موضوع الفساد في كردستان quot;الحريرquot; أو ما أسميه بquot;كردستان الفساد الأخضرquot;، ليس بquot;إكتشافٍquot; جديد، على صعيد مكتشفات quot;العراق الكرديquot;، المستقل، نسبياً، بقضائه، وبرلمانه، وحكومته، وعلَمه، ونشيده، وجيشه، ورئيسه، وسائر مؤسساته الأمنية والإستخباراتية، منذ انتفاضة آذار 1991، أو تحديداً بعد quot;انتخاباتquot;، لا بل quot;محاصصاتquot; 1992.
فكردستان، دخلت على خط الفساد السالك بquot;سهولةquot; حزبية، وعشائرية، منذ إلقائها للبندقية، ونزولها من الجبل quot;الصعبquot; إلى المدينة quot;السهلةquot;، وإقامتها، تالياً، في الفلل quot;الحريريةquot; الفاخرة، والفنادق الخمس نجومية، وأخواتها من القاعات والكباريهات السبع نجوميات، quot;الحريرياتquot;، العدَنيات(من جنات عدن، التي يجري من تحتها الدولار).

قبل عقدين من الزمان، كان من الصعوبة بمكان، الحديث، كردياً، عن quot;كردستانٍ في مهب الفسادquot;، أو quot;أكرادٍ فاسدينquot;، أو حتى التفكير بquot;صناعةquot; مصطلحٍ من هذا القبيل. فالكلُ، كان، آنذاك؛ أيام الجبل والبندقية، أكراداً quot;للهquot;، في هوى الجبل، والمنفى، والبيشمركَايتي(من البيشمركة، المصطلح الذي عُرف به المقاتل الكردي المنضوي، أيام الجبل الصديق، تحت لواء حركة التحرر الكردية في الجنوب الكردي)، أو quot;الكَريلايتيquot;(من الكَريلا، وهو المصطلح الذي يُطلق على المقاتلين المنخرطين تحت لواء حركة ال ب ك ك، التي انطلقت من الشمال الكردي، إلى سائر أرجاء كردستان المشتتة)، والقتل بالكيمياء، والأنفلة بالجملة، والسجن بين جدرانٍ أربعة بالجملة، والهجرة إلى أنحاء الله بالجملة، كلهم، كانوا quot;جَبَلَئذٍquot;، في هوى هذا الكل من التراجيديا الكثيرة، بquot;كردَواريتهمquot; سوى، لأجل بعضِ عبورٍ إلى quot;شقفةquot; أرضٍ كردية، يرفع عليها quot;شقفةquot; علم كرديٍّ(بالأخضر والأحمر والأبيض الذي يتوسطه شمس صفراء)، على أنغام quot;شقفةquot; نشيدٍ كرديٍّ، أو بعضٍ من quot;أي رقيبquot;، النشيد المعروف، كردياً، بالوطني، بين سائر الأكراد، بمختلف سياساتهم وجغرافياتهم وتواريخهم.

اما اليوم، فالحديث عن quot;كردستان برسم الفسادquot;، بات من المصطلحات quot;السهلة المنالquot;، والشائعة، المرادفة لquot;كردستان العراقquot;، التي باتت قاب قوسين أو أدنى من خطر quot;حيتان الفسادquot; الكردية، التي تسبح في بحرٍ من البحبوحة الحزبية، والعشائرية، الفاحشة.

quot;سنحارب مرضَين في كردستان العراق: الإرهاب والفسادquot;، هذه جملةٌ quot;شعاراتية، quot;خُلبيةquot;، سمعناها في الكثير من المناسبات الحزبية والحكومية، من كبار المسؤولين الأكراد العراقيين، القابعين في الفوق الحاكم، ببغداد وهولير.
لا يختلف إثنان، أن كردستان سلمَت للآن من يد الإرهاب، إلى حدٍّ كبير نسبياً، مقارنةً مع باقي أنحاء العراق، الذي نهش فيه وحش الإرهاب، بالطول وبالعرض، ولا يزال، حيث القتل فيه قائمٌ على قدمٍ وساق، رغم الحديث عن تراجعٍ نسبيٍّ لكمائن القتل quot;القاعديquot;، في الآونة الأخيرة.

