شخص ولد مسلما الديانة المسيحيةquot;. و صرح محامي آخر: quot; قليلون من المسلمين الذين يعتنقون المسيحية يقومون بإتباع الإجراءات القانونية المطلوبة... و كل ما يمكننا فعله هو مساعدتهم على الهجرة إلى الخارج لكن هذا أصبح صعبا بعد 11 سبتمبرquot;.
يقدم التقرير شهادات حية تؤكد ذلك: مصطفى الشرقاوي الذي ولد في عائلة
دخلوا المسيحية على يده خلال السنوات الخمس الماضية. فهذه التشريعات و الممارسات التي تتناقض مع مبادئ حرية المعتقد لا تحقق أي شيء باستثناء الإساءة للمواطن المصري و لسمعة مصر، كما تؤدي إلى هدر كبير للموارد الوطنية في قضايا مفتعلة لا وجود لها في معظم دول العالم.

أبو خولة

[email protected]