إلى النجوم

بعيدا عن هواجس بعضنا السياسية، بعيدا عن اعتقال الرفاق والأصدقاء، وحصار الآخرين، بعيدا عن فقر يمشي في شارع مهجور من الحياة إلا من أناس شدوا الرحال نحو المجهول، أو نحو غربة، بعيدا عن مطالب بعض الساسة الذين نحترم وجهات نظرهم جميعا سواء من قال لك تعالي إلى دمشق، أو من قال لك لا تذهبي! صوتك لازال عنوانا على ضفتي بردى الذي تحول إلى مياه راكدة، ربما تحول جراء غيابك عن دمشق. أنت سيدتي فوق السياسة وفوق، كل ما يقال أو يمكن أن يقال، من حق سكان دمشق الاستماع إليك وجها لوجه، استفاد من مجيئك من استفاد أو تضرر من تضرر، أكيد الدكتور عارف دليلة وميشيل كيلو وأنور البني وفايز سارة وأكرم ورياض وجبر وعلي، وزهرتنا الأسيرة الآن فداء حوراني سيسمعون صوتك، ربما يدخل شيئا من المشاعر الشفافة إلى قلوبهم المتعبة من جدران الزنزانة.

دمشق أبدا ليست زنزانة فقط، وليست سلطة عاتية، وليست معارضة مدموغة بختم السجان فقط، وخلافات الطوائف والعشق الذي لم عد دمشق تعيش قصصه منذ أن ملأت سلطتنا شوارع دمشق بالفقر والجوامع المنارة على الطريقة الغربية. دمشق أبدا لن تعتقل مهما كانت الأيادي بيضاء أو سوداء. ودمشق لم تنتظر جورج بوش من قبل عندما كانت كلها معتقلة قبل ثلاثة عقود من الزمن، ولن تنتظره الآن. فجورج بوش يعرف أنه غطاء الغطاء! وإلا ما سر هذا المدح لكل السياسات اليمينية الإسرائيلية في المنطقة؟

لن أوجع رأسك بكل ترهات مثقفينا، فلديهم القدرة بجرة قلم صغيرة، أن يحولوا خصمهم إلى خائن! لمجرد أنه مختلفا! ربما صوتك يعيد إلى الناس شيئا من احترام العقل، شيئا من السماحة في العمل السياسي، شيئا من العشق، بعد أن شاخت عقولهم قبل قلوبهم وانتهوا إلى حيث يريدهم السلطان في جوقة تخوينه لكل من يخالفه الرأي. لم يعد لديهم ما يقدمونه سوى أن المختلف معهم خائن لا محالة! إذا كانوا قد حولوا ميشيل كيلو وهو رائد من رواد مؤتمرهم القومي العربي إلى خائن، فمن باب أولى أن يحولوا من ليس قوميا عربيا إلى مجرد عميل أو مخبر.

أبعد كل هذا يمكن القول أن دمشق لا تحتاج إلى صوتك؟ صوتك هو من كان يوحد السوريين في السابق، قبل أبو القعقاع، وعلمانيي الطوائف. يا شام عاد الصيف..هذه لازمة تحولت إلى دندنة بعد صوتك على لسان كل دمشقي، ولكنني أخاف فقط أنه عندما تأتين إلى دمشق لن تجدي أحدا من سكان دمشق في استقبالك! فهم انتقلوا إلى الضواحي أو إلى المنافي.

وربما استطعت أن تزوري سوق البزورية ومدحت باشا قبل أن يستولي عليه، ملوك الجان! لأنهم هددوا أصحاب المحلات في هذا السوق، يريدون هدم كل معالم دمشق، كما هدموا سوق الخجا من قبل. لم يعد من دمشق التي تعرفينها سوى ما تسمعينه في نشرات الأخبار، ممانعة فممانعة فاعتقال. ولذا أقول لك تعالي عسى يكون في مجيئك، في صوتك، ما يجعل الله ينظر إلى ساحة المرجة قليلا. أنت التي تقولين أهلا بكم في دمشق.


غسان المفلح