1. أطباء و مهندسون لمزاولة الإرهاب

لا نعتقد أن شيوخ الأزهر و قيادات الحركات الإسلامية قد جانبوا الصواب عندما أكدوا على حقيقة أن جل الإرهابيين في الدول العربية و الإسلامية اليوم هم خريجو مدارس و جامعات النظام العام، و ليسو خريجي المدارس و الجامعات الدينية. ايمن الظواهري و منظر حركة الجهاد المصرية تخرجوا من كلية الطب بجامعة القاهرة. و الرئيس السابق للنهضة الأصولية التونسية د. الصادق شورو ينتمي لكلية الطب بتونس. و يمكن أن نقول نفس الشيء عن ابرز مسئولي حماس من أمثال عبد العزيز الرنتيسي و محمود الزهار. كما تبين أن الإرهابيين الذين القي عليهم القبض في محاولات التفجير بلندن منذ أشهر يمتهنون الطب.

أما عن دور خريجي الهندسة في قيادة الحركات الأصولية الإرهابية فحدث و لا حرج. معظم قيادات الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر مهندسون، و لم يكن ذلك استثناءا، إذ ورد في دراسة علمية حديثة للباحث البريطاني quot;دييجو جامبيتاquot; أن 78 من مجموع 404 إسلاميا قاموا بعمليات إرهابية منذ بداية السبعينات من القرن الماضي هم من المهندسين، و نسبتهم تفوق عشرة إضعاف نسبة المهندسين من مجموع سكان دولهم الأصلية.

و يفسر البروفيسور جامبيتا هذه الظاهرة بالقول quot;يسهل اجتذاب هؤلاء للإرهاب لان طريقة تفكيرهم تجعلهم يبسطون الأمور في العالم من حولهمquot;. و هذا تفسير غير مقنع بدليل أننا لا نسمع عن نشاط إرهابي لافت لخريجي المعاهد التكنولوجية في دول الهندوس و البوذيين و الكاثوليك وغيرهم؟؟؟ كما لم يكن البروفيسور موفقا عندما أضاف عاملا اعتقد انه يلعب دورا مساعدا ألا و هو quot;الظروف الاجتماعية التي عاشها هؤلاء في دولهم الإسلاميةquot;. فالمعروف إن المهندسين ( و الأطباء ) يحضون باحترام كبير في هذه الدول، كما لا توجد لديهم بطالة بحكم ندرة التخصصات التقنية في هذه المجتمعات. مثل هذه الظروف الاستثنائية التي ينعم بها المهندسون في الدول العربية و الإسلامية، كان من المفروض أن تبعدهم عن التطرف و الإرهاب لا العكس!!!

للخروج من المأزق السابق، حاول بعض المحللين تفسير الظاهرة بعمل الحركات الإسلامية على جلب فئة المهندسين إلى صفوفها للاستفادة من مؤهلاتهم التقنية. و هذه فرضية ضعيفة إذ أن معظم العمليات الإرهابية لا تتطلب هكذا مؤهلات، كما ورد في التعليق المنشور على الرابط التالي:
http://www.discovervancouver.com/forum/Education-and-
Islamists-t218023.html

لا بد من التنويه بوجود فارق كبير بين الدول التي خطت الخطوات الأكبر على طريق الحداثة مثل تونس و ماليزيا و تركيا من جهة، و الدول الفاشلة مثل الجزائر و مصر من جهة أخرى. فالإرهابي الماليزي الوحيد الذي سمع عنه العالم خلال السنوات الأخيرة - أزهري حسن ndash; كان قد لقي مصرعه في اندونيسيا لا في وطنه الأم. كما أن عددا من المتهمين بالإرهاب في تركيا تأكد تلقيهم التعليم في مدارس دينية للجالية التركية في ألمانيا! و يقودنا هذا إلى بحث دور التعليم الحكومي في الدول العربية و الإسلامية في تفريخ الإرهابيين و الترويج لأفكارهم و التغطية على إعمالهم.

