بنازير بوتو زعيمة المعارضة رئيسة الوزراء السابقة لباكستان، صرحت قبل مصرعها ببضعة أيام أمام نحو 25 ألف من أنصارها ٍ بأن الرئيس مشرف لم يفعل شيئا لاصلاح المدارس الدينية،وأكدت فى الوقت نفسه على احترامها للمدارس الدينية الحقيقية وقالت ان هناك مدارس دينية سياسية فى باكستان تعلم طلابها كيف يصنعون القنابل ويستعملون البنادق ويقتلون النساء والأطفال وكبار السن. وقالت انهم هم الذين طلبوا من الأطفال حمل القنابل فى عيد الأضحى وقاموا بالهجوم الانتحاري لقتل وزير الداخلية السابق ووقع 150 ما بين قتيل وجريح.

المعروف تأريخيا انه منذ حصول باكستان على الاستقلال فى عام 1947 وحتى الثمانينات لم يكن للمناهج الاسلامية وجود يذكر فى باكستان، اذ كان التعليم النظامي العلماني هو السائد والوحيد فى المدارس الباكستانية. وقد أدخل الرئيس السابق (الجنرال ضياء الحق) التعليم الاسلامي فى مناهج المدارس الباكستانية حيث كان مقتنعا بانه لن يستطيع المحافظة على مركزه الا بتأييد علماء الدين الباكستانيين المتشددين.

فى عام 2002 طالب الرئيس الباكستاني مشرف المدارس الدينية باتباع الخطوات القانونية فى الكشف عن كل تفاصيل نظامها الاداري والتربوي والتسجيل لدي الدوائر الحكومية. ولم يخف الرئيس الباكستاني قلقه من احتواء المناهج التعليمية على تدريس التطرف الديني والتحريض على الارهاب، ولاقى معارضة شديدة من الجماعات الدينية ومؤيديها. وقام مشرف بطرد الطلاب الأجانب الذين يدرسون الدين وعددهم يزيد على الف واربعمائة طالب، اثر تفجيرات لندن التى اشترك فى تنفيذها خمسة من أصل باكستاني ثلاثة منهم يحملون الجنسية البريطانية.

حسب الاحصائيات الأخيرة فان فى باكستان 13 ألف مدرسة دينية، يدرس فيها حوالي مليوني تلميذ فى الأقسام الداخلية، وعددهم يتزايد بسرعة مذهلة، وتتبنى هذه المدارس الشبان الصغار اليائسين ومعظمهم من الأيتام او العوائل الفقيرة. هؤلاء التلاميذ دخلوا هذه المدارس بسبب فقرهم وعدم تمكن معيليهم من الصرف عليهم، فالمدرسة تتكلف بمأكلهم ومنامهم وملبسهم. اما مصادر التمويل فمعظمها من مؤسسات خيرية فى دول الخليج، والجاليات الباكستانية فى بريطانيا وأمريكا والخليج العربي، والقارة الأفريقية، وما يحصل عليه الطلبة عندما يرسلون للاستجداء فى الأسواق.

ومنذ سنين بدأت تتسرب معلومات عن الاعتداءات الجنسية (اللواط) من قبل المعلمين على الطلاب، ولكن لم يتخذ شيء جدي للحد منها او ايقافها. وهذا أمر مخيف جدا، اذ كيف ستكون مشاعر هؤلاء الطلبة المعتدى عليهم بعد التخرج؟ كيف سينظرون الى المجتمع وكيف سيتعاملون معه؟ منهم من سيصبحون ائمة جوامع، فماذا سيقولون فى خطبهم؟ لا شك فى انهم سيكونوا متطرفين و سيحرضون على القتل والاقتتال وتجنيد الارهابيين، وينشئون أجيالا جديدة من القتلة والمتشددين. أما الذين سيختارون (الجهاد) فسيذهبون الى أفغانستان والعراق لتفجير أنفسهم ويقتلون دون تمييز، و يذهبون ايضا الى اوروبا وامريكا للغاية نفسها، و لقد فعلوا كل ذلك. ونحن فى العراق ما زلنا نعانى ونواجه أعمالهم الاجرامية فى كل يوم. ان الانتحاريين فى العراق ليسو باكستانيين وانما أغلبيتهم عرب درسوا فى مدارس باكستان الدينية أو مدارس شبيهة لها فى بلدان عربية.

قبل نهاية العام الماضى وفى تصريح للرئيس الأفغاني حميد كرزاي الى (سى ان ان) أكد ان مفتاح تخليص أفغانستان من الجماعات الارهابية لا يكمن فى زيادة عناصر القوات المسلحة وانما بتدريب المزيد من الجنود واغلاق المدارس الدينية فى باكستان التى تشجع العنف. وأوضح كرزاي ان المدارس الدينية عبارة عن معسكرات تدريب وتفريخ الارهابيين الذين يقتلون النساء والأطفال فى كل مكان، يقتلونهم فى أفغانستان و فى لندن، وقتلوهم فى السعودية.

قبل بضعة أيام قررت السلطات الألمانية توجيه انذار الى مثل هذه المدارس فى المانيا بوجوب تغيير مناهجها التعليمية التى تدعوا الى التكفير وبث الكراهية بين الشعوب، والا سيؤدى امتناعها الى اغلاق هذه المدارس ومحاسبة اداراتها. وحصل مثل هذا فى عدة دول مثل: بريطانيا، و اسبانيا، والنمسا، وايطاليا.

المدارس الباكستانية الارهابية وشبيهاتها فى البلدان العربية قد شوهت الدين الاسلامي واساءت اساءة بالغة للمسلمين فى كل مكان، واصبحت تشكل تهديدا خطيرا للسلام والاستقرار فى جميع انحاء العالم. ان باكستان تملك حاليا حوالي خمسين رأسا نوويا، ومع ان مشرف كرر مرات عديدة بان هذه الأسلحة هى فى أياد أمينة ومواضع حصينة، ولكن من يدرى ما قد يحصل فى بلد فيه الملايين من المتعصبين الدينيين الجهلاء، وقد يصل اصبع واحد منهم ليضغط على زر الدمار الشامل.

عاطف العزي
كندا