مركز آل البيت لإحياء التراث الحجر الاساس في النقلة النوعية الحاصلة لعلاقة المرجع مع الفرد والأمة


اعتمدت مرجعية آية الله السيد علي السيستاني الكائنة في مدينة النجف الاشرف لأ دارة شؤون الامة الاسلامية على مناهج وأساليب مبتكرة عصرية ميّزتها بقوة عن باقي سابقات وحواظر المرجعبات الدينية الاخرى. ولعل ابرز الوجوه التي ادخلت وابتكرت هذه التغييرات هو السيد جواد الشهرستاني الذي اسس بجهوده مؤسسة آل البيت لإحياء التراث في عام 1983 و في مدينة قم المقدسة وتبعتها فروع اخرى في انحاء مختلفة من العالم.


تعتبر مؤسسة آل البيت مشروعاً شخصياً عائداً للسيد الشرستاني قائماً بذاته و يعمل بإستقلالية كاملة مبتعدة عن أيّ ارتباط او مرجعية دينية. فالبرنامج والاسلوب العصري والمبتكر الذي استحدثه السيد الشهرستاني في ادارة الاعمال اعطى للمؤسسة صبغة ميّزتها عن باقي المؤسسات الدينية الاخرى الامر الذي جعلها نموذجاً يحتذى بها اتبعته فيما بعد مرجعية السيستاني عند وصولها الى سدة الحاكمية الدينية العليا في اواسط تسعينيات القرن الماضي.


لابد من القول ان السيد جواد الشهرستاني اول من ادخل نظام الموسسات التي تعتمد على منهجية عصرية متخذة اسلوب العمل الجمعي اساساً في سر نجاحها.

يُعد الشهرستاني في المرجعية الحاضرة من اهم الشخصيات الدينية في التسلسل الرقمي من حيث النفوذ والكيفية في إختيار المشاريع التي تدور ضمن الدائره الخدمية للمسلمين. صهر الامام السيستاني، ووكيله المطلق بلا منازع ومورد ثقته وتأييده، الشخص الذي لاتقف امامه ميزانية القيود المالية.. امّا الوكلاء الباقون اينما كانوا من بقاع العالم فهم وكلاء خاصين حسب الموضوع الذي يوكلون عليه وحسب الاجازة، وذلك حسب قول ( السيد ابراهيم اللاجوردي ) مدير مركز آل البيت العالمي للمعلومات والمسؤول التنفيذي لمشاريع السيد جواد الشهرستاني، فبالرغم من كون الشهرستاني شخصية دينية لكنه اقرب الى الشخصيية الاقتصادية والعصرية ورجال الاعمال في طريقة تفكيره في حسابات الربح والخسارة وفي اختياره للمشاريع.

في شأن آخر يعتبر سماحة السيد جواد الشهرستاني المشرف الاول على 50 مؤسسة ومركزا ومشروعا ثقافياً وصحياً موزّعا في ستين دولة منها ايران والعراق ولبنان ولندن وتركيا وموسكو واندنوسيا والمانيا وافريقيا، وهذه كلها تابعة الى مكتب السيد علي السيستاني، اضافة الى انه المسؤول المباشر على صرف مليون دولار شهريا داخل ايران وخارجها كرواتب الى 30 الف طالب حوزوي، يدرس العلوم الاسلامية وعلوم اهل البيت (ع) ( كما يقول السيد اللاجوردي).

