الحلقة الاولى
مدخل الى موضوع البحث:
في يوم 9-4-2003 وصلت القوات الامريكية الى داخل بغداد واسقطت اكبر تماثيل صدام في ساحة الفردوس كدلالة على نهاية حكم البعث .. وان صدام ونظام البعث قد اضعفا العراقيين الى درجة انهم لم يستطيعوا ان يحيطوا او يسقطوا هذا التمثال بدون مساعدة القوات الامريكية .
وفي الـ 21 من نيسان عام 2003 نصب الرئيس بوش الجنرال المتقاعد جاي كارنر مدير لجهاز لادارة شؤون العراق هو (مكتب الاعمار والمساعدات الانسانية ) (اوراها) offece of Reconstion and humanitarian Assistanca o.R.u.A وجاء كارنر الى العراق لتولي ادارة شؤونه وبدأ العمل وعين الجنرال البريطاني مساعدا له . ولكن بعد تنصيب كارنر قام القوميون العرب المتعصبين بحملة ضده واتهموه بأنه صهيوني وصديق لاسرائيل . لكن الحقيقة هي ان كارنر امريكي وهو مثل كل الامريكيين لا يعادون اليهود ولا اسرائيل ، والا فان كارنر مسيحي الديانة .
وكان كارنر قد جاء الى العراق لتأسيس (المنطقة الامنة) و (المنطقة ضد الطيران) مع الجيش الامريكي والحلفاء في اطار عملية (المطرقة المتأهبة) ، وبقي مقيما في كردستان مدة تعرف خلالها على قيادات سياسية واجتماعية وثقافية كردية واقام صدقات معها وحصل على معرفة بشؤون الكرد والعراق .
وقد زار جاي كارنر كردستان وجرى الترحيب به بحرارة ، وطلب من اصدقائه الكرد ان يذهبوا الى بغداد وان يشاركوا بفعالية بتاسيس العراق الجديد ، ونصح المجموعة الخمسة بتوسيع قاعدتهم الجماهيرية بدلا من البقاء باعدادهم القليلة وان يشركوا 20 ndash; 25 جماعة عراقية اخرى وان يعقدوا مؤتمرا واسعا لممثلي الاحزاب والمنظمات والشخصيات السياسية والاكادمية والدينية والعشائرية وان ينتخبوا في هذا المؤتمر وزارة لادارة شؤون العراق .
الادارة الامريكية اجرت خلال سنوات عدة مباحثات واقامت تعاونا مع المعارضة العراقية ، وجاءت اسماء منظمات عراقية في قانون تحرير العراق الذي اصدره الكونكرس الامريكي هي المنظمات التي تتعامل معها الولايات المتحدة وهي (المؤتمر الوطني العراقي ، حركة الوفاق الوطني العراقي ، المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق والحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني .. هذه المنظمات الخمسة عرفت فيما بعد بالمجموعة الخمسة . وقد جرت بين المجموعة الخمسة والمسؤولين الامريكيين العديد من الاجتماعات والحوارات احيانا مع كل طرف واحيانا ممثلي المجموعة مع ممثلي امريكيا وبريطانيا ..
وقد نصح الامريكان منذ البداية المجموعة الخمسة ان يشركوا الاحزاب والمنظمات والشخصيات العراقية الاخرى وان يوسعوا قاعدتهم . وعقد ممثلو المجموعة الخمسة في بغداد اجتماعات دائمة على مدى عشرين يوما لتقييم مشروع كارنر حول توسيع قاعدة المجموعة الخمسة وخلق مؤتمر وطني واسع وتشكيل الحكومة . في بعض الاجتماعات شارك كلا القائدين الطالباني والبارازاني ، وكان اعطاء المجموعة الخمسة في ذلك الوقت يملكون حق (الفيتو) وكان التصويت بالاجتماع على أي قرار .. لكن ممثلي المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق الذين عادوا من ايران حديثا ولم يكونوا يملكون ثقلا جماهيريا كبيرا يعارضون مشروع كارنر . وبعد اخذ وعطاء ومناقشات لعدة اسابيع وافقوا على نظام جماعتين : حزب الدعوة الاسلامية ، جناح ndash; د. ابراهيم الجعفري ، والحزب الوطني الديمقراطي لنصير الجادرجي .
