ترى، هل دخل السيناريو السياسي العراقي، الشبيه بالمسلسل المكسيكي المدبلج، فصلا جديدا لايقل اثارة عن الفصول السابقة؟!، هل اعطت الادارة الامريكية ومعها دهاليز السياسة المؤثرة على الساحة العراقية الضوء الاخضر لتهدئة النار تحت قدر الحرب الطائفية المذهبية لصالح دفع حطب اضافي تحت قدر الصراع القومي؟! هل وصل بعض السياسيين العراقيين الى الاقتناع بضرورة اعلان هدنة مؤقتة في الصراع الطائفي المذهبي بعد ان وجدوا انفسهم يلتقون على هدف مشترك يتمثل فيما أطلق على تسميته ( بتحجيم الدور الكردي )؟. يبدو ان الحراك السياسي على الساحة العراقية في الاسابيع الاخيرة يتجه بهذا القطار الى محطة جديدة تشهد مغادرة ركاب قدامى وصعود اخرين جدد، حيث تشير الانباء الى محاولات لتأسيس تحالفات جديدة، فتتكلم التقاريرعن اسماء مرشحة للدخول في هذه التحالفات دعما للحكومة العراقية الحالية ورئيسها السيد نوري المالكي كانت حتى الامس القريب تضع نفسها على المرفأ المقابل لها، كما تتداول نفس القارير فجوة تتسع يوما بعد يوم بين الحكومة المركزية والقيادات الكردية في اقليم كردستان، وهكذا، اذا صحت هذه التقارير والانباء، نكون امام مرحلة جديدة من حيث احداثها وافرازاتها ونتائجها، ربما تمثل الاهم بالنسبة لشعبنا كون ثقل مهم فيه قد يكون احدى ساحات الصراع والمساومة الرئيسة فيها.

بداية يجب التنويه الى الاعتقاد بصعوبة الاحتمال في ان تلعب هذه التحالفات الجديدة دورا ايجابيا، تكتيكيا او استراتيجيا، يؤدي الى استكشاف شعبنا ووطننا، كوحدة متكاملة، ضوء نهاية النفق فيتمكن من استشراف المستقبل باهدافه التي يتمناها كل مواطن غيور، لان اطراف هذه التحالفات تتقاطع مع بعضها البعض كليا او على الاقل الى حد كبير في الارضية والرؤى والافكار والاهداف، بل ربما تتملك البعض منها عقدة فقدان الثقة بل الحقد والعداء الشخصي تجاه بعضها البعض، لكنها وجدت نفسها في فجأة من الزمن يجمعها هدف واحد او انها اكتشفت ان مشكلة العراق الوحيدة تكمن في تعاظم الدور الكردي، وهو نفس الخطأ القاتل الذي ارتكبته المعارضة العراقية السابقة، والتي يتولى بعضها مواقع السلطة الرسمية حاليا، حين اتفق ذلك اللملوم المختلف والمتناقض في كل شئ، على هدف وحيد هو اسقاط النظام، مبررا لهذه الغاية كل الوسائل، فقاد غياب المشروع الوطني المتكامل الى دخول الوطن في جزء اخر من النفق المظلم لايقل ظلمة عن سابقه، إن لم يكن اكثر مرارة وقسوة. اضف الى ذلك، فان حشر الاكراد في الزاوية الضيقة لن يؤدي إلا الى فرصة اكبر لترعرع الشعور القومي الشوفيني المتطرف الذي سيجد في هذا الفعل مناخا نموذجيا لكسب تعاطف قاعدة اكثر اتساعا يصبح من السهل تنظيمها لتكون رد فعل بنفس القوة وبالاتجاه العاكس، ناهيكم عن ان الكثير من الاطراف التي تشكو اليوم من تعاظم الدور الكردي تتحمل هي نفسها سبب ذلك، بسبب الازدواجية الغير المبررة التي اتسم بها تصرفها السياسي مع الجانب الكردي خلال المرحلة السابقة حيث تؤمن وتضع هذه الاطراف، في سرها، حدودا للدور الكردي ومساحة نفوذه، وتداهن وتراوغ وتساوم وتقطع الوعود في الوقت نفسه لغايات سياسية رخيصة فتشرعن او تعلن موافقتها، لضرورات المرحلة، على مواد وقرارات ليست هذه الاطراف صميميا مقتنعة بها.