منذ تأسيس الحوزة العلمية قبل الف عام قي النجف الاشرف على يد الشيخ الطوسي وحتى سقوط نظام البعث الصدامي البائد لم تكن المرجعيات تعتمد اسلوب التعاطي مع الناس عن طريق العمل الجماعي كالمؤسسات او انشاء المكتبات التخصصية الهادفة أو مراكز علمية كمراكز للنجوم والفلك أو مراكز للترجمة اضافة الى مؤسسات وبرامج تخص ثقافة المرأة والطفل. وانما ارتبط العمل باسلوب الفرد الواحد و بشخص المرجع مباشرة، وبما ان الظروف الزمنية والادوار السياسية التي مرّ بها العراق وما رافقها من تهميش لدور الشيعة، لم تكن للمرجعية حينها دورأ بارزأ ولم تتح لها الظروف في تجديد اسلوب الاداء لهذا الصرح الديني العظيم، وبقي دور المرجع محسوراً للاخذ برأيه في مسائل العبادة فقط ومسائل الافتاء و مايقبله الشرع ويسمح به من حرام او حلال، وبهذا تشكلت علاقة فردية بين الحاكمية الدينية في النجف والفرد المنفذ للاحكام، وانحسرت معظم المهام بشخص وهرم هذه الحاكمية.، ونظرا لسطوة النظام البعثي وبطشه للمرجعية الدينية آنذاك، نبعت فكرة انشاء هذه المؤسسات الدينية والخدمية من خارج العراق بعيدةً عن سطوة النظام. فكان اول كيان ومشروع ديني خاص للسيد جواد الشهرستاني هو انشاء مؤسسة آل البيت لأحياء التراث في ايران في اوائل مطلع الثمانينات.

حتى وصول السيد السيستاني الى سدة الزعامة المرجعية في اواسط تسعينات القرن الماضي تأسست موسسات ومراكز اخرى تابعة الى مكتب السيد السيستاني وبهذا اعتبرعقد التسعينات عقد التحول النوعي للعلاقة مابين المرجع وباقي العامة عن طريق انشاء كيانات ومؤسسات ترتبط اقطابها بين المرجع والامة احتذت في طرحها للعمل حذو مؤسسة آل البيت لإحياء التراث،بعد ان تغير النظام البعثي انتشرت بشكل واسع فكرة انشاء المؤسسات من داخل العراق ايضاّ، وتشكلت بإشراف السيد جواد الشهرستاني لجنة اسناد العراق، قامت بتأسيس العديد من المراكز الثقافية والصحية والخدمية كمركز آل البيت للمعلومات في النجف وكربلاء والبصرة ومركز آل البيت لإحياء التراث ومركز الابحاث العقائدية في النجف. ونظرا للظروف الامنية التي يمر بها العراق أُ نشأ مستوصف جواد الائمة للعيون في مدينة قم لأستقبال المرضى العراقيين القادمين من داخل العراق وتتم معاينتهم وعلاجهم على نفقة المرجعية وبإشراف السيد جواد الشهرستاني، ويعتبر هذا المستوصف من ارقى الستوصفات في ايران في هذا المجال بما هو مجهز بأطباء متخصصين أو فوق التخصص كما انه مجهز بمعدات واجهزة ذات الكفاءة العالية، يزوره اكثر من مئة مريض يومياً، ومن المهام التي تقوم بها لجنة اسناد العراق دعم الجامعات العراقية و انشاء العديد من المكتبات التخصصية و المشاريع الخدمية للمجمعات السكنية والصحية في النجف وكربلاء والبصرة وباقي مدن العراق.


استطاعت هذه المؤسسات ان تتحول الى كيانات مرتبطة بالمرحعية تحمل برامج ومناهج خدمية وثقافية وتربوية تستطيع من خلال مواقعها الالكترونية الواسعة والتي تنشر معلوماتها بثلاثين لغة عالمية من اقتحام عالم العولمة والحداثة والديمقراطية و المرأة وعالم التحديات الراهنة الاخرى بأسلوب عصري مبرمج بأعلى المستويات والكفاءات.