وكان العراق في هذه الفترة بلا حكومة وكان يعيش كدولة وشعب في فراغ ، لم تملأه لا امريكا ولا المجموعة الخمسة صديقتها ولم يتوصلوا الى كيفية مليء هذا الفراغ .. امريكا كانت بحاجة الى سلطة قانونية في العراق لكي تتمكن من بيع النفط ومن واردات العراق تستطيع دفع رواتب الموظفين وتأمين نفقات الخدمات العامة . عدد من مراكز القرار الامريكي وصلوا الى الاعتقاد بان العراقيين انفسهم وبالاخص قيادات المعارضة العراقية العائدة من خارج البلاد غير قادرين حاليا على ادارة الدولة العراقية . ولذلك فان الادارة الامريكية اعدت بمساعدة الدبلوماسيين الانكليز مشروعا الى مجلس الامن تأخذ فيه على عاتقها ادارة العراق quot;quot;كسلطة محتلة quot;quot; ولم يمض وقت طويل حتى حل مكتب الاعمار (اورها) وابعد كارنر لانه لم ينجح في المهمة التي اوكلت له ، وغيرت الولايات المتحدة سياستها من (محرر) الى (محتل) .
تشكيل سلطة الائتلاف المؤقتة:-
يوم 6-5-2003 شكلت ((سلطة الائتلاف المؤقتة)) بدلا عن (اورها) وللاختصار اسميها (سام) ، وذلك لتتولى ادارة شؤون العراق وعين الرئيس بوش السفير بول بريمر مديرا لها . وقد عمل بريمر مع هنري كيسنجر وانه خبير في محاربة الارهاب .
يوم 3-5- 2003 وصل بريمر الى بغداد وباشر عمله وبدلا عن الجنرال البريطاني بروس اصبح السفير جون ساورز مساعدا لبريمر .. هذه التغيرات ترتبط الى حد كبير بالصراع بين البنتاكون ووزارة الخارجية الامريكية وي أي أي فيما لا تزال مركز القرار الامريكي لا تمتلك سيناريو مشترك عن كيفية ادارة العراق ..
وقد امسكت القوات التحالف في العراق بادارة شؤون العراقيين بشكل مباشر بعد ان عرفها قرار مجلس الامن المرقم 1483 لسنة 2003 بـ (السلطات المحتلة) وهو قرار ادى الى نوع من خيبة الامل لدى القوى العراقية اتجاه سياسة امريكا ووعود الرئيس بوش والمسؤولين الامريكيين حول تحرير العراق من دكتاتورية صدام وخلق عراق نموذجي ديمقراطي في الشرق الاوسط .
في ذلك الوقت كان مام جلال في بغداد والتباحث مع مسؤولي سلطة الائتلاف الجدد دعاهم على انفراد في بيته .
يوم 19-5- 2003 عقد في قصر المؤتمرات اجتماع مشترك لمسؤلي سلطة الائتلاف ومسؤولي المجموعة السبعة حضره من جانب قوات التحالف الدولي السفير بول بريمر (امريكي) والسفير كروكر (امريكي) والسفير ساورز (انكليزي) وعدد من الجنرالات الامريكان والانكليز وعدد من المسؤولين فيما مثل القوى العراقية اطراف المعارضة العراقية السابقة : من الاتحاد الوطني الكردستاني جلال الطلباني وحمه توفيق وكذلك انا شخصيا ومن الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارازاني وهوشيار الزيباري ومن المؤتمر الوطني العراقي احمد الجلبي وكوران طالباني ومن حركة الوفاق اياد علاوي ونوري بدران ومن المجلس الاعلى د.عادل عبد المهدي وحامد البياتي ومن الحزب الوطني الديمقراطي نصير الجادرجي ومن الدعوة د.ابراهيم الجعفري .. وقد جرى النقاش في الاجتماع حول المشروع الامريكي البريطاني المقدم الى مجلس الامن الدولي والذي عرفوا انفسهم بموجبه كسلطة احتلال ، هذا المشروع الذي كان خيبة امل لجميع القوى اتجاه السياسة الامريكية ووعود بوش والمسؤولين الاخرين في امريكا . وعبرت جميع الاطراف عن عدم رضاها وكان اكثر عدم رضا الطالباني حيث قال في كلمته : انه حسب هذا القرار فان العراق لا سيادة له ولا استقلال ولا سلطة على ثرواته ولا تمثيلا دبلوماسياً له وهذا لا يتفق مع وعود التحالف الذي بدا الحرب بأسم تحرير العراق . ان العراق بلد معقد جدا وان حكمه صعب للغاية ان العراقي وحده قادر على حكمه وانكم ستواجهون مشاكل كبيرة جدا . نحن اصدقائكم وحلفائكم ، لقد حققتم نصرا عسكريا كبيرا جدا ، لكن هذا جانب واحد بدون النصر السياسي يبقى نصرا ناقصا . نحن نرغب عندما تغادرون العراق ان تكونوا قد حققتم نصرا كاملا وهذا يتم بان تسلموا شؤون العراق بيد العراقيين انفسهم وان تساعدوهم انتم .
