معركة الطف هى المعركة التى دارت بين الامام الحسين بن علي وأهل بيته من جانب، وجند يزيد بن معاوية بن ابى سفيان من الجانب الآخر، وشكلت تلك المعركة لطخة سوداء فى تأريخ الاسلام والمسلمين. لقد بحث فيها وناقشها آلاف مؤلفة من الكتاب والمؤرخين، ولا يزال الجدل مستمرا ولا تبدوا له نهاية.

المباهلة

كتب رسول الله الى أساقفة نجران يدعوهم الى الاسلام. فبعثوا وفدا، وسألهم وسألوه ودعاهم الى اجتماع حاشد ليبتهل الجميع الى الله ان ينزل لعنته على الكاذبين، بعد ان نزلت الآية 61 من سورة آل عمران: (فمن حاجك فيه من بعدما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكافرين). ذكر القرطبي فى تفسيره بأن النبي جاء بالحسن والحسين وفاطمة تمشى خلفه وعلي خلفها. وأضاف القرطبي: قال كثير من العلماء ان قوله عليه السلام فى الحسن والحسين ان يسميا ابني النبي دون غيرهما لقوله: كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة الا نسبى وسببى.
وذكر ابن كثير فى تفسيره: قال جابر: (أنفسنا وأنفسكم) تعنى رسول الله وعلي بن أبى طالب، و(أبناءنا) تعنى الحسن والحسين، و(نساءنا) تعنى فاطمة الزهراء.
وفى التفسير الكبير للرازي ذكر: وكان رسول الله خرج وعليه مرط من الشعر أسود، وقد احتضن الحسين وأخذ بيد الحسن، وفاطمة تمشى خلفه وعلي يمشى خلفها، وروي انه (عليه السلام) لما خرج فى المرط الأسود، جاء الحسن فأدخله وجاء الحسين وأدخله، ثم فاطمة وعلي رضي الله عنهما، ثم تلى الآية 33 من سورة الأحزاب: (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا).
ولم تحصل المباهلة، فقد ارتعب وفد نجران وقال بعضهم لبعض ان باهلتموه اضطرم عليكم الوادى نارا فامتنعوا. التفاسير المذكورة هى من تفاسير أهل السنة والجماعة.

معاوية بن ابى سفيان
كان معاوية قد حصل على مبايعة الامام الحسن بعد فترة من اغتيال أبيه الامام علي بن ابى طالب، وكان جيش الخليفة الراشدي الرابع قد غلب عليه الخلاف وتمزق شر ممزق، فلم يجد الحسن بدا من التسليم بالأمر الواقع فتنازل عن الخلافة الى معاوية بشروط أهمها ان الخلافة بعد معاوية تكون لمن يجمع عليه المسلمون. ولكن معاوية الطامع الى عودة الحكم الى اهله بنى امية الذين نحاهم عنه الاسلام بعد فتح مكة، وأسلموا للتخلص من القتل. وأطلق النبي (ص) سراحهم وعفا عنهم، فسموا ب(الطلقاء). و كان معاوية من بينهم، وكان ذلك فى سنة 8 هجرية أي قبل وفاة الرسول بأقل من 3 سنين. عاد الرسول الى المدينة بعد تسعة عشر يوما من مكوثه فى مكة، ولم يحدثنا التأريخ بأن معاوية قد ذهب الى المدينة فى تلك الفترة، فكيف تسنى له ان يكون (كاتب الوحي)، كما يزعم البعض؟

مقتل الامام الحسن ومبايعة يزيد
لم يكتف معاوية بتنازل الحسن، فان مطلبه الأساسي هو حصر الحكم فى بنى امية. توفي الحسن مسموما على يد زوجته جعدة بنت الأشعث، ويعتقد الشيعة والبعض من أهل السنة ان معاوية هو الذى حرض جعدة وأغراها لقتل الحسن. دفن الحسن فى البقيع بعد ان عارض مروان بن الحكم وغيره من الأمويين على دفنه بجانب جده المصطفى. وهكذا تخلص معاوية من أخطر مناوئيه وأخذ يخطط لأخذ البيعة لأبنه يزيد الذى أجمع أكثر المؤرخون على فساده وتظاهره بالدين.