ولكن ماذا عن المرض الثاني، الذي لا يقل خطراً وكارثيةً عن الأول، أقصد مرض الفساد quot;الكرديquot;، بإمتياز، الذي ينهش في جسد كل كردستان، فوقاً وتحتاً؟
ماذا عن كردستان الحزب والعشيرة؟
ماذا عن كردستان المحسوبيات والواسطات؟
ماذا عن كردستان quot;الكمبيالاتquot; النائمة، والمودعة بإسم الفوق المسؤول، في البنوك الحريرية، بالخارج الحريري quot;المضمونquot;؟
ماذا عن كردستان quot;المهرّبةquot;، وquot;المعمّرةquot; في الخارج قبل الداخل؟

حسب آخر تقرير للبي بي سي، نُشر فبل أيام(11.01.08)، فإن quot;حكومة الاقليم تسعى الى تسويق كردستان باعتبارها منطقة واعدة وتقدمية وديمقراطية. ولكن تحت هذه الواجهة، يناضل المواطن الكردي العراقي في سبيل البقاء، بينما تُسرق الاموال العامة، وتجد طريقها الى جيوب قلة متنفذةquot;.

أعلم سلفاً، أن بعضاً من quot;المناضلينquot; الأكراد، على طريقة نضال quot;كردستان الفساد الراهنquot;، فضلاً عن مريديهم quot;النفاخينquot;، عبر الهواء الأوروبي المباشر، وأثيره الإنترنتي السريع، سوف يعتبرون quot;مكتوبيquot; هذا، أيضاً(ككتاباتٍ أخرى سابقة في هذا الشأن)، ضرباً من quot;المعاداةquot;، وquot;الكراهيةquot;، وquot;الإقصاءquot;، لquot;تجربة كردستان الحرة الديمقراطيةquot;، حسب زعمهم.
ولكني أقولها علناً، وبدون خجلٍ أو وجل، لن أكون ذاك الكرديّ الذي يجب عليه quot;شرعاًquot;، أن quot;ينصر أخاه ظالماً أو مظلوماًquot;، ولا ذاك الذي ينفخ في مقولات quot;قومجية شوفينيةquot; فاسدة، عفى عليها الزمن، ولا ذاك quot;المريدquot; الذي يجب أن quot;يعبدquot; كردستان وزعماءهاquot;(كل الزعماء وفي كل جهات كردستان، بلا استثناء)، لمجرد الصفة الكردية، الملصقة بهم، أو أخواتها من الصفات الكرديات quot;المقدساتquot;.
فالفاسد فاسدٌ؛ والقامع قامعٌ؛ والديكتاتور هو ديكتاتور. كل هذه الصفات، هي صفات بشرية، عابرة للقوميات والجنسيات والجغرافيات.
فليس هناك(حسبما أذهب) quot;ديكتاتور جيدquot; وquot;ديكتاتور سيءquot;، كما أن ليس هناك بالمقابل، فسادٌ quot;مقدسٌquot; وآخر quot;مدنسٌquot;.
عودٌ على بدء، حيث التقرير الصادر من البي بي سي(كواحدةٍ من أرقى الجهات الإعلامية، وأكثرها مهنيةً وموضوعيةً، على مستوى العالم قاطبةً)، ففي فقرةٍ معنونة بquot;تحت المظهر الكاذبquot;، اي المظهر الكاذب لquot;كردستان الكاذبةquot;، نقرأ ما يلي: quot;بينما يجري كل ذلك، يجاهد الاكراد العاديون من اجل الحصول على لقمة العيش، حيث يعانون من التضخم والبطالة وانقطاع الخدمات الاساسية من ماء وكهرباء. ففي مدينة السليمانية ثاني اكبر مدن كردستان العراق ومعقل الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي يتزعمه الرئيس العراقي الحالي جلال طالباني، يقول السكان، إنهم لا يحصلون على المياه الجارية، الا لاربع ساعات كل ثلاثة ايام، اما التيار الكهربائي، فلا يصلهم الا لثلاث او اربع ساعات في اليوم. وقد ادت المياه الملوثة الى تفشي وباء الكوليرا. تقول احدى النساء التي فقدت والد زوجها ووليدها اللذين توفيا بالكوليرا: quot;لقد طلبنا من الحكومة مرارا ان تساعدنا ولكن دون جدوى. فهم يعدون ولا يفعلون شيئا.quot; ووصفت السيدة الكردية الخوف الذي كان ينتابها عندما عصف الوباء بالمنطقة في شهر سبتمبر ايلول الماضي، حيث كانت تعلم ان المياه التي تشربها اسرتها ملوثة، ولكنها لم تكن تستطيع ان تغليها بسبب انقطاع التيار الكهربائي. وخلصت الى القول: quot;عندما افكر في الميزانية وملايين الدولارات وارى وضعي اشعر وكأني متquot;.
تلك هي حالة المعدومين(الخارج عشائريين، والخارج حزبيين) في quot;كردستانٍ الحريريةquot;، حيث بلغت ميزانيتها، حسب آخر التقارير، في العام الماضي 2007، حوالي 6 (ستة) مليارات دولار.