ان نقطة الخلاف الجوهرية بين الجانب الكردي والاطراف المقابلة المحسوبة على الجانب العربي لاتكمن بالاساس في الملفات الشائكة موضع الخلاف المتمثلة في درجة استقلالية الاقليم وتأثير المركز عليه و تقسيم الثروة و عقود النفط ومعضلة كركوك والمادة 140 الخاصة بهذه المدينة والمناطق الاخرى المتنازع عليها، بل ان نقطة الخلاف الجوهرية تكمن اساسا في الصراع المستمر بين الطرفين على تقاسمهما لدوري القطة والفأر في اللعبة بينهما، فبينما يرى الجانب الكردي ان لعبة القط والفأر قد دخلت في زمن النظام السابق هدنة غير معلنة لسنوات عديدة بسبب الظروف الاقليمية والدولية، ولذلك فان رعاية المعارضة العراقية السابقة والدور الكردي في عملية اسقاط النظام مضافا اليه الشعور بالغبن والحيف والنظرة الدونية المتراكمة منذ عشرات السنين، كل هذا يعطي للجانب الكردي حقوقا اضافية بعد اسقاط النظام تتراوح بين دور يتناسب مع هذه العطيات متجاوزا تلك الهدنة ليمتد في ظروف الفراغ الناتج بسبب التناحر الطائفي ليجسد دور القطة الكردية التي تجيد استثمار الفرص لمحاصرة طريدتها، صحيح جدا ان القطة الكردية لاتنوي التهام فريستها كليا، بل تحرص دائما على الالتزام بقواعد اللعبة وتسجيل النقاط. من جانب اخر يرى الطرف المقابل ان فقدانه لدور القطة هو امر غريب لم يعتاد عليه سابقا ناهيكم عن الشعور الاضافي بالحركة المقيدة امام الزحف الدائم للقطة الجديدة حيث ان هامش هذه الحركة المقيدة هو في تقلص مستمر، مما ينمي الرغبة في البحث عن منفذ، ولايجد البعض حاجة لاجهاد النفس في البحث عن تلك المنافذ الجديدة بل يرى ان المنطق والحل يكمن في اعادة تبادل الادوار لتعود كما كانت في السابق حيث المركز هو القطة. اننا نعتقد ان هذه، وفي اجواء انعدام الثقة المتجذرة و المستديمة، هي اساس المعضلة بين المركز والاقليم وتبقى ملفات الخلاف المشار اليها سابقا انعكاسا لها.

عندما نتكلم عن جولة جديدة من الصراع القومي العربي الكردي فان ذلك لايعني بالضرورة ان هذا الصراع سيأخذ طابع الاقتتال الدموي، خاصة اذا كانت الادارة الامريكية والاطراف الاقليمية المؤثرة لاتسمح بان يصل الصراع الى تلك الدرجة، لكنه من المؤكد سيكون صراعا سياسيا قائما على المساومة في تلك الملفات وفق صفقة ( شيًلني واشيًلك )، وعلى هذا الاساس ستكون منطقة سهل نينوى احدى الاوراق على مائدة المساومات تلك. من الطبيعي ان يصنف كل طرف اوراق المساومات التي يملكها ويرتبها ويقرر حرقها او الاستغناء عنها تبعا لاهميتها، وهنا نرى احتمالان لاثالث لهما. الاول، يتمثل في عدم قدرة الجانب الكردي على الحصول على اية مكاسب في الاوراق المهمة الاخرى، مثل كركوك، مما يدفعه الى القبول بعروض تعويضية قد يكون سهل نينوى أحدها، او اقتناع الاكراد بان هذه المنطقة هي ورقة المساومة الرئيسية والاخيرة بالنسبة اليهم. ان هذا الاحتمال ضعيف الى حد ما لسبب واضح يكمن في ان الاكراد يعتبرون كركوك ( قدس كردستان ) ولذلك فالميزان من حيث الاهمية يميل كليا لكركوك بالمقارنة مع سهل نينوى. على اية حال، لو فرضنا حدوث ذلك فانه سيؤدي ربما الى انتعاش اصحاب الامال الداعية الى ضم السهل باقليم كردستان وبالتالي توفر احد الشروط الرئيسة التي يراها الجانب الكردي ضرورية للمساعدة في تحقيق الحكم الذاتي لشعبنا الكلداني السرياني الاشوري، او ربما سيرى الجانب الكردي عندذاك انه في حِلٍ من الوفاء بوعوده لانه ربح المنطقة عن طريق المساومات السياسية وليس بالمطالبة الشعبية من سكان السهل، خاصة وان ادارة الاقليم لم تخطو لحد الان اية خطوات جوهرية، دستورية اوتشريعية اوتنفيذية، على طريق منح شعبنا الحكم الذاتي، كحجر اساس، في المناطق الواقعة حاليا ورسميا ضمن الاقليم. وفي كل الاحوال، فان تحقق هذا الاحتمال سيؤدي حتما الى ان نعيش سياسة تختلف الى حد كبير، في شخوصها وتفاصيلها، عن السياسة الكردية المتبعة خلال هذه المرحلة الانتقالية.