خرج معاوية الى الحج وغايته أخذ البيعة ليزيد من أهل مكة والمدينة. رفض البيعة عبد الله بن عمر بن الخطاب قائلا: نبايع من يلعب بالقرود والكلاب ويشرب الخمر ويظهر الفسوق، ما حجتنا عند الله؟ وقال عبد الله بن الزبير بن العوام: لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق وقد أفسد علينا ديننا. (راجع تأريخ اليعقوبي). وذكر المسعودي فى (مروج الذهب) قال: (وغلب على أصحاب يزيد وعماله ما كان يفعله من الفسوق، وفى أيامه ظهر الغناء فى مكة والمدينة واستعملت الملاهى واظهر الناس شرب الشراب). يئس معاوية من اخذ البيعة من أهل مكة والمدينة، ولكنه حصل على البيعة من الأمويين فى الشام ومبايعة غيرهم فى الأمصار بعد ان بذل الأموال الطائلة لشراء الضمائروالذمم، وتم له ما أراد، وبويع يزيد.
مات معاوية، وكثير من اناس وعامة أهل العراق بنوع خاص يرون بغض بنى امية وحب أهل البيت لأنفسهم دينا (راجع الفتنة الكبرى). وما ان مات معاوية الا وأصبح يزيد خليفة لرسول الله وأميرا للمؤمنين، وبعض الناس وحتى فى وقتنا هذا يسمونه: الخليفة يزيد رضي الله عنه بن الخليفة معاوية رضى عنه.

ألف الدكتورطه حسين عميد الأدب العربي (توفي فى القاهرة عام 1973) خمسة كتب قيمة جمعت فى مجلد كبير واحد بعنوان (اسلاميات). وقد رأيت ان اوجز واوضح بعض ما أورده فى كتابه: الفتنة الكبرى/علي وبنوه، فيما يتعلق بكارثة كربلاء:
الطريق الى الكوفة
عرف يزيد أمر اولئك النفر الذين أكرههم معاوية اكراها على ان يسكتوا عن بيعته بولاية العهد، حين لم يستطع أن يحملهم على قبولها. وقد كانوا اربعة مات واحد منهم وهو عبد الرحمن بن ابى بكرالصديق، وبقي منهم ثلاثة فى المدينة: الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر بن الخطاب.

أقام الحسين بمكة رافضا بيعة يزيد. وجعلت الرسل تتصل بينه وبين شيعة أهل البيت فى الكوفة، وهم أكثر أهلها، وهم يدعونه ان يأتى الكوفة ليكون امامهم فيما أزمعوا من خلع يزيد واخراج عامله النعمان بن بشير. وقد كثرت هذه الكتب وكثر الذين أمضوها وهم من أشراف الناس ورؤوس القبائل.
وأراد الحسين ان يستقصي أمر هؤلاء الناس فأرسل ابن عمه مسلم بن عقيل الى الكوفة ليلقى اهلها ويعلم علمهم. وسار الفتى حتى أتى الكوفة وجعل يلقى وجوه الناس ورؤساءهم حتى اذا استوثق منهم جعل يأخذ البيعة عليهم للحسين. وأخذ البيعة على أكثر من ثمانية عشر ألفا، وكتب بذلك الى الحسين وألح عليه فى القدوم الى الكوفة. وثار مسلم بن عقيل آخر الأمر ونادى بشعاره، فثارت معه ألوف من أهل الكوفة، فمضوا حتى المسجد ولكنهم لم يثبتوا، ولم يكد الليل يتقدم حتى كانوا قد تفرقوا عن الفتى وتركوه وحيدا يهيم فى سكك الكوفة يلتمس دارا ينفق فيها بقية الليل. وقد جيء به الى عبيد الله بن زياد عامل يزيد الجديد فقتله فى أعلى القصر وألقاه الى الناس.
وصل كتاب مسلم الى الحسين بمكة، وألح عليه الناس ان لا يذهب، ولكن الحسين مضى لوجهه، واحتمل معه أهل بيته، وفيهم النساء والصبيان. كان يعلم أن يزيد سيأخذه بالبيعة أخذا عنيفا فان بايع غش نفسه وخان ضميره وخالف عن دينه، لأنه كان يرى بيعة يزيد اثما، وان لم يبايع صنع به يزيد ما يشاء.
وقد مضى مع الحسين نفر من بنى أبيه، ومن بنى أخيه الحسن، واثنان من بنى عبد الله بن جعفر الطيار، ونفر من بنى عمه عقيل بن أبى طالب، ورجال آخرون حرصوا على أن ينصروه. ولما رأت الأعراب قدومه الى العراق منابذا ليزيد طمعوا فى صحبته وانتظروا منها الخير فتبعه منهم خلق كثير.