سامان الجاف، وهو قائد سابق في ميليشيا البيشمركة السابق يقول: quot; اذا كنت قريبا لأحد الزعماء السياسيين، بامكانك الحصول على وظيفة في الحكومة مع ميزانية او عقد قد تبلغ قيمته مليونين او ثلاثة ملايين من الدولارات لتعبيد طريق على سبيل المثال.quot; وقال الجاف، إنه ليس من المهم ان كان هذا القريب يعرف اي شئ عن تعبيد الطرق اساساً، فالعقد سوف يباع مرات عديدة، حتى يصل الى ايدي شركة انشاء حقيقية. ولكن عند ذاك ستكون قيمته نصف القيمة الاصلية(تقرير البي بي سي الآنف الذكر)
وعلى حد quot;معلوماتٍ سربها أحد العاملين في وزارة التخطيط الكردية، ان المشاريع الحكومية لا تمنح بطريقة شفافة واصولية، حيث قال: quot;يحاول الوزراء وكبار المسؤولين ان يمنحوا المقاولات لشركاتهم او للشركات التي يملكها اصدقاؤهم وذلك ليكون لهم من الطيب نصيب كما يقالquot;(التقرير نفسه)

ربما، هنا تحديداً، يكمن سر الفساد المفصّل، كردياً، وبالتالي السبب الأساس وراء غياب الرأسمال المنتج، كالرأسمال الغربي مثلاً(الأوروبي بشكل خاص) عن التوظيف في كردستان، واحتكار الشركات التركية quot;الفاسدةquot;(ليس لأنها تركية، كما قد يفهم البعض، ولكن لأنها استطاعت أن تتأقلم بسهولة مع فساد الإقليم، من خلال حصولها على كلمة السر الكردية، المسؤولة: quot;حصة المسؤول في الحفظ والصونquot;، أو quot;وقعّ على العقد واطلب حصتك في التمام والكمالquot;)، للغالبية العظمى من سوق الإستثمارات في كردستان العراق.
فالشركات الغربية، لا تدخل في هكذا سوقٍ quot;مفترضةquot;، غير محسوبة النتائج، للحصول على رأسمال quot;مفترضquot;. الرأسمال الغربي، هو رأسمال السوق quot;الرياضيquot;، إذ يحسب بدقة، يضرب ويقسّم، يجمع ويطرح، في حدود عقودٍ موقعة، واضحة، وصريحة، تحسب احتمالات الربح والخسارة، بعيداً عن المحسوبيات، والوساطات، وسوق quot;التواقيع السوداءquot;، التي تباع في فرع هذا المسؤول الحزبي quot;الكبيرquot;، أو وزارة ذاك الوزير المتفرغ لشئون الفساد، أو مكتب هذا المدير، ومضافة رئيس تلك العشيرة.
الرأسمال الغربي، هو رأسمال quot;منتجquot;، يأخذ مقابل ما يعطي، وفقاً لنصوص عقودٍ موقّعة، إذ يحسب بquot;دقةquot;، ويدخل إلى السوق بدقة، ويخرج منها بدقة، وهذا ما يستحيل تمكينه في كردستان quot;العقود الهوائيةquot;، وquot;المشاريع الهوائيةquot;، المُدارة من قبل quot;رأسمالٍ هوائيquot;، معتمَد كلياً، على تواقيع المسؤولين quot;الهوائيةquot;.

وحسب تقارير طازجة، فإن quot;هناك ما يقارب 700 شركة تركية في كردستان العراق، إما بشكلٍ مباشر، او كشركاء مع شركات محليةquot;.
وبناءً على ما صرحّ به رئيس هيئة الإستثمار في كردستان العراق، هيرش محمد، في أحد التقارير، فquot;إن في شهر أوكتوبر الماضي قد جرى عقد جديد مع شركة تركية بقيمة 26 مليون دولار لإنشاء مجموعة من منشآت مشروع الجامعة الأميركية في مدينة السليمانية، إضافةً إلى التفاوض مع شركة أخرى لإنشاء أكبر مشروع صناعي في الإقليم(معمل لصناعة الأسمنت) بما قيمته 250 مليون دولار(وكالات أنباء متفرقة).
وحسب تقارير أخرى(بما فيها تلك القادمة من جهات الإقليم الكردي، الرسمية)، فquot;إن الشركات التركية قد حصلت في الأعوام الأخيرة على حوالي 70% من عقود الإعمار والاستثمار في كردستان العراقquot;(أصوات العراق، 02.11.07).
مصادر أخرى تقول quot;أن 80% من الإسثمارات الأجنبية في كردستان العراق، هي تركيةquot;.
ووفقاً لمعلوماتٍ اطلع عليها مجلس الأمن القومي التركي، فquot;إن 80% من أصل 149 شركة تعمل في ميناء ميرسين في حقل التجارة مع العراق، أسسها عراقيون بالشراكة مع أتراك(د. محمد نورالدين: الإقتصاد بين تركيا وكردستان...مَن يعاقب مَن/ السفير اللبنانية، 26.10.07).
فالظاهر، هو، أن القائمين على إدارة الرأسمال التركي واستثماراته في كردستان العراق، قد خبروا مع شركائهم المسؤولين الأكراد، القائمين على شئون الفساد، عبر quot;تواقيع سوداءquot;، quot;كيف ومن أين تؤكل الكتف الكرديةquot;.