من ناحية اخرى وعلى ذكر المؤسسات استطاعت مؤسسة آل البيت لإحياء التراث ان تخترق الآفاق الثقافية العالمية خاصة في عالم ومجال التشيع حيث تعتبرالان واحدة من احدى الروافد العالمية الفريدة في خدمة المثقفين والباحثين بما لها من فروع فاعلة انتشرت في اقصى بقاع العالم. انفتحت المؤسسة (الام ) في قم عاليا امام المذاهب الاخرى وارتبطت بعلاقات واسعة مع اكثر من (400 ) مركز من المراكز الثقافية والعالمية لستين دولة، استطاعت ان تنمي وترسخ معها علاقات مبرمجة ومتبادلة. وشاركت بحضور فاعل ومؤثر في مؤتمرات عالمية كمؤتمر الامام الرضا ومؤتمر نهج البلاغة ومؤتمر الشيخ المفيد والفيضي الكاشاني. وقد اقامت المؤسسة مؤخرا في شهر نوفمبر المنصرم لعام 2007 وبالتعاون مع وزارة الثقافة والارشاد الايرانية المؤتمر التاسع لكتاب الولاية فاز فيه الدكتور الصيني محمود شمس الدين مترجم كتاب نهج البلاغة الى اللغة الصينية بالجائزة الاولى كما خصصت احدى الجوائز الى الباحث والمؤلف العراقي الشهير الشيخ باقر شريف القرشي. وحضر المؤتمر العالم والمفكر العراقي الدكتور حسين علي محفوظ والعالم احمد الاشكوري والشاعر والمؤلف الاستاذ محمد حسين الصغير كما حضر المؤتمر اكثر من 700 شخصية فكرية ودينية وثقافية من ايران والعراق ولبنان وسورية وباقي دول العالم. وقد حضر جانباً من المؤتمر رئيس كتلة الائتلاف العراقي الموحد السيد عبد العزيز الحكيم.

وللمؤسسة ايضا مشاركات واسعة في المعارض الدولية كسورية ومصر والمغرب والبحرين وقطر ولبنان هذه المشاركات عززت الروابط والعلاقات القوية التي تهدف الى تلاقح الافكار وتبادل الخبرات. اضافة الى تلك المشاركات الواسعة تغلغلت المؤسسة عمقا داخل اوساط الجمهورية الاسلامية متجردة من ايّ تبعية فقهية بإسلوب عصري يتفهمه ويستوعبه الطرف الاخر بإستقلالية ذاتية وشموخ رفيع، فرسخت علاقات وثيقة مع رجالات ايران من اعلى قمة الهرم السياسي ووصولابالمراجع الدينية لها.


استطاع السيد الشهرستاني بفضل منهجيته المبتكرة وشخصيته الجذابة ان يستقطب بعلاقاته رؤوساء دول وسياسين ومثقفين وخبراء فنيين. هذه المنهجية وهذه العلاقات والانفتاح جعل من موسسته التي تعتبر اهم اهدافها هو احياء الكتب المطبوعة قديما وتحقيق النسخ الخطية وطبعها، جعلها ان تنا ل جائزة افضل كتاب لثلاث سنوات متكررة للاعوام 1984، 1985، 1986 في تحقيق ( كتاب مستدرك الوسائل ) للمحدث النوري بـ (18) مجلّداً، وكتاب (وسائل الشيعة ) للحر العاملي،في (30 ) جزءاً، وكتاب (جامع المقاصد ) للمحقق الكركي بـ (14 ) مجلد
وفي عام 1996 نالت المؤسسة جائزة افضل كتاب في الجمهورية الاسلامية بتحقيقها كتاب ( منتهى المقال ) لأبي علي الحائري بـ (7 ) مجلدات.
لقد قامت المؤسسة بتحقيق اكثر من ( 45 ) كتاب بأعداد مجلداتها اضافة الى ( 12 ) كتاب قيد التحقيق منها شرح نهج البلاغة ( للشيخ ميثم البحراني ) ( ونهاية الوصول ) ( للعلامة الحلي ) و ( تفسير البيان ) للشيخ الطوسي. ومن المطبوعات التي تم طبعها في المؤسسة سلسلة مصادر بحار الانوار.

