إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوّه
الرسول محمد (ص)
-1-

في الحكم.. في السلطة في الدولة الحديثة، وبالذات دولة ما بعد الشمولية، لا يصلح للحكم إلا من لا دين له أو بالأحرى من هو اقرب إلى الأرض منه إلى السماء..!
شؤون الناس التي هي في الأساس شؤون أهل الحكم تقوم على هذه الأرض وفي هذا الفضاء الكوني المادي الحافل بالغازات والأوزون و...طبقة الأوزون المخرومة..!
مصالح الناس ومعاش الناس وإهتمامات الناس وسعادتهم وأمنهم ومستقبلهم ورفاههم يقوم هنا لا في جنة الوهم ولا بين أجداث المرحومين الذين هلكوا منذ آلاف السنين.
هؤلاء عاشوا عصورهم وأزمانهم في ظل ما امتلكوا من وعي في تلك العصور وفي ظل حراك حيواتهم وظروفهم وأقدارهم وترتيبات أنماط عيشهم، وعلى ضوء جميع هذا أوجدوا آيديولوجيات دينية وفلسفية وسياسية وعسكرية وأنظمة فقهية وقضائية تناسب عصورهم، ورحلوا جميعا بخيرهم وشرّهم ولا مناص لمن يريد العيش في عصره هذا، عصر العلم والكشوف العلمية الجبارة، لا مناص من أن يعيش بعقلية العصر ووعي العصر ومدركات العصر وفقه العصر، الذي من ابرز عناصره العلمية والعقلانية والبراجماتية والحيادية والنظر للأمور من مختلف الزوايا وتقديم الأولويات الإستراتيجية المادية العيانية على ما عداها، وبالذات على اوهام التاريخ وأساطير الأولين وقيم ومفاهيم الماضي السحيق.
المنطق السياسي في يومنا هذا، المنطق الحضاري يقول ( إذا جاءكم من لا دين له فحكمّوه ).
لأن من لا دين له سيقف على مسافة واحدة من كل الأديان والآيديولوجيات والأفكار وبالتالي مثل هذا يمكن أن يصون البلد ووحدة ترابه وثرواته ومستقبله..!
لأن مثل هذا تقف اقدامه على الأرض لا في فضاء الوهم..!
لأن مثل هذا يمكن أن يجمع شمل الناس، بينما الأديان تفرق الناس وتبعث فيهم الكراهية والبغضاء..!
مثل هذا يمكن أن يكون فردا مثل السيد حميد مجيد موسى أو اياد علاوي أو اياد جمال الدين أو مثال الآلوسي..أو أو..!

-2-

في حديث لأستاذ العلوم السياسية في جامعة فيرمونت الأمريكية، وهو ايضا خبير بالشؤون السعودية، يؤكد الرجل أن ( المملكة العربية السعودية تدعم بقوة عملية إستبدال المالكي باياد علاوي، الشيعي العلماني )..!
عبر التاريخ الطويل للعراق الحديث، كان للجيران كل الجيران دورٌ مؤثر في قيام وسقوط انظمة الحكم عندنا..!
ليس من باب العدوانية والتسلط لدى هؤلاء، وليس ظلما منهم لنا ولكن لأن هذا هو منطق الأشياء..!
من يقيم بيتا، عليه أن يتوافق مع جيرانه في الحد الأدنى من درجات التوافق وهي أن أأمن لك وتأمن لي، أأمن لجوارك وتأمن لجواري، احفظ حرمة بيتك في علتك ومرضك وغيابك وتحفظ حرمة بيتي وخصوصيات اسرتي ( مجتمعي )..!
ثم نجتمع وإياهم على مصالح مشتركة تعزز الود بين النظامين والأسرتين ( الشعبين )..مصالح تقوم على الود والفهم والقبول والتبادل السلمي للمنافع.
هذا ما فعله العراق الحديث إبّان حكم المرحوم فيصل الأول، حيث عقد الرجل المعاهدات مع كل دول الجوار وكان أمنا وسلاما دام قرابة النصف قرن..!
الولادة الحديثة للعراق، المولود الهجين العليل الذي أنجبته الدبابة الأمريكية في ظل غيبة الوعي العراقي، ينطبق عليه حال عراق الجنرال مود..!
ينبغي أن يرضي الجوار، كل الجوار وعلى أساس القواسم المشتركة والمصالح المشتركة.
والسعوديون كما الآخرون، لهم مصالحهم الوطنية التي لا يمكن أن يأمنوا لها إلا في ظل عراق متوازن متعقل معافى، يعيش الحاضر ويمتلك أجندة وطنية سلمية ناضجة عاقلة يمكن أن تحفظ حقوق وحرمة الجوار، وهذا ما لا ينطبق على حكومة السيد المالكي وعراق السيد المالكي.. البتة..!