بمجرد توجيه أي نقد أو quot;ملامةquot; إلى كردستان وتجربتها في quot;الديمقراطية العشائريةquot;، فسرعان ما يُجابه صاحب النقد بسيلٍ من الكليشيهات الجاهزة، كquot;اللاموضوعيةquot; وquot;الإبتعاد عن الواقع أو القفز فوقهquot;، و quot;النقد الغير مناسب في الزمان والمكان الغير مناسبينquot;، وquot;عدم أخذ التجربة الكردستانية الناشئة، وطراوة عودها في الحسبانquot;، وسوى ذلك من الحجج والذرائع المعلّبة، والمصنّعة، كردياً، خصيصاً، لمواجهات من يُسمَون بquot;أعداء كردستانquot;، أو quot;الحاقدين على التجربة الكرديةquot;، وغيرها من المسميات quot;التكفيريةquot;، والمصطلحات quot;التخوينيةquot;، التي تعج بها قواميس آل الحكم في شرقنا المنكوب.
الساسةُ والمسؤولون الكرد، إذ يتحججون بquot;طراوة عود كردستانquot;، وquot;ناشئيتهاquot;، ينسون(أو يتناسون) الملايين الخضراء quot;الناشئةquot;، الكثيرة والغزيرة، التي جمعها مسؤولو كردستان quot;الناشئونquot;، في زمن قياسي quot;ناشئquot;، لا يُصدق.

ففي الوقت الذي تجاوزت فيه ميزانية كردستان الستة مليارات دولار، نرى في السليمانية(ثاني أكبر مدن كردستان) مثلاً، قد تحولت من جهة، إلى quot;مقام للمليونيريةquot;(لأكثر من ثلاثة آلاف مليونير كردي، حسبما صرحّ به رئيس الجمهورية جلال الطالباني، أكثر من مرة)، ومن جهةٍ أخرى، آلت هي ذاتها إلى quot;كردستانٍ في زمن الكوليراquot;، حيث يقول سكانها من الغلابة المحرومين من نعيم الفوق الكردي، quot;إنهم لا يحصلون على المياه الجارية الا لأربع ساعات كل ثلاثة ايام، اما التيار الكهربائي، فلا يصلهم الا لثلاث او اربع ساعات في اليومquot;.

ومع ذلك لم نسمع، أو نقرأ، أو نشاهد أحداً في quot;الفوق الكرديquot;، قد حاسب أحداً، يوماً، أو سأل في قرارة نفسه، أو شريكه الآخر في quot;كعكة كردستانquot;، سؤالاً شفافاً بسيطاً: quot;من أين لك هذا؟

quot;الفساد كالفيروس يقتل كردستانquot;، هذا ما قاله أحد قادة البيشمركة العتيقين، سامان الجاف للبي بي سي.
فالفساد والإفساد، باتا، على ما يبدو، عنوانين كبيرين بين quot;الخطوط الخضرquot; المتفق عليها كردياً، في كردستان المتقاسمة بين quot;السليمانيةquot; وquot;هوليرquot;، فيفتي فيفتي.

ولكن الباقي من السؤال، لما تبقى من كردستان وأكرادها الجنوبيين، هو:
إلى متى ستبقى كردستان، quot;صكاً أخضراًquot;، تتقاسمه جيوب الحزبين الكرديين الحاكمين؟
إلى متى ستغيب كردستان الوطن، وتحضر كردستان الحزب والعشيرة؟
إلى متى ستُساد كردستان، ويسود الفساد؟
وإلى متى ستُستغرق كردستان، هكذا quot;حمراءquot;، في فسادٍ بلا حدود، من الخطوط الخضر، والشارات الخضر، والتواقيع الخضر.

هوشنك بروكا

[email protected]