2. التعليم الحكومي مفرخة الإرهابيين

من المستبعد أن تكون لكليات الطب و الهندسة الدور الأساسي لتكوين النفسية العدوانية للإرهابيين، فهذا التكوين النفسي يبدأ مبكرا في المدرسة. و هنا توجد مشكلة حقيقية في المناهج المتبعة في جل الدول الإسلامية. في الحالة الجزائرية، على سبيل المثال، و كما جاء في رسالة العفيف الأخضر المفتوحة للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في ديسمبر 2004:

quot;التعليم ألظلامي في ظلّ دولة تقدم نفسها بأنّها حديثة، مثل الجزائر... يخرّج أجيالا من الفصاميين، إذن إرهابيين، ناقمين على الحاضر باسم الماضي. لأنهم يرون أن ممارسات دولتهم لا تتطابق مع الوعي الديني الظلامي الذي زرعته فيهم في المدرسة. وهكذا يتمردون على مجتمعهم الفعلي باسم مجتمع إسلامي مثالي خيالي لم يوجد في التاريخ قط ولكن المدرسة غسلت به أدمغتهم فأوهمتهم بأن العودة إلى عبادة الأسلافquot;.

و ينطبق هذا على مصر التي وقعت فريسة عملية quot;طلبنة التعليمquot; كما وضح ذلك عادل جندي في سلسلة مقالاته الأخيرة المنشورة على صفحات إيلاف، التي تؤكد أن إشاعة ثقافة التحقير و التكفير و الكراهية لا تقتصر على مواد التربية الدينية بل تعدتها للتسلل إلى مواد أخرى مثل دراسات اللغة العربية. و على هذا الأساس، يصبح الطالب مهيئا لامتهان القتل لمن يخالفونه الرأي قبل دخوله الجامعة. و قد يقتصر دور كليات الطب و الهندسة في المرحلة الموالية على توفير البيئة المناسبة لهؤلاء الشباب للتنظيم و الانتقال لممارسة الإرهاب.


3. ما سبق لا يبرئ مسئولية المدارس و الجامعات الدينية

لكن ما سبق ذكره لا يبرئ المدارس و الجامعات الدينية التي تتحمل مسؤولية أساسية و إن كانت غير مباشرة في توفير البيئة التعليمية المناسبة لتفريخ الإرهابيين. فالمدرسون القائمون على التعليم في مدارس النظام العام يأتي عدد كبير منهم من المدارس و الجامعات الدينية، مثل جامعة الأزهر التي يؤمها 400 ألف طالب في مصر، و جامعة القرويين في المغرب و الجامعات الإسلامية في الجزائر، التي دعا وزير التعليم الجزائري منذ سنتين إلى ضرورة إلغائها. كما نجح عدد من خريجي هذه المؤسسات في اختراق وزارات التربية و التعليم في هذه الدول مما أعطاهم فرصة لبث سمومهم بــ quot;طلبنةquot; محتوى المناهج. و ينطبق هذا على دول مثل مصر و الجزائر و باكستان، و كذلك على دول الخليج التي لجا إليها quot;الإخوانquot; المصريون بأعداد كبيرة منذ الستينات من القرن الماضي هربا من جحيم عبد الناصر، حيث تمكنوا بخبثهم و ريائهم المعهود من الارتقاء إلى مناصب عليا في الوزارات و المؤسسات التعليمية، و تسببوا بذلك في مضار كبرى تحاول هذه الدول اليوم جاهدة على تلافيها بالإصلاح و المراجعة.

يبدو واضحا، بناء على ما سبق، إن تخصصات الطب و الهندسة في الدول العربية و الإسلامية لم تقم بالدور الأساسي لتكوين الإرهابيين، إذ أن هذا الدور موكول لمدارس النظام العام في المراحل الابتدائية و الثانوية. لكن المعروف عن هذه التخصصات إنها تنهك طلابها بالتركيز على الدراسة و الاختبارات التجريبية، التي لا تترك لهم مجالا رحبا للتفكير، مما يسهل تجنيدهم من طرف الحركات الداعية للتعصب و العنف. و على هذا الأساس يصح أن نطلق على هكذا تخصص: تخصص علمي ndash; إرهابي.

د. أبو خولة
[email protected]