اتخذت مؤسسة آل البيت لاحياء التراث منهجا مميزا واسلوبا مبتكرا في عمل الفهرسة والتحقيق معتمدا على العمل الدائري والجمعي تختص كل مجموعة او حلقة بعمل معين ومحاور تبتدء من انتخاب الكتاب من حيث اهميته واستقراء ودراسة النسخ الخطية ومقابلتها مع النسخ الخطية الاخرى، ثم توزيع النص وتقويمه وصياغة الهوامش وتدوين الملاحظات والمراجعات النهائية حتى الاخراج والفهرسة والطباعة النهائية.

للمؤسسة جانب آخر من العمل وهو اصدار مجلة ( تراثنا ) الفصلية، التي تأسست عام 1984 تلبية للطموح الشيعية التي تهدف بعرض الفكر الشيعي بواقعه الاصيل، ثم استقطاب المواهب الشابة عبر بحوثها والنتاجات التأليفية التي يتم لهم نشرها، و قد ارتبطت المجلة بعلاقات واسعة مع اساتذة الجامعات و مستشرقين ومحققين وعلماء من كافة اقطار العالم مما حولها الى مجلة مميّزة وغنيّة في شرح الاداء وطرح البحوث.
اضافة الى اصدار المطبوعات تحوي مؤسسة آل البيت لأحياء التراث على مكتبة قرآنية تقوم بتحقيق بعض النسخ الخاصة تعمل ضمن فريق عمل مقسم على شكل لجان كلجنة الرجال ولجنة الفقه ولجنة الاصول ولجنة التفسير ولجنة مصادر البحار ولجان معينة اخرى كل لجنة تقوم ضمن دائرة عمل مشترك جمعي للتحقيق.

ومن الاقسام الاخرى التي تلتحق بالمؤسسة ويقوم السيد الشهرستاني بدعمها واسنادها هوموقع شبكة الرافد الالكترونية التي يديرها السيد مهدي رباني، انشأ هذا الموقع بدايةً لتغذية شيعة آل البيت للدول الخليجية بمصادر وروافد الفكر الشيعي و ذلك لصعوبة حصولهم عليها.
تعتبر شبكة الرافد من اقدم المواقع الشيعية في ايران وثاني اكبرموقع شيعي في العالم وسابع موقع اسلامي في العالم، يزور الموقع يوميا حوالي 20 الف زائر وينشر الموقع برامجه في اربع، لغات العربية والفارسية والانكليزية والفرنسية وتحوي الشبكة على مكتبة صوتية و مكتبة اسلامية لاكثر من ( 500 ) كتاب قابل للتنزيل لكتب العقائد والفقه والاصول والاخلاق والسيرة وعلوم الحديث وعلم الرجال اضافة الى كتب الشعر، ويهتم الموقع بعالم المرأة والطفل، ففي جانب المرأة يركز على فقه المرأة ويهتم بها وبصحتها وجمالها وتغذيتها في فترات الحمل والرضاعة كما يهتم الموقع بالعلاقات الزوجية وتربية الطفل، ففي جانب الطفل هنلك موسوعة الطفل تبث الشبكة منها برامج صوتية متحركة غنية بالمعلومات والتسلية بما تحوي من اناشيد وقصص. كما تضم موسوعة الطفل انتاج كارتوني متحرك و مجلة المجتبى الشهيرة بلغاتها المتعددة ومجلة صادق الفصلية.

لمؤسسة آل البيت لإحياء التراث فروع عديدة اهمها في النجف وكربلاء وسورية ولبنان وموسكو ولندن، وقد قام فرع لندن الذي يشرف عليه السيد فاضل بحر العلوم بأصدار بعضاً من مؤلفات آية الله السيدعلي السيستاني باللغات الانكليزية والفرنسية والاسبانية. كما اشرف مركز لندن على ترجمة الكثير من المطبوعات الاسلامية الى اللغة الانكليزية، ومن اهم مايقوم به هذا الفرع مشروع بحوث ودراسات معمقة عن اهمية مدينة سامراء بكل جوانبها الادارية والتاريخية والسياسية. اضافة الى طرح تصاميم لبناء المرقدين الشريفين وعرضها على المنظمات الدولية واليونسكو.

ليلى البحراني
لندن