-3-

رغم أن القدر الجغرافي والتاريخي فرض على السعوديين أن يكون بيت الله الحرام عندهم، وكان لهذا أثره الكبير في الإداء السياسي لحكام هذا البلد الطيب وشعبهم، رغم هذا فإنهم حافظوا وبذكاء على مسافة معقولة من اهل الدين، وتلك خصلة ذكية جنبتهم الصراع الداخلي مع هؤلاء وحفظت للبلد والشعب إستقراره وتقدمه وتطوره المتوازن..!
كانت العصا ثقيلة وكان من العسير إمساكها من المنتصف، ولكنهم إجتهدوا في أن يفعلوا وكلّفهم هذا الكثير والكثير جدا، ونجحوا إلى حد كبير.
مرّت قوافل من الثوريين في جوارهم وأشتعلت حروب عديدة وصراعات على مرمى عصا من عاصمة ملكهم ومع ذلك، عبروا المخاضات الصعبة من خلال العمل الهاديء الصادق النية، البعيد


عن الثرثرة الحمقاء والشعارات الرنانة.
وها هم اليوم يعانون من الجار العراقي الممزّق الذي ينهش بعضه بعضا بفضل فتنة الطوائف التي اوجدها الأمريكان لا بارك الله بهم..!
اهل الحكم في السعودية لا يعنيهم أن يكون حاكم اليمن إمامٌ زيدي أو أن يكون رئيس مصر إشتراكيا عروبيا أو أن يكون في العراق رئيس وزراء شيعي كالمالكي أو غيره، ولكنهم يعنيهم كل العناية أن لا يكون هذا الحاكم أو ذاك عميلا لبلد آخر له أجندة توسعية أو آيديولوجيا يودّ نشرها، كالإتحاد السوفيتي السابق أو إيران الولي الفقيه..!
المسألة لا علاقة لها في عرفهم البراجماتي، بين بوذي وشيعي وهندوسي ويهودي، ولكن العلاقة كل العلاقة تكمن في مقدار إستقلاليته وعدله وإرتباطه بأرض بلده ولحمة شعبه وحرصه على أن لا يكون خنجرا في ظهور جيرانه.
حين غزا صدام السني العروبي الجارة الكويت، وقفوا ضده بقوة وأسهموا في تحرير الكويت من قبضته، ولكنهم قبل ذلك حين وجدوا العراق موشكا على السقوط بالحضن الإيراني، وقفوا مع ذات صدام بمنتهى الحزم والقوة، بذات القدر الذي إجتهدوا فيه من اجل إيقاف الحرب بلا غالب ولا مغلوب.
واليوم حين يجدون في علّاوي وهو الشيعي العلماني العروبي، يجدون فيه الكفاءة للحفاظ على لحمة العراق ومنع تهديد الأرض والحكم واللحمة السعودية، نجدهم يدعمونه بقوة.. وهذا شأنهم وذلك حقهم وتلك مصلحتهم.

-4-

السيد المالكي كما الهاشمي والدليمي والضاري والجبوري مشعان، رجال طوائف، يرون العراق من نافذة الطائفة، يحلمون بالعراق خيمة لطائفة، يرسمون عراق المستقبل على مقاس جسد طائفة..!
حتى ابعدهم عن الطوائف، لا يستطيعون أن يعرفوا العراق إلا عربيا سنيا متفاعلا مع هموم أمته القومية بوجهها الطائفي السني، أو... عراقا هجينا مشتتا ممزقا تحكمه إيران عبر رجالاتها العراقيين من حثالات الأميين الغوغائيين الجهلة، وينشغل موصلا ليله بنهاره في نواح ولطم وبكاء على الماضي، بينما حدوده مستباحة ومخابرات شقيقة ( شيعته ) الكبرى، تعبث بمقدراته بمنتهى الحرية
فيما شعبه مشغول بالنواح والزحف مرتين في الأسبوع على الأقدام عبر مئات الكيلومترات، حاملا بيارقه العتيقة الوسخة الحمراء والبيضاء والخضراء، متوجها صوب قبور الأجداد العظام..!
الإثنان... ممثلا الطائفتين، لا يصلحون لحكم العراق لأنهم لا يمثلون حقا وصدقا هذا العراق بكل تنوعه وبكل عمقه التاريخي ونمط العلاقات التاريخية الإنسانية النبيلة القائمة بين عناصره.


الإيرانيون وعبر خمسة أعوام من حكمهم للعراق من خلال نظام المحاصصة الطائفية المتخلف نجحوا بيسر في تصفية الكفاءات العراقية في كل علم وفنّ، ليجعلوا البلد عليلا مشلولا بالكامل، غير قادر على العيش بدون حضورهم السيادي على إقتصاده وترابه وعلاقاته ودبلوماسيته.
البارحة القى الجيش العراقي القبض على بضعة إيرانيين في اقصى جنوب العراق وفي منطقة إستراتيجية مشرفة على الكويت والخليج عامة.
ليس إلا ليلة واحدة وإذ بحكومة المالكي تطلق سراحهم مع إعتذار شديد عن الإزعاج الذي سببه لهم اشقائهم في الجيش الطائفي العراقي البائس..!
وذات هذا الأمر يحصل كل يوم، سواء من قبل العراقيين أو الأمريكان..!
كيف يمكن إذن للسعوديين أو الكويتيين أو العرب عامة أن يأمنوا لحكومة آل البيت ( قدست اسرارهم الربانية )...!

كامل السعدون