الحسين عليه السلام هو ابن فاطمة الزهراء وحفيد النبي العظيم صلى الله عليه وآله وسلم وابن بطل الإسلام علي بن أبي طالب عليه السلام, تربى في حجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشمله برعايته, فنشأ نشأة سامية متحزماً بكل مظاهر الفطرة المقدسة, شخصية فذة تجمع من الصفات الإنسانية ضروب الصور الرفيعة التي تتجلى فيها الهيبة والقوة, وقد كانت حياته حياة اصلاح وجهاد وتطورت أيامه وهو يتطور معها حتى انتهت بتلك المجزرة الفظيعة التي لم يزل أثرها ولن تزول منذ يوم استشهاده في العاشر من محرم سنة 61 هـ فقد كان مصرعه من الحوادث المؤلمة في التاريخ الإسلامي بل في تاريخ الإنساية كلها إذ جمع كل عناصر المأساة وأصبح مثلاً يستشهد به في البطولة والنضال, والاستشهاد في سبيل الحق من جهة, وعلى لؤم الأمويين وأعوانهم وغدرهم وخيانتهم من جهة أخرى لأن الفتلك بابن بنت رسول الل صلى الله عليه وآله على هذه الصورة الدامية من أقبح الاعمال التي لوثت تاريخ الامة الاسلامية وسودت صفحة بني امية بمداد من الخزري والعار إلى ابد الدهر.

لقد رأى الحسين ان الامويين قد جعلوا الخلافة العوبة بايديهم وحولوها الى ملك عضوض يستقوي فيه القوي على الضعيف ويشاد فيه بالباطل حتى اندرست معالم الحق, وتطاير شرر فتنتهم في انحاء جزيرة العرب وبلاد الاسلام, ولهذا خرج الحسين لتصحيح المسار الاسلامي في سبيل كرامة الشعوب الاسلامية وحريتها خوفاً من ان تغتصبها قوة المستبدين وحفاظاً على عقائد الامة الاسلامية من ان تنحرف او تهان.

لم يكن الحسين عليه السلام طالب ملك او مفتوناً بسلطان كما يظن البعض على جهل وغي انما كان فداء الحق الذي وقع عليه اختيار القدر لأنه الشخص الذي تتمثل فيه عناصر الانسانية ومثلها العليا والشخص الوحيد الذي بقي شجاعاً لم يجبن بين المسلمين وقد سلط على رقابهم سيف يزيد وقد عبر الحسين عليه السلام عن هدفه من الثورة بوضوح في وصيته لأخيه محمد بن الحنفية عند حركته الى الكوفة فقال له:
quot;واني لم اخرج بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً, وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي, اريد ان آمر بالمعروف وانهى عن الممنكر واسير بسيرة جدي وابي علي بن ابي طالب, فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ومن رد على هذا, اصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمينquot; وكان يقول عليه السلام quot; لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برماquot;.

لقد برهن الحسين بنهضته المجيدة على أن الشكلية الدينية التي كان يتستر بها الحكم الاموي لا يمكن ان تعطي مبدأ الشرعية الحقيقي, وان الشرعية لا تنبع إلا من التطبيق الامين للاسلام, وبهذا فقد كان الحسين اول من أدخل مفهوم الرفض ضد الظلم والظالمين داخل كيان الامة الاسلامية فانبعثت الروح النضالية فيها متوهجة واصبحت الثورة الحسينية الثورة الأم لكل ثورة جاءت بعدها فوحدت قلوب المسلمين في الارض ضد بني امية حتى انتهت بتقويض العرش الاموي ومن هنا فان الدرس البليغ الذي نتلقاه ونستلهمه من تضحية ابي عبد الله عليه السلام هو النضال دون الحق, فالبشر لا يستطيع احتمال الاضطهاد ويأبى إلا أن يكون حراً في عقيدته وتفكيره واختيار نظام معيشته وحاكميه ولا تثنيه قوة عن التضحية في سبيل هذه الحريات المقدسة, وقد علمنا الحسين واصحابه المبادئ والعقائد السامية, كما علمنا ان تضحيته كانت سبباً قوياً في جمع قلوب الناس على رأي واحد في توحيد جهودهم وقواهم للدفاع عن الحق أينما كان وفي كل زمان.
ومن الواجب علينا نحن الذين نرى محبته خاصة ان نأخذ العبرة من نهضته وأن نأخذ عنه درس الانسانية الاكبر, وهو الاتحاد في الحق ضد الباطل والاخاء ضد التفرقة والحرية ضد الاستبداد وان نوجه خصومتنا ضد من يفرق بيننا بأية صفة ولأية غاية فلأجل هذا ثار الحسين وفضل الموت على حياة الخنوع والاستسلام وهذه هي حكمة التضحية وأجرها عند الله قوله سبحانه quot;ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقونquot;.

محمد سعيد الطريحي