اما الاحتمال الثاني، وهو الاقوى والاهم والاخطر، فيتمثل في استغناء الجانب الكردي، مُخيرا او مُجبرا، عن ثقل جزئي فعال او كلي من نفوذه في سهل نينوى، ان هذا الاحتمال هو الاقوى لانه أوفر حظا، وهو الاهم لانه يُلقي على عاتق شعبنا ومؤسساته مسؤوليات كبيرة، وهو الاخطر لما قد يفرزه من تحديات جسام، لانجانب الحقيقة اذا قلنا ان الانسحاب الكردي من المنطقة، وفي ظروف تمتلك فيها سلطة دولة المركز هيبة هشة، سيقود الى فراغ امني وحياتي ينبغي الانتباه والاستعداد له، كما ان ذلك قد يؤدي الى خنق المنطقة اقتصاديا كون الاكراد سيمنحون ظهورهم لها وبعض العرب ناقمون عليها، لابل قد تصبح المنطقة ساحة تغري البعض من اصحاب النفوس الضعيفة لاشاعة الفوضى والجريمة فيها استنادا لاعتقاد هذا البعض ان ارتكاب الجريمة بحق المسيحي هو عمل معفي من ( الرسوم الكمركية والضرائبية ) وبالتالي فهي جريمة مجانية. ان امام شعبنا ومؤسساته وبصورة خاصة تلك النخب التي كانت صادقة مع شعبنا ومع الاكراد ومع العرب والاخرين بمواقفها المبدئية المبنية على الرغبة في العيش المشترك ونسج افضل العلاقات مع الجميع تحت خيمة الوطن الموحد، ان امام هؤلاء اولا، عمل شاق ومهمة جسيمة تتمثل في تهيئة شعبنا داخليا واستنهاض روح الوحدة والتماسك فيه للتصدي لهذه التحديات ومجابهتها عندما يُصبح وجها لوجه معها، ثم العمل الجاد لتدويل قضية شعبنا وتسليط الاضواء على واقعه دوليا وبذل الجهد لجذب انظار المجتمع الدولي باستمرار لما يحدث له، حيث ان العامل الدولي له اثار ايجابية، حتى ولو كان ذلك على الامد البعيد، في نصرة قضية شعبنا، كما انه لايخلو من تاثيرات انية تردع الى حد ما محاولات استهدافه. وفي هذا المجال قد يكون الحل الناجع هو البحث عن مظلة دولية تأخذ على عاتقها ضبط الواقع الامني، اذا اقتضت الضرورة، اضافة الى برامج التعاون الانمائي في المجالات المختلفة كالتعليم والصحة والديموقراطية وحقوق الانسان، ومن الافضل ان لاتكون المظلة الدولية من الدول المشاركة في القوة المتعددة الجنسيات، بل من دول تنال احترام جميع العراقيين لموقفها المحايد والمتوازن من القضية العراقية كمجموعة الدول الاسكندنافية وفرنسا على سبيل المثال.

كان زميلي في الجامعة يختم بحوثه وحساباته الفلكية بعبارة ( والله أعلم )، كما ان اغلب مقدمي برامج الابراج، اليوم ينهون قرائتهم لتوقعات الابراج بالقول ( والعلم عند الله ). اعتقد ان الشئ نفسه يجب ان يفعله من يحاول الغوص في ( الابراج السياسية العراقية ) كون هذه الابراج قد ذاع صيتها، انها في اغلب الاحيان لاقانون يحكمها ولامعادلة تُحققها، حالها حال طقس أذار.

د. وديع بتي حنا
[email protected]