اثناء حديثه هذا همست له في اذنه قائلا :- ماذا نستفيد نحن الكرد من مواجهة القرار الامريكي ، هذا شأن العراقيين ان يدافعوا عن حقوقهم ، دعنا ندافع عن قضايا الكرد لكنه لم يستمع الي واستمر في انتقاداته فيما دافع بريمر وساورز بشدة واصرار عن قرار مجلس الامن . كانا مغروران وغير مبالين ولم يعيرا لانتقادات وعدم رضا الحاضرين اهتماما يذكر.
وبدأت المفاوضات خلف الستار لدعم سلطة الائتلاف المؤقتة والتعاون معها و اقترح بريمر تشكيل جهاز للعراقيين باسم ((المجلس الاستشاري)) ، وجرى الحديث عن هذا المجلس واعماله وسلطاته لكن المجموعة الخمسة رفضته ولم تقبل بالمشاركة فيه . لكن بريمر غير اسمه ((المجلس السياسي)) وجرى التباحث اياماً اخرى حول المجلس ومهامه وسلطاته لكن مجموعة الخمسة رفضته ..
تشكيل ((مجلس الحكم)) :-
بعد مناقشات طويلة حول تشكيل مؤسسة بأسم ((مجلس الحكم)) (سأختصرها من هنا فلا حق بـ(مجلس الحكم) . لم تكن لـ (مح) سلطات كبيرة . في البداية جرى بحث موضوع (فيتو) بريمر واعضاء المجلس كانوا يقولون ان لا (فيتو) هناك لكن الحقيقة هي ان بريمر يملك سلطات افشال كل قرارات مجلس الحكم لان أي قرار لمجلس الحكم لن ينفذ اذا لم يوافق عليه بريمر ويوقعه . واتفقوا على ان يكون عدد اعضاء المجلس 25 عضوا وتتألف من : 13 عضوا من العرب الشيعة وخمسة اعضاء من العرب السنة وخمسة اعضاء من الكرد وعضو تركماني واخر مسيحي . وفي الحقيقة انا لا املك معلومات اكيدة عن الارضية التي حدد على اساسها العدد و نسب القوميات والاديان والمذاهب وعلى أي اساس حددت اسماء الاعضاء ، فبريمر وعدد محدود من الاشخاص الآخرين يستطيعون الاجابة على ذلك؟ .
وزار بريمر كردستان والتقى بكل من الزعيمين الطالباني والبارزاني على حدة لاقناعهم بـ :-
اولا : - حصة الكرد في المجلس 5 اعضاء أي الخمس وقبل الحرب كانت المعارضة العراقية في كل مؤسساتها تخصص الربع للكرد وهنا قلص حصة الكرد .
ثانيا :- ان يشارك الطالباني والبارزاني كشخصين سياسيين كممثلي الحزبين وهذا قلل من دور الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني في المجلس .
ثالثا :- ان يكون اعضاء الكرد الثلاثة الاخرين من غير الحزبين بل ان يكونوا من الشخصيات المستقلة او الاحزاب الكردية الاخرى
وقد وافقا كلاهما على مطاليب بريمر . وفي تلك الايام عندما كنت في بغداد ومام جلال في كردستان كتب لي رسالة في 30-6-2003 من (قلاجولان) تطرق فيها الى جوانب من محادثاته مع بريمر وبرنامج سفره لكنه لم يدخل في التفاصيل .
