اذا كانت الخارجية الأمريكية، والرئيس الأمريكي يتفهمان الموقف الاسرائيلي المتمثل بعمليات القتل اليومي في غزة، لأن اسرائيل تعمل على حماية مواطنيها في الجنوب من القذائف الفلسطينية- على حدّ زعمهم-،هذه القذائف التي قتلت ستة اسرائيليين في السنوات السبع المنصرمة، فاسرائيل ضحية للارهاب الفلسطيني على رأي مقرري السياسة في البيت الأبيض، وهذا الفهم ليس حكراً على جورج بوش الصغير الذي يتلقى أوامره من الرب حسب زعمه، بل سبقته اليه الادارات الامريكية السابقة. ومع أن قتل الفلسطينيين غير محصور في قطاع غزة فقط، بل يتعداه الى الضفة الغربية المحتلة، وتعداه في اوقات سابقة الى داخل اسرائيل نفسها، بحيث زاد عدد الشهداء الفلسطينيين عن الأربعين شخصاً في الأيام الثلاثة الماضية، فإن من حق المرء في كل بقاع المعمورة ومن حق الفلسطينيين أن يتساءلوا عن كيفية فهم وتفهم quot;دعاة حقوق الانسان quot; عن استمرار احتلال اسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة، والجولان السورية ومزارع شبعا اللبنانية، هذا الاحتلال الذي دخل عقده الخامس، وهو مدعوم بالمال والسلاح الأمريكي، وأن يتساءلوا عن مأساة ومعاناة ستة ملايين فلسطيني في أرض اللجوء منذ ستة عقود. ومن حقنا كفلسطينيين وكعرب وكمسلمين وكبشر أن نتمنى على الرئيس الأمريكي الذي يثق قادتنا بشجاعته وحكمته ورؤاه أن يسأل ربه اذا كان يبيح دماءنا ويستبيح أرضنا وحرماتنا.


وبغض النظر ان كنا نتفق أو نختلف مع حركة حماس التي تتنازع مع حركة فتح على سلطة تحت الاحتلال، لا تملك من مقومات السلطة الا الاسم، فإن الحصار المحكم المفروض على قطاع غزة، والمتمثل باغلاق الحدود وقطع الوقود، والكهرباء ومنع وصول الادوية وحليب الاطفال والمواد الغذائية الى مليون وربع المليون فلسطيني يعيشون في القطاع. يشكل ارهاب دولة وجريمة حرب تستهدف ابادة شعب بأكمله، وتصفية الحسابات مع حماس ليست مبرراً لقتل مواطني القطاع.


ان أعمال العنف التي تشهدها المنطقة هي نتاج طبيعي وحتمي للاحتلال الاسرائيلي ولافرازاته الوحشية المتمثلة بمصادرة الأراضي والاستيطان وجدران التوسع،وقتل الحرث والزرع، هذا الاحتلال الذي سلب الأمن الفردي والجماعي عن الفلسطينيين، وعن العرب الذين يعيشون تحت الاحتلال، وهذا الاحتلال هو مسؤول أيضاً عن تهديد أمن الاسرائيليين أنفسهم، ولا يمكن لاسرائيل أن تحظى بالاحتلال والأمن معاً، ولن يتحقق الأمن لا للاسرائيليين ولا لغيرهم الا بزوال هذا الاحتلال وكنس كافة مخلفاته، ولن يتحقق ذلك الا بوحدة المواقف الفلسطينية، فالخطر يداهم الفلسطينيين جميعهم، وأبعاده تتعدى حدود الأراضي الفلسطينية الى الدول المجاورة، بل يهدد الأمن الاقليمي برمته، ويتعداه الى تهديد الأمن والسلم العالمي أيضاً. وقد أثبتت العقود الماضية أن أمريكا ترى مصالحها في المنطقة من خلال اسرائيل قوية ومحتلة، مقابل ضعف عربي يصل الى درجة الهوان والاستسلام، وأن المسؤولين الأمريكيين لم يسمعوا كلمة quot; لا quot; في كل اتصالاتهم وزياراتهم للدول العربية، ولا يفهم من هذا الكلام أننا نطالب بإعلان الحرب على أمريكا، بل نطالب أمريكا بأن تفهم
بأن مصالحها ستكون مؤمنة في المنطقة من خلال تحقيق العدالة، ومن خلال المصالح المشتركة، وليس من خلال استعداء شعوب هذه المنطقة، فقد أثبتت التجارب أن العنف لا يولد الا العنف المضاد، وأن القوة العسكرية والطغيان العسكري لم يحقق الأمن لاي دولة أو جماعة، ولم يحقق مصالح أي دولة بل العكس هو الصحيح تماماً، مع أن أمريكا واسرائيل تؤمنان بأن ما لا يحل بالقوة لا يحل الا بمزيد من القوة، ويبدو أنهم لم يتعلموا من تجارب التاريخ، تماما مثلما لم نتعلم نحن العرب من التاريخ ايضا، مع تضاد الموقفين.


لكن الجريمة التي يتعرض لها قطاع غزة هذه الأيام، والمأساة التي يعيشها مواطنو القطاع تتطلب موقفاً عاجلاً، يستدعي العمل السريع لتوحيد الساحة المحلية الفلسطينية ونبذ الخلافات، والخروج بموقف واحد موحد أمام الرأي العام العالمي، مصاحباً في نفس الوقت الدعوة السريعة لمجلس الأمن الدولي ولمجلس الجامعة العربية، لفك الحصار عن قطاع غزة المنكوب، وللجم حرب الابادة التي يتعرض لها شعبنا.

جميل السلحوت