فى العراق
ودنا الحسين من العراق وقد أرصد له ابن زياد الأرصاد وأمر رجلا من أشراف الكوفة يقال له الحر بن يزيد، على ألف من الجند وأمرهم ان يلقوا الحسين فى مقدمه ذاك فيأخذوا عليه طريقه ويحولوا بينه وبين الذهاب فى أي وجه من وجوه الأرض، ولا يفارقوه حتى يأتيهم أمره. ولما عرف الأعراب انها الحرب تفرقوا عنه فلم يبق معه منهم أحد. وصل الحسين الى القرب من كربلاء فى اول يوم من محرم، واخبر بمقتل ابن عمه مسلم بن عقيل فساد الوجوم وبدأ النساء بالصياح والعويل، وأراد الحسين ان يرجع بأهله فرفض بنو عقيل وأصروا على اخذ الثأر او الموت. نظر الحسين اليهم وقال: لا خير بالعيش بعد هؤلاء.
ولقي الحسين الحر بن يزيد فى أصحابه، أراد ان يعظهم ويذكرهم، فسمعوا منه ورضوا قوله، ولكنهم لم يطيعوه وانما أطاعوا أميرهم ابن زياد. ثم ندب ابن زياد لحرب الحسين رجلا من أقرب الناس اليه، هو عمر بن سعد بن ابى وقاص. وأرسل معه جيشا من ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف، فمضى عمر حتى لقي الحسين فسأله: فيم قدم؟ قال الحسين: كتب الي أهل الكوفة يستقدمونني ويبذلون لي نصرهم، وأظهر كتبهم لعمر. فعرضت هذه الكتب على بعض من أمضاها، فكلهم أنكرها. وكلهم جحدها مقسما انه لا يعلم من أمرها شيئا.

وعرض الحسين على عمر ان يختار خصلة من ثلاث، فاما أن يخلوا بينه وبين طريقه الى الحجاز ليعود الى المكان الذى جاء منه، واما ان يسيروه الى يزيد بالشام، ليكون بينه وبين يزيد ما يكون، واما ان يخلوا بينه وبين الطريق الى ثغر من ثغور المسلمين، فيكون هناك كواحد من الجند، له مثل ما لهم من العطاء والجهاد. رضي عمر بن سعد وقال: اؤامر ابن زياد.
وكتب الى ابن زياد بما عرض عليه الحسين، فأبى زياد الا أن ينزل الحسين على حكمه ويبايع يزيد، وكتب بذلك الى عمر الذى نهض فور استلام الكتاب لقتال الحسين، وطلب منه أن ينزل على حكم ابن زياد. فأبى الحسين وقال: أما هذه فمن دونها الموت.

المعركة وشهادة الحسين

زحف عمر بجيشه على الحسين وأصحابه، وكانوا اثنين وسبعين رجلا، فقاتلوهم أكثر من نصف النهار، وأبلى الحسين وبنو أبيه وبنو عمومته ومن كان معه أعظم البلاء وأقساه، فلم يقتلوا الا بعد ان قتلوا من جيش عمر أكثر منهم. ورأى الحسين المحنة كما تكون أشنع المحن، رأى اخوته وأهل بيته يقتلون بين يديه وفيهم بنوه، وبنو أخيه الحسن، وبنو عمه عقيل، وكان هو آخر من قتل منهم بعد أن تجرع مرارة المحنة فلم يبق منها شيئا، اذ جلس شمر بن ذى الجوشن على صدر الحسين واحتز رأسه ورماه الى عمر بن سعد.
وكان نفر يسيرمن أصحاب عمر بن سعد قد ضاقوا ذرعا برفض ابن زياد ما عرض عليه الحسين من الخصال، ومنهم الحر بن يزيد، ففارقوا جيشهم وانضموا الى الحسين، فقاتلوا معه حتى قتلوا بين يديه. نظرالمسلمون فاذا قوم منهم عليهم هذا القرشي عمر بن سعد بن ابى وقاص، يقتلون أبناء فاطمة بنت الرسول ويقتلون ابناء علي ويقتلون ابني عبد الله بن جعفر الطيار شهيد مؤتة ثم يحزون رؤوسهم ثم يسلبونهم ويسلبون الحسين حتى يتركوه متجردا بالعراء، ثم يسبون النساء كما يسبى الرقيق، وفيهم زينب بنت فاطمة بنت رسول الله، ثم يأتون بهم ابن زياد فلا يكاد يرفق بهم الا حياء واستخذاء، حين قال لهم علي بن الحسين وقد كان صبيا وهم ابن زياد بقتله فقال له: ان كانت بينك وبين هؤلاء النسوة قرابة فارسل معهن الى الشام رجلا تقيا رفيقا. هنالك تذكر عبيد الله ان أباه يدعي لأبي سفيان، فاستحيا ولم يقتل الصبي، وانما أرسله مع سائر أهل الحسين الى يزيد، وقدم رؤوس القتلى بين أيديهم وفيها رأس الحسين، وقد دخل به على يزيد فوضع أمامه. أخذ يزيد ينكت فى ثغره بقضيب كان فى يده وينشد: (يفلقن هاما من رجال أعزةــــــ علينا وهم كانوا أعق وأظلما)، ويقول الرواة أن ابا برزة صاحب رسول الله كان حاضرا فقال ليزيد: لا تفعل هذا فقد رأيت شفتي رسول الله على هذا الثغر مكان هذا القضيب، ثم قام فانصرف.

المحنة الكبرى
وقد تمت بهذه الموقعة محنة لعلي فى أبنائه لم يمتحن بمثلها مسلم قط قبل هذا اليوم، فقد قتل من بنيه الحسين بن فاطمة والعباس وجعفر وعبدالله وعثمان ومحمد وأبو بكر، فهؤلاء سبعة من أبنائه قتلوا معا فى يوم واحد. وقتل علي الأكبر بن الحسين وأخوه عبد الله، وقتل عبد الله بن الحسن وأخواه أبو بكر والقاسم، وهؤلاء الخمسة من أحفاد فاطمة. وقتل من بنى عبدالله بن جعفر الطيار محمد وعون. وقتل نفر من بنى عقيل بن ابى طالب فى الموقعة بعد ان قتل مسلم بن عقيل فى الكوفة. ثم كانت محنة أي محنة للاسلام نفسه، خولف فيها ما هو معروف من الأمر بالرفق والنصح وحقن الدماء بحقها وانتهك أحق الحرمات بالرعاية، وهي حرمة رسول الله التى كانت تفرض على المسلمين أن يتحرجوا أشد التحرج، ويتأثموا أعظم التأثم، قبل أن يمسوا أحدا من أهل بيته. كل ذلك ولم يمض على وفاة الرسول الا خمسون عاما، فاذا أضفت الى ذلك أن الناس تحدثوا فأكثروا الحديث، وألحوا فيه بأن الحسن قد مات مسموما لتخلص الطريق ليزيد الى ولاية العهد، عرفت أن أمور المسلمين قد صارت أيام معاوية وابنه الى شر ما كان يمكن أن تصير اليه.
وختم طه حسين كتابه بقوله: ولله حكمة أجرى عليها أمور الناس، والله بالغ أمره، قد جعل لكل شيء قدرا. (انتهى)


قد تكون كارثة كربلاء أفظع كارثة حلت بالاسلام والمسلمين، وعلى بعدها، فنحن ما زلنا نعانى من نتائجها. فقد تشقق بعدها المسلمون الى مذاهب وطوائف شتى، وقامت فيهم دول وسقطت دول أخرى، وظهر الكثير ممن يسمون أنفسهم علماء دين وشيوخ و مجتهدين زادوا فى تشرذم المسلمين وحرضوا الناس بعضهم على البعض الآخر، وأفتوا لهم بتكفير و قتل كل من يخالف عقيدتهم حتى وان كان مسلما ينطق بالشهادتين. ووصل الأمر الى حرق وتدميرالمراقد المقدسة و المساجد والجوامع ودور العبادة الأخرى وهدمها على من فيها. وقتل الشيوخ والنساء والأطفال بدون تمييز ومن غير ذنب جنوه وسالت الدماء فى شوارع بغداد انهارا، وهاجر الملايين من العراقيين ينشدون السلامة ولو عند المسيحيين اوعند اليهود الذين آووهم وأطعموهم وأحسنوا اليهم ووفروا لهم الراحة والأمان. ولم يعد معظم الناس يصغون لفقهاء الدين الحقيقيين بل يجرون وراء كل ناعق وجاهل يحرضهم على القتل والتدمير، او القيام بأعمال منافية للدين مثل شج الرؤوس بالسيوف وضرب الظهور بالسلاسل الحديد، مما يؤدى الى ارعاب الناس وخاصة النساء والأطفال من رؤية الدماء التى تغطى الوجوه والصدور
. ونسوا أو تناسوا ان سيد الشهداء قال لأخته زينب عندما خرج للمعركة: يا أختاه ان أنا مت أو قتلت فلا تشقى جيبا (1) ولا تخمشى خدا.

عاطف العزي

كندا
(1) الجيب هو ما يغطى به الصدر والعنق