وقد رشح الطالباني د. محمود عثمان وصلاح الدين محمد بهاء الدين (الاتحاد الاسلامي الكردستاني) ولم يعترض الحزب الديمقراطي الكردستاني عليهما وقد تم قبولهم من قبل (سام) ولم يكن ترشيح د. محمود يعجب السفير ساورز لكننا عندما اصرينا ترك الامر .. فيما رشح البارزاني عزيز محمد ولكن (سام) بعد مقابلتها له لم يوافقوا على ترشيحه حيث يعتقدون انه اضافة الى كونه كهلا فان طريقة تفكيره السياسية والاقتصادية قديمة وغير ذات فائدة للعراق المعاصر .
وزيرة بريطانية كانت تعرف (آلا الطالباني) طلبت من ساورز ان يقترحها عضوة في مح لكن الحزب الديمقراطي الكردستاني لم يوافق ، وقد حاولنا انا وبرهم صالح مع السيد هوشيار الزيباري ان لا يعترضوا لكن لم يوافق ، وقال لبريمر ساورز انهم لايقبلون بوجود (ئالا) في المجلس لانها طالبانية اولا ومن الاتحاد الوطني الكردستاني ثانيا . وقد طلب بريمر وساورز ان نرشح احدا . تشاورنا مع هوشيار الزيباري لكي نجد امرأة مستقلة لكننا لم نجد احدا فأقترحنا د. كمال مظهر او دارا نور الدين فوافق الحزب الديمقراطي الكردستاني على دارا فاقترحناه وتم قبوله .
ورغم ان مام جلال لم يفصح امامي عن عدم رضاه عن مح وكيفية تشكيله وتركيبته ، الا انه كما يبدو حاول النأي عن اجتماعاته . فقد بدا مام جلال اعتبارا من 1-7-2003 يرافقه عمر سيد علي وجلال جوهر جولة دبلوماسية انطلاقا من سوريا حيث يبقى في سوريا من 1-7 تموز ومن 7-10 تموز في موسكو وان يقضي يومي 15 و16 في باريس و 17-19 في روما بالاخص لانها تشهد في ايام 17-18 مؤتمرا خاصا للاشتراكية الدولية ويخصص فيه يوماً لمستقبل العراق . وحدد (سام) يوم 13-7-2003 لعقد الاجتماع الاول لـ مح وان يكون يوما للاعلان عن تشكيله ، وكان حضور جميع الاعضاء امرا في غاية الاهمية وبالاخص ان يشارك مام جلال وكاك مسعود في الاجتماع الاول وان يظهر امام كامرات القنوات الاعلامية الدولية ، وبذلوا جهدا كبيرا مع مام جلال ليكون حاضرا في ذلك اليوم . النتيجة انه قبل العودة الى بغداد لحضور افتتاح اجتماعات مح بشرط ان يعود في اليوم التالي الى خارج العراق على متن طائرة ليتمكن من تلبية المواعيد المحددة له .
الى مكان السكنى : -
لقد عمرت بناية كانت دار ضيافة لجهاز المخابرات ويقع مقابل المقر الرئيسي لجهاز المخابرات في محلة تقع بين ساحة النسور وساحة 14 رمضان . مقر المخابرات دمره القصف الامريكي والبيت الذي نتحدث عنه قد نهبه الناس فقمنا باعادة ترميمه وتأثيثه ووضعنا فيه صحن ستلايت وتلفون ثريا ومولدة كهربائية اضافة الى مفرزة حماية جلبتها معي من السليمانية ، وتولى توانا فايق وهوشيار مساعدتنا في تمشية الاعمال . وبقي معي نماوجيا ودانا شازاد صائب . وبقي د. محمود عثمان في نفس البيت ، فيما استأجر حمه توفيق من cpA ثمانية عشر دارا من بيوت الوزراء في مجمع القادسية التي تهدمت ودمرت وعمل على اصلاحها . وخصصت دار احمد حسين رئيس ديوان رئاسة صدام الذي بقي بحالة جيدة الى حد ما ، لمام جلال والسكرتارية عند تواجده في بغداد .

نوشيروان مصطفى
ـ ترجمة